عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Jun-2019

متی یتحول الـ 150 قتیلا إلی کارثة - برئیل تسفي
ھآرتس
التحول الذي قام بھ الرئیس دونالد ترامب مؤخرا ربما ھو فقط صافرة التھدئة الأھم التي تلقاھا الشرق الاوسط في الفترة الاخیرة. یبدو أن كل العوامل الاساسیة التي كان یمكنھا تبریر ھجوم عسكري امیركي ضد إیران اجتمعت معا في خلیط مقنع. الغلیان في الخلیج كان سریعا وكثیر العوامل.
عندما أصیبت ناقلات النفط – السعودیة والیابانیة وغیرھا – في ھجمات بحریة تم توجیھ اصبع
الاتھام بدون أي دلائل قاطعة إلى إیران. عندھا دخل إلى الصورة الحوثیون في الیمن الذین تدعمھم
إیران. ھؤلاء قاموا في عدة مناسبات باطلاق الصواریخ على مطار جیزان ومطار أبھا في السعودیة. وبعد ذلك جاء تصریح طھران بأنھا قصرت الفترة الزمنیة التي تقید كمیة تخصیب الیورانیوم – ومعنى ذلك بأنھا ستقوم باختراق الاتفاق النووي. وكانت تصریحات اخرى، مثل تصریحات قادة الجیش وحرس الثورة، الذین ھددوا أنھم رغم عدم اھتمامھم بمواجھة عنیفة إلا أنھم لن یترددوا في ضرب اھداف امیركیة اذا تمت مھاجمة إیران.
بعد یوم، في صباح یوم الخمیس، وصلنا إلى الذروة: اسقاط الطائرة الامیركیة المسیرة من قبل
إیران. إن شرعیة الھجوم آخذة في النضوج. ”بنك الاھداف“ الإیراني فتح أبوابھ، الامر لتفعیل
القوات أعطي، وفجأة لا یوجد أي شيء. عادوا إلى نقطة البدایة.
بنظرة متفحصة، مبررات مھاجمة إیران (ضرب الناقلات واسقاط الطائرة) استندت إلى ارجل
ضعیفة. لا یوجد ما یكفي من الاثباتات من اجل اشعال مواجھة یمكن أن تتطور برمشة عین إلى
حرب اقلیمیة. ایضا بخصوص تفاصیل الطائرة المسیرة لم یكن ھناك اتفاق. الامیركیون قالوا إنھا
لم تخرق المجال الجوي لإیران، وفي طھران قدموا تفسیر مناقض.
دلائل من ھذا النوع تخدم اسرائیل من اجل تبریر مھاجمة حماس في الساحة المحلیة، التي لا تؤثر
على الشرق الاوسط كلھ، لكن لا یمكنھا أن تكفي لدولة عظمى ترید الاستعداد لأن یكون حلفاؤھا
معرضین للضرب بصورة مباشرة. السعودیة ودولة الامارات، على الاقل بشكل علني، اعلنتا
بأنھما لا ترغبان بحرب في الخلیج.
الضلع الثالثة في مثلث الحلفاء ھي اسرائیل. الاوساط الامنیة ھنا تقدر أن إیران یمكنھا تشغیل
فروعھا في لبنان وسوریة، سواء كرد على الھجوم علیھا أو كوسیلة ضغط على الادارة الامیركیة.
ولكن الحكومة الاسرائیلیة التي كان یجب علیھا تبني موقف السعودیة – كونھا توجد معھا على لوح
الاھداف الإیراني – صمتت. ترامب اختار أن یشرح امتناعھ عن الھجوم بأنھ أراد منع قتل 150
مواطنا إیرانیا. ھذا التفسیر الانساني كان یمكن أن یھز المشاعر؛ لو أنھ لم یكن الرئیس الامیركي
ینفعل من أن آلاف السوریین والعراقیین أصیبوا في الحرب الامیركیة ضد داعش؛ أو الشخص
الذي لا یرى عن بعد متر المھاجرین الذین یحاولون الدخول إلى بلاده من المكسیك. بشكل عام، ھل
التقدیر بشأن الموت المتوقع لـ 150 شخصا لم یكن معروفا قبل اتخاذ قرار الھجوم؟.
یمكننا أن ننسب لاجھزة المخابرات الامیركیة الفضل بأنھا تعرف كیف تقدر عدد القتلى المتوقع.
من المھم فقط معرفة متى تغیر التعامل مع ھؤلاء القتلى من ضرر بیئي لا مناص منھ إلى كارثة
انسانیة لا تستطیع الولایات المتحدة السماح لنفسھا بحدوثھا. ولكن الامر المھم لیس فقط عملیة اتخاذ القرارات من جانب ترامب، ھذا اذا كان یمكن تحلیل الطریقة التي یستل فیھا الأوامر، بل تأثیرات
قراراتھ الاخیرة على ساحة المواجھة في الخلیج وخارجھ. یوجد للادارة الامیركیة رؤیة وتطلعات
بالنسبة لسلوك إیران، ولكن لیس لھا استراتیجیة لتحقیقھا. العقوبات التي فرضھا ترامب على إیران
ھي من العقوبات المؤلمة التي عرفتھا الدولة في تاریخھا. ولكن بعد ثمانیة اشھر من فرضھا فان
طھران ما تزال لم تتراجع.
من خلال التحلیلات والتفسیرات المعتادة تعرف جھات التقدیر أن تشیر إلى الخسائر الكبیرة التي
تلقتھا إیران، وعن انسحاب شركات كبرى من الاستثمار في الدولة وأن معظم زبائن نفطھا توقفوا
عن شراء النفط منھا، لكن لا توجد أي معلومات أو تقدیر عن الفترة الزمنیة التي یمكن لإیران مواصلة الصمود في ھذه الظروف الصعبة. عراق صدام حسین واصل البقاء اكثر من عقد تحت نظام عقوبات اكثر شدة من التي فرضت على إیران، إلى أن أدت حرب شاملة فقط إلى ھزیمة النظام. لا یوجد أي دلیل على أن النظام في إیران سیتصرف بصورة اخرى. ولكن الادارة الامیركیة لا تطرح أي استراتیجیة فعلیة لوضع فیھ إیران تتمسك بسیاستھا ولا توافق على اجراء مفاوضات بشأن اتفاق نووي جدید. ھل ھو مستعد لشن حرب شاملة من اجل اسقاط النظام في إیران؟
یبدو أن قرار طھران تجاوز تقییدات الاتفاق النووي یمكنھ أن یعطي للولایات المتحدة والدول الغربیة التي وقعت علیھا ذریعة لمھاجمة إیران. ولكن عمل منسق كھذا یقتضي التوافق بین الدول الموقعھ، الامر غیر الموجود، وھناك شك في أن یتم التوصل الیھ. عدد من دول الاتحاد الاوروبي تعمل بشكل حثیث وإن كان ذلك بدون تحقیق نجاح كبیر، من اجل تشكیل مسار یتجاوز العقوبات.
روسیا والصین بالتأكید لن تؤیدا الحرب ضد إیران.
الولایات المتحدة یمكنھا في حینھ أن تجد نفسھا كفارس وحید امام إیران وأمام عداء دولي. صحیح
أن التحالف الدولي المناھض لامیركا الذي أنشئ في اعقاب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لم
یرض ترامب، ولكن ھناك فرقا جوھریا بین العمل السیاسي والحرب. في ظروف كھذه لا یبدو في
واشنطن أن ھناك خریطة طریق مقنعة.
المعضلة التي یجب أن توجھ أي مواجھة عسكریة ھي ھل یتم تقسیمھا إلى عدة ھجمات موجھة إلى ”نقل رسالة“ أو ”الحفاظ على الھجوم كخیار أخیر“، لكن في حینھ استخدام كامل القوة. في ظروف اخرى كان یمكن استنفاد عملیة الرد على العملیات في الخلیج بـ ”ھجمات توجھ الرسالة“، مؤلمة ولمرة واحدة. ولكن في ھذه الساحة ایضا فان ھجمات معینة یمكن أن تتطور بشكل سریع إلى حرب دولیة. یبدو أن ھذا الاعتبار، ولیس خسارة حیاة مواطنین إیرانیین، ھو الذي اوقف ھذه المرة
ترامب عن تطبیق قرار الرئیس الامیركي. اسرائیل بالتأكید ستقول لھ بأنھ رفع بھذا نسبة الرد وأن
إیران ستفسر ذلك كضعف امیركي. من ناحیة اسرائیل فقد تم اضاعة فرصة مزدوجة من اجل نقل
رسالة شدیدة لإیران وكذلك قیام الولایات المتحدة ولیس اسرائیل بارسال الرسالة. ولكن حتى لو تم
ارسال الرسالة فان الامر لا یتعلق بعملیة خطیة تضمن النتیجة المأمولة. اسرائیل تعلمت ھذا جیدا
في جبھات اخرى عندما قامت الولایات المتحدة بتطبیق ھذه العبرة في ساحاتھا.