عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Mar-2019

تعيين رجل متوفى... وحفلة شواء على منصة إطلاق الصواريخ «كمائن» مواقع التواصل تهز مصداقية صحف مصرية
 
القاهرة:- الشرق الاوسط -  فتحية الدخاخني - مع تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى وسيلة ضغط سياسي لتغيير القرارات الحكومية، أو لتوجيه الرأي العام باتجاه قضية دون أخرى، أصبحت كذلك مصدراً للأخبار، يعتمد عليه عدد كبير من العاملين في مجال الإعلام. لكن هذا المصدر الذي لا تحكمه قواعد النشر، أضاف تحدياً جديداً إلى تحديات الصناعة التي تعاني من أزمات مالية ومهنية.
 
وباتت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة اختبار لمهنية الصحافي، إلى حد اعتبار البعض أن التدوينات والتغريدات المليونية التي تنقلها الصفحات، بمثابة «كمائن» تسقط فيها مصداقية بعض وسائل الإعلام.
 
ولعل تورط وسائل إعلام مصرية، في نقل نبأ تعيين شخص (تبين فيما بعد أنه متوفى) بمنصب وزير النقل، وذلك نقلاً عن تغريدة لأحد مستخدمي «تويتر»، مثال صارخ على نوعية الألغام التي تضعها مواقع التواصل الاجتماعي في طريق الإعلام، وكيف يمكن أن تؤثر على مصداقية الإعلام بشكل عام.
 
وقال الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «النقل عن مواقع التواصل الاجتماعي دون تحقق، يؤكد التراجع المهني وعدم تطبيق أساسيات المهنة، وهبوط بالمستوى الاحترافي، فالقاعدة الأساسية في العمل الإعلامي هي عدم الاعتماد على مصدر واحد للخبر؛ بل أكثر من مصدر، ليس لبعضها علاقة ببعض».
 
وأضاف علم الدين أن «الإعلام لم يستوعب حتى الآن طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر من مصادر المعلومات، ينبغي التعامل معه بحذر؛ حيث يتعامل معها للأسف باعتبارها مصدراً مقدساً، يأخذ منه دون مراجعة»، مشيراً إلى أنه «ينبغي النظر لمواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مصدراً يقدم معلومات تحتاج للتحقق والتحليل، لتكون بداية قصة وليست نهايتها».
 
وفضيحة النقل عن «السوشيال ميديا» أشار إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، وقال: «هما قالوا إن مهندس هيتولى مرفق النقل، وهو متوفى منذ 10 سنين».
 
وأكد الدكتور أيمن ندا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن «خبر وزير النقل المتوفى كان كاشفاً للمهنية الغائبة عن وسائل الإعلام، التي تعتمد على (السوشيال ميديا) في الحصول على المعلومات». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «قواعد العمل الإعلامي في السابق كانت تطلب من الصحافي إجراء المقابلات وجهاً لوجه، ثم تساهلت معه وجعلت الهواتف وسيلة لإنجاز الموضوعات الصحافية، وأخيراً أصبح من الممكن الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر، وإعداد موضوعات صحافية».
 
ولم يكن اعتذار المواقع والصحف التي نشرت هذه الأخبار مُرضياً لندا، وقال إن «مجلة (دير شبيغل) الألمانية فصلت صحافياً حاصلاً على جوائز؛ لأنه نشر قصصاً دون الاعتماد على مصادر كافية. وقبلها فعلت صحيفة بريطانية الشيء نفسه، حفاظاً على مصداقيتها بين القراء».
 
واستدرك: «لو طبقنا هذه المعايير على مصر، فسيظهر بوضوح أنه لا توجد وسيلة واحدة تلتزم بالمعايير الدولية للمهنة، وكذلك فإنه من المدهش أن يكون هناك ضيوف تحدثوا في برامج (التوك شو) عن المهندس المتوفى».
 
ولم يكن هذا هو الفخ الوحيد الذي سقطت فيه وسائل الإعلام، ففي الفترة نفسها، تداولت وسائل الإعلام، نقلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، خبراً عن تعيين مقدم البرامج المصري المثير للجدل، والنائب البرلماني المفصول من مجلس النواب، توفيق عكاشة، أستاذاً في إحدى الجامعات الخاصة، لتبدأ حملة ضد الجامعة احتجاجاً على الخبر، الذي نفته الجامعة وقالت إنه «شائعة لا أساس لها من الصحة»، حتى أن عكاشة نفسه خرج يعلق على الشائعة بقوله: «لو جابوا لي الجامعة أدام باب البيت مش هوافق برضه».
 
محمد السيد صالح، الكاتب الصحافي ورئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم» الأسبق، قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشكلة الإعلام أنه أصبح مهنة من لا مهنة له، بمعنى افتقاد العاملين في المجال للعناصر الأساسية في العمل الإعلامي، وهي الموهبة والتدريب والمتابعة»، مشيراً إلى أنه لا يقصد اقتصار العمل بالإعلام على خريجي كليات الإعلام، فكثير من رموز المهنة لم يدرسوا الإعلام؛ لكنه يعني التدريب والالتزام بمعايير المهنة وقيمها.
 
وحول سقوط مواقع كبيرة في فخ النقل عن مواقع التواصل الاجتماعي دون تحقق، قال صالح: «إن هناك كثيراً من القيود على ممارسة المهنة، إضافة إلى ضعف المهنية والتدريب»، ملتمساً العذر للصحافي الذي نقل عن مواقع التواصل الاجتماعي دون تحقق، وأضاف: «مواقع التواصل الاجتماعي كانت ساحة لنشر تسريبات وقصص وفيديوهات، ثبتت صحتها فيما بعد، فنحن في مرحلة تحمل شعار: مرحلة تسريبات (السوشيال ميديا)».
 
وقال ندا، إن «ما نشاهده الآن هو نتيجة أن الإعلام لم يعد دراسة أو موهبة؛ بل أصبح مكاناً لمن يستطيع أن يدفع أكثر دون معايير، كما أن وسائل الإعلام الحالية لا تستهدف الجمهور، ولا تخشى رقابته، وهدفها هو إرضاء عدد من الجهات الرسمية فحسب، إضافة إلى أن وسائل الإعلام المصري تعمل بحسابات قصيرة المدى، ولا يهمها المستقبل، وبالتالي فهي لا تهتم بالحفاظ على مصداقيتها لدى الجمهور».
 
وهذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها الإعلام المصري في فخ «السوشيال ميديا»، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نشرت وسائل الإعلام ما اعتبرته «قصة نجاح طالبة مصرية»، استطاعت أن تقنع وكالة الفضاء «ناسا»، بتنظيم حفلة شواء على منصة إطلاق الصواريخ، اعتماداً على منشور لفتاة مصرية على «إنستغرام». ورغم عدم منطقية المنشور، فإن أياً من وسائل الإعلام لم تكلف نفسها عناء التحقق من الخبر قبل نشره، ليتضح فيما بعد أنهم كانوا ضحية تجربة نفذتها طالبة اسمها سارة أبو الخير: «لاختبار قوة (السوشيال ميديا) في تحقيق الشهرة لأفراد من أشياء تافهة، وكيف يمكن تحقيق الشهرة من اللاشيء».
 
وقبلها تداولت وسائل الإعلام صوراً نشرتها المصورة الفوتوغرافية لميس أحمد، لعروسين، مع تعليق: «ألف مبروك شيري عادل ومعز مسعود»، لتنشر وسائل الإعلام الصور تحت عنوان «الصور الأولى لحفل الزفاف»، وتجاوبت المصورة مع وسائل الإعلام ومع تعليقات القراء، واعدة بنشر مزيد من الصور للعروسين، قبل أن يتبين أنها صور مزيفة، بعد أن خرجت العروس الحقيقية غير المشهورة، لتؤكد أن الصور تعود إليها.
 
وفي العام الماضي، ادعى طالب مصري في المرحلة الثانوية، يدعى وليد محمد عبادي، أنه حصل على المركز الأول في مسابقة «أرشميدس» العلمية الروسية، لاختراعه وسيلة لإنتاج الطاقة من النبات. وتسابقت وسائل الإعلام على استضافته للحديث عن إنجازه العلمي، وكرمته محافظة البحيرة، قبل أن يتبين كذبه.
 
ومن قبله، ادعى الشاب مصطفى الآغا، فوزه بالميدالية الذهبية في معرض جنيف الدولي للابتكارات، عن اختراعه جهازاً لتحلية مياه البحر، باستخدام الطاقة الشمسية، وتم تكريمه.
 
وربما كانت قصة الشاب المصري عبد الرحيم راضي، أكبر مثال على خطورة عدم التحقق من المعلومة؛ حيث نظمت محافظة أسيوط حفل تكريم لراضي، وحمله أهالي قريته على الأعناق، وأعلن الأزهر استعداده لتكريمه، كما كانت رئاسة الجمهورية مستعدة لتكريمه، بعد إعلانه الفوز بالمركز الأول في مسابقة للقرآن الكريم بماليزيا، وحصوله على لقب أفضل قارئ في العالم، قبل أن يثبت كذب هذا الادعاء.