عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Sep-2025

"وزارة الحرب": نكوص عن العالم الحديث إلى أمجاد الماضي

 الغد

أندرو فاينبيرغ* - (الإندبندنت) 2025/9/8
قرار ترامب بإعادة تسمية وزارة الدفاع بـ"وزارة الحرب" يعكس نزعة رجعية نحو القوة العسكرية الصلبة، متجاهلاً تطورات العالم الحديث والتحالفات الدولية. وهو يثير قلقاً من تراجع الدور الأميركي العالمي لمصلحة قوى صاعدة، كالصين وروسيا.
 
 
من كان يتصور أن هاري ترومان كان من أنصار تيار "اليقظة" إلى هذا الحد؟ وفقاً للرئيس دونالد ترامب، فإن الرئيس الثالث والثلاثين الذي أدى اليمين الدستورية للرئاسة الأميركية -والشخص نفسه الذي أمر بالاستخدام الوحيد للأسلحة الذرية ضد المدنيين في زمن الحرب- وقّع على تشريع لإنشاء "وزارة الدفاع" في العام 1947، ليس رغبة في تحسين الاستعداد العسكري للبلاد، بل لما سماه ترامب "الصواب السياسي".
وفي كلمة ألقاها في المكتب البيضاوي إلى جانب وزير الدفاع بيت هيغسيث ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، استشهد ترامب بتاريخ انتصارات البلاد في الحربين العالميتين قبل أن تفرض حقائق ما بعد الحرب العالمية الثانية تغييراً في الموقف -وتغييراً في الاسم- لما كان يعرف آنذاك باسم "وزارة الحرب".
وكان مما قاله ترامب: "لقد انتصرنا في الحرب العالمية الأولى. وانتصرنا في الحرب العالمية الثانية. وانتصرنا في كل شيء قبل ذلك وفيما بينهما، ثم قررنا أن نتبنى تيار "اليقظة"، ونغير الاسم إلى ’وزارة الدفاع‘. لذلك سنصبح ’وزارة الحرب‘".
كان ترامب يتغزل بهذا الاسم الذي لا يتناسب مع العصر للمؤسسة العسكرية الأقوى في العالم منذ أوائل هذا الصيف، عندما بدأ يشير إلى هيغسيث، المذيع السابق في قناة "فوكس نيوز"، والرائد السابق في الجيش، بـ"وزير الحرب".
لا شك في أن هذا أسعد هيغسيث الذي كرس معظم نشاطه العام للدفاع عن تعبير أكثر عدوانية عن التقاليد العسكرية الأميركية، بما في ذلك الضغط من أجل تبرئة مجرمي الحرب المدانين، والشكوى من دمج النساء والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية في القوات المسلحة الأميركية. والآن، سيتمكن من استخدام اللقب القديم الذي كان يحمله كينيث رويال قبل إلغائه في أيلول (سبتمبر) 1947.
لكن مسؤوليات هيغسيث تفوق بكثير مسؤوليات وزارة الحرب السابقة التي كانت حتى يوم توقيع ترومان على قانون الأمن القومي للعام 1947 مكلفة فقط بالإشراف على الجيش الأميركي وسلاح الجو الأميركي التابع له آنذاك. وقد فصل هذا القانون التاريخي سلاح الجو ووضعه، إلى جانب الجيش والبحرية (ومعهما سلاح مشاة البحرية)، ليكونوا تحت إشراف مسؤول واحد في الحكومة.
هل كان ذلك لأن ترومان كان من أنصار تيار "اليقظة"؟ ليس تماماً. كان إنشاء "وزارة الدفاع" جزءاً من إدراك ترومان والكونغرس في ذلك الوقت أن عالم ما بعد الحرب، وهو عالم نووي، يتطلب الردع ليكون أساساً للعلاقات بين القوى العظمى المتنافسة.
في عصر كانت فيه الأسلحة الذرية، ولاحقاً الأسلحة النووية الحرارية الأكثر قوة، تهديداً دائماً. وكان الهدف من البنية التي بدأ بناؤها في العام 1947 هو تأمين الولايات المتحدة والتحالف الديمقراطي الغربي من خلال منع الصراعات الصغيرة من الخروج عن السيطرة.
كما كان ذلك جزءاً من سلسلة من الإجراءات الأخرى التي اتخذت في أعقاب تلك الحرب العالمية المدمرة لمنع وقوع حرب أخرى، بما في ذلك إنشاء "الأمم المتحدة" و"حلف شمال الأطلسي" ومنظمات دولية أخرى متعددة الأطراف.
ومنذ ذلك الحين، اندمجت الولايات المتحدة بصورة وثيقة مع حلفائها وأنشأت دفاعات متعددة المستويات في مجالات لم يكن ترومان ليحلم بها في العام 1947، بما في ذلك الفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي.
وعلى النقيض من ذلك، تبدو رؤية ترامب للعالم ومواقفه السياسية مبنية على رفض كل ذلك تقريباً لمصلحة العودة إلى عصر أكثر عدوانية عندما كانت القوى العظمى تتصارع على خلافاتها في عالم ما قبل العصر النووي.
قال لورانس ويلكرسون، العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي الذي شغل سابقاً منصب كبير الموظفين في وزارة الخارجية (ورئيس الأركان المشتركة السابق) كولن باول، لصحيفة "إندبندنت"، إن قرار ترامب "قد يكون خطوة سيئة للغاية إلى الوراء" لأنه "يضفي طابعاً رسمياً على ما يرى العالم أن ترامب يفعله بصورة أساسية - أي إرساء الإمبراطورية الأميركية بشكل أساسي وحصري وبصورة متزايدة على القوة العسكرية".
وأضاف: "هذا ليس تصوراً يجب أن نعززه مع بقية العالم"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة "تتخلف" في السباق لتعزيز التحالفات في عالم حديث متغير باستمرار، قد تهيمن عليه قريباً الصين الصاعدة وروسيا الناهضة.
وأعرب ويلكرسون -وهو من المحاربين القدامى في حرب فيتنام والذي برز كناقد للغزو الأميركي للعراق بعدما أعد باول لعرض القضية أمام مجلس الأمن الدولي في العام 2003- عن عدم ارتياحه للرؤية العالمية التي عبر عنها ترامب -وخاصة هيغسيث- التي ترى أساساً أن القوة الوحيدة المهمة هي القوة الصلبة، وأن القوة الناعمة التي ألهمت بها الولايات المتحدة حلفاءها وجذبت بها أصدقاءها على مدى الأعوام الـ80 الماضية هي للجبناء والمخنثين والمتخاذلين.
وبدا أن هيغسيث يردد هذا الاتجاه المقلق بالذات حين تحدث بعد كلمة ترامب في المكتب البيضاوي، وتفاخر بأن هذه الخطوة تتعلق "باستعادة روح المحارب، واستعادة النصر والوضوح كغاية نهائية، واستعادة الإرادة الواعية لاستخدام القوة".
وقال هيغسيث الذي تعهد بـ"تنشئة المحاربين وليس فقط المدافعين": "سنذهب إلى الهجوم، وليس فقط إلى الدفاع، إلى أقصى درجات الفتك وليس إلى الشرعية المفتقرة إلى التأثير العنيف وليس إلى الصواب السياسي".
كان المعنى الضمني الواضح أن "الدفاع" كمفهوم يشير إلى الضعف وأن "الحرب" تعني القوة.
ويبدو أن هيغسيث، وهو نفسه من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان، لم يتذكر شعار الفرع الذي خدم فيه ذات يوم، وهو "هذا ما سندافع عنه".
لكن المذيع التلفزيوني السابق، وهو أقل وزراء الدفاع خبرة منذ إنشاء هذا المنصب، قد يحقق أمنيته بتكريس استخدام القوة بصورة متزايدة. لأن تفكيك ترامب لمؤسسات أخرى في مرحلة ما بعد الحرب، بما في ذلك "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، وقطعه لبث "إذاعة صوت أميركا"، وتجريده موازنة المساعدات الخارجية لوزارة الخارجية من مليارات الدولارات -كل ذلك يجعل من المرجح أن يجد البنتاغون، أو أيًا كان اسمه، نفسه منخرطًا في حرب عاجلاً، وليس آجلاً.
*أندرو فاينبيرغ Andrew Feinberg: مراسل صحيفة "الإندبندنت" في البيت الأبيض.