عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Nov-2023

الذباب الإلكتروني.. الرأي العام حينما يواجه التشويه والتحريف

 الغد-ديمة محبوبة

 يقف عثمان محمد مدهوشا من حذف حسابه على منصة الفيسبوك، بعد توجيه أكثر من إنذار له، وتقييد الحساب أكثر من مرة، بسبب نشر محتوى "لا يتلاءم" مع سياسة المنصة، إذ ينشر أخبارا وصورا لمجازر الاحتلال التي يرتكبها في قطاع غزة، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي. 
 
 
عثمان سأل بعض خبراء التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، ليكتشف أن حسابه تعرض لعدد كبير من التبيلغات، التي تسببت في النهاية بإغلاق حسابه، لكن هذه التبليغات وفقا للخبراء كانت بواسطة ما يسمى بـ"الذباب الإلكتروني". 
 
ويعرف الذباب الإلكتروني بأنه، "حسابات وهمية مبرمجة وموجهة باتجاه معين، وبطرق ممنهجة تدار بواسطة برمجيات ومواقع تكتب التعليقات والإعجابات وإعادة التغريد تلقائيا، وتنشئ وسوما "هاشتاغات Hashtags"، وتستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن وجهة نظر معينة، أو الهجوم على وجهة نظر مخالفة، ضد أشخاص أو دول بهدف التأثير على الرأي العام". 
ولا يتوقف دور الذباب الإلكتروني عند التبليغات على الحسابات التي يرى أنها تصب في غير مصلحته، بل إنه يعمل في مجال أوسع وأعمق من ذلك، إذ يسعى إلى حرف النقاش العام عبر نشر إشاعات وأكاذيب تخص قضية معينة، ليجد جمهور المستخدمين أنفسهم وهم يخوضون حربا رقمية دون إن يدركوا دهاليزها المظلمة. 
ويقول الخبير التكنولوجي خالد الأحمد، إن الذباب الإلكتروني ينقسم إلى قسمين، الأول أشخاص حقيقيون، والثاني غير حقيقيين، لذا علينا أن نكون واعين ولا ننجر إلى حرف النقاش عن القضية الأساسية، خصوصا أن الجمهور العام وعيه متفاوت نتيجة لاختلاف الأعمار وطبيعة التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي. ويشير الأحمد، إلى أن الشخص الخبير قادر على كشف زيف ما ينشر من محتوى عبر كشف الحسابات والذباب الإلكتروني من خلال بعض التطبيقات الاحترافية، لكن في الوقت ذاته، يمكن لأي شخص كشف الحسابات الوهمية والحد منها، بواسطة، شكل الحساب العام، وعمره، وعدد المتابعين، والتعليقات والتفاعل على الحساب، فإذا كان مشكوكا فيه، عندها يكون الحساب وهميا، ومن الذباب الإلكتروني غالبا.
وينصح الأحمد، بالتفاعل مع أي محتوى يخدم القضية الفلسطينية، سواء بالإعجاب أو إعادة النشر والتعليق، وعدم التفاعل مع أي محتوى سلبي ضد القضية الفلسطينية اليوم، أو أي قضية، وإن كان للدفاع عنها، لأن ذلك من صالح الجهة الأخرى إما العدو المحتل أو الشخص الذي افتعل قصة تحيد عن الصدق والحقيقة لأنه يساعد على انتشارها وإيصالها للكثيرين والتفاعل معها. 
ويؤكد، أهمية عدم التفاعل مع أي محتوى ضد القضية، مع الإبلاغ عن الحساب وبهذه الحالة يتم تقييد حركته، ومنع نشر الكذب والطائفية والعنصرية التي يحاول هذا الحساب وغيره نشرها. وبعد أن يؤكدوا أهمية عدم التفاعل مع أي محتوى تنشره الحسابات الوهمية، يوضح خبراء كيفية تحديد الحسابات الوهمية، من ناحية عدم وجود مؤشرات الهوية الإلكترونية الواقعية وعدم إدراج المعلومات الشخصية الحقيقية في الحسابات من صورة حقيقية، ورقم الهاتف والعنوان الشخصي أو البريد الإلكتروني. ومن الطرق أيضا النشاط بأسماء مستعارة وحسابات وهمية، أي استخدام أسماء مرتبطة برموز وطنية وشخصيات اجتماعية، مع إعادة انشاء الحسابات بشكل روتيني خاصة بعد حذف أو تجميد نشاطهم نتيجة التبليغ أو اكتشاف حسابهم الوهمي من طرف مسيري مواقع التواصل الاجتماعي، والمتابعة والتشويش على حسابات الشخصيات المناوئة لتوجه الذباب الإلكتروني، من معارضين محليين ودوليين.
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، يقول إن السوشال الميديا هي جزء من معركة الدائرة الآن، وإحدى الوسائل الفعالة في الحرب، والذباب الإلكتروني يعمل على تشتيت الجرائم، وإبعادنا عن الوقوف مع غزة. ويعتقد جريبيع، أن العدو الصهيوني والحلفاء، يحاولون دفن وتشتيت الأنظار عن الجرائم الوحشية التي يرتكبها، وتفريق صف الشعوب العربية التي تدعم غزة، من خلال الفتن، مستغلين التنوعات العربية، سواء بالدين أو الأصل أو العرق، وهي خلافات لا تكاد تذكر.
 ويؤكد جريبيع أن كل شخص له دور بدعم أهل غزة، فالمقاومة التي تمارس الآن هي لكل عربي بعيدا عن الايديولوجية أو تبنيها، فنحن مع مقاومة العدو، وحق الشعب الفلسطيني بدولته.
ويشير إلى أن العدو والإعلام العبري الصهيوني، يحاول زعزعة الصفوف من خلال التذكير بأحداث أيلول في سبيعينيات القرن الماضي، وأحداث لبنان عام 1982، لكن كل ذلك هو جزء من الحرب. ويؤكد أن الموقف الموحد مع غزة هذه المرة قد يكون الأول من نوعه، بعيدا عن الأصول والدين، فهي قضية إنسانية وعقيدة، حتى وإن كان هناك بعض الفتن التي تثار بين فترة وأخرى، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بواسطة هذا الذباب الإلكتروني، فالأردن فيها خاصرة رخوة هي فتنة "الأردني فلسطيني" وفي لبنان هناك موضوع الأديان، وفي مصر كذلك بين المسلمين والأقباط، لكن العرب فعليا أقوى من عنصرية الكلام والأحاديث عبر السوشال ميديا. ويذكر جريبيع، أن التعامل مع الذباب الإلكتروني يبدأ من المؤسسات الإعلامية، وتدريب الطلاب في المدارس، وتوعية الأهل لأبنائهم، بهدف رفع الوعي المجتمعي، خصوصا أن هذا الوعي يتباين بين الناس، لذا فإن المؤثرين لهم دور كبير في صناعة محتوى توعوي من جهة، وإيصال وجهة نظرنا إلى العالم من جهة أخرى، مع أهمية عدم التفاعل مع المحتوى السلبي للقضية، وتجاهل الرد والتبليغ عن الحساب وتقييده، وحظره. 
ومن طرق اكتشاف الذباب الإلكتروني أيضا، وجود حسابات حديثة النشأة بفارق زمني قصير بين حساب وآخر، لا تحظى بعدد كبير من المتابعين، وسرعة النشر والتغريد (منشورات كثيرة في وقت واحد)، ووجود حسابات خالية من المنشورات ولا يتم التفاعل بينه وبين متابعيه في حالة وجودهم، وعمل الحسابات في أوقات معينة فقط بغرض دعم هاشتاغ أو الترويج لقضية رأي عام، بالإضافة إلى تكرار محتوى وموضوع معين في منصات اجتماعية مختلفة. 
الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بوعلام برزيق، نشر مقالا في مدونته الإلكترونية بعنوان" البروباغندا الرقمية.. كيف يعمل الذباب الإلكتروني؟" قال فيه إن الذباب الإلكتروني "أحد أهم أسلحة الحرب الإلكترونية الحديثة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة وترسانة فتاكة من الأسلحة، بل مجرد حواسيب وروبوتات مبرمجة وفيروسات تكفي لإلحاق أضرار وتأجيج صراعات".
 ويضيف في مقاله، "يقوم الذباب الإلكتروني بتسميم الهاشتاق حيث يتم مهاجمة الهاشتاق النشط وإنشاء آخر معاكس له بعدد من الحسابات التي تقوم بتكرار نشر تغريدات موازية من خلال إغراق مواقع التواصل بمحتوى وأفكار معارضة ليتفوق على الأصلي من حيث النشاط وعدد المنشورات، وشن حملة إشاعات منظمة مع استبدال القضية الرئيسية بإثارة قضايا ثانوية، بمعنى خلق أزمة للقضاء على أزمة وجعلها تبدو وكأنها قضية رأي عام وتمثل رأي الأغلبية، وأن مطالب القضية الرئيسية هم مجرد أقلية، إلا أنه في الحقيقة تم تسميم الهاشتاغ الذي بدوره يفقد المستخدمين العاديين القدرة على العثور والتفاعل مع المعلومات المتداولة الحقيقية التي نشرها مستخدمون عاديون". ويذكر برزيق أهم ميكانيزمات عمل الذباب الإلكتروني للبروباغندا الرقمية، وهي، الانتشار بقوة في مختلف المواقع الاخبارية العالمية وفي صفحات الشخصيات المؤثرة التي لديها صدى دولي ومنتديات ومنصات التواصل التابعة لدولة معادية بانتحال صفات واسماء مرتبطة بالدولة المعادية، واستغلال الكونفورميا الاجتماعية السائدة للدولة المستهدفة (الأعراف، التقاليد، العقائد والأفكار) والتواصل معهم بلهجتهم المحلية لعدم لفت الانتباه ونشر الإشاعات. وأيضا تجنيد أشخاص ذوي التأثير العالي من رجال دين، إعلاميين، أكاديميين ورياضيين، والزج بهم في حرب التغريدات لأن وجهة نظرهم تحظى بقبول جماهيري ولهم صدى إعلامي واسع، والتلاعب بالصور والفيديوهات بإظهار صور وفيديوهات مفبركة لأحداث غير حقيقية أو وقعت مثلا في الدولة -أ- والدعاية لها على أنها ملتقطة في الدولة -ب- خاصة القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والصراعات والتي عادة ما تثير تفاعلا كبيرا في الأوساط الإعلامية. كذلك، مهاجمة الرأي أو الجهة المعارضة بالشتم، الابتزاز، التخوين (الاتهام بخيانة الوطن والعمالة لقوى أجنبية) والشخصنة بتحويل النقاش من فكري حول قضية سياسية أو اجتماعية الى أمور شخصية متعلقة بصاحب المنشور أو الفئة المخالفة، وشن حملات التبليغ بشكل جماعي في نفس الوقت أو عبر دفعات ضد الأشخاص والحسابات المعارضة واتهامها مثلا بالمساس بالمؤسسات الرسمية والأشخاص أو المقدسات، فعند كثرة التبليغات يقوم موقع التواصل الاجتماعي بحظر وإخفاء المنشور المبلغ عنه.