عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Aug-2020

جدار الفصل… خدعة سياسية تحت غطاء أمني - بقلم: غيرشون هكوهن

 

 اجتاز آلاف الفلسطينيين، وربما عشرات الآلاف، جدار الفصل ووصلوا إلى شواطئ البحر في أرجاء إسرائيل، الأسبوع الماضي. وقد تم اجتياز الجدار في منطقة طولكرم – قلقيلية، عبر ثغرات كثيرة فيه. وأثار الحدث تساؤلات عن أداء الجدار، ولكن الحدث ليس مفاجئاً لأولئك الخبيرين في مسألة الجدار والمعابر؛ فجدار لا تسيطر قوات غفيرة في عمل متواصل على طوله لا يمكنه أن يسد طريق أولئك الراغبين في المرور عبره. فلم يكن للجيش والشرطة الإسرائيلية ذاك الحجم من القوات اللازمة لذلك. قبل نحو سنتين، نشرت بحثاً شاملاً في المسألة وادعيت فيه بأن جدار الفصل بني كخدعة سياسية تستغل الخوف من الإرهاب لتثبيت حدود سياسية من طرف واحد.
 
إن الجدار كعائق مجد بلا شك في جملة الجهود التكتيكية للدفاع. والسؤال عن حيويته يثور في المكان الذي يتحول فيه من أداة تكتيكية إلى ميل استراتيجي. فالسؤال الأكثر أساسية عن أداء الجدار هو: هل هذا عائق ضروري بالفعل لمنع الإرهاب؟ إن نجاح الجيش والمخابرات الإسرائيلية في القتال ضد الإرهاب منذ حملة السور الواقي في 2002 يفيد بأن أساس إحباط الإرهاب يجب أن يعزى للأعمال المتواصلة في الاحتكاك اليومي في عمق الأراضي وليس للأعمال على طول الجدار. وهنا يكمن حتى الفارق المهم بين نجاعة الجيش والمخابرات الإسرائيلية في قمع الإرهاب في يهودا والسامرة، وبين عمل الجيش الإسرائيلي على طول الجدار في حدود قطاع غزة.
 
إن البحث في مسألة الجدار ليس مجرد مسألة أمنية، ولا سيما حين يحاذي مسار الجدار في قسمه الأكبر الخط الأخضر. وكان دنيس روس قد أعطى تعبيراً صادقاً عن ذلك في الأيام التي بدأ فيها بناء الجدار. ففي جولة على طول المسار الآخذ في البناء، توقف روس ونظر إلى المسار برضى وقال: “تبدو هذه كحدود، تشتمّ كحدود، هذه حدود!”.
 
بدأت فكرة بناء الجدار الأمني تنضج مع اندلاع موجة العمليات الانتحارية بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو. وكانت حكومة رابين هي التي بدأت تدحرج الفكرة منذ العام 1995. ولكن أدى فهم رابين، بأن سيكون لبناء الجدار تداعيات سياسية بعيدة الأثر تحدد مسار الحدود السياسية، إلى رد الفكرة. غير أنه بخلاف رابين، كان حوله أناس رأوا في المشكلة الأمنية للإرهاب فرصة للدفع إلى الأمام بخطوة بعيدة الأثر: مثابة طريقة عمل بسيطة، سريعة وناجعة لتثبيت الانفصال عن الفلسطينيين وتسليم يهودا والسامرة من خلال تثبيت ميل في الميدان، دون التعلق بنقاش جماهيري إسرائيلي ودون التعلق باتفاق ومفاوضات.
 
في الخلاف الإسرائيلي الأكثر مركزية بين الترقب للانسحاب إلى الخط الأخضر، وبين ميل بسط السيادة في مناطق يهودا والسامرة، شكل حسم بناء الجدار انعطافة شديدة المعنى لحرف الواقع في اتجاه الانسحاب. فقد توقع مقيموه حلاً على مرحلتين: في الأولى بنوا جداراً بينما يعمل الجيش الإسرائيلي على جانبيه بنية الانتقال بسرعة إلى المرحلة الثانية التي ينتشر فيها الجيش الإسرائيلي “على الجدار”، وهكذا ينشأ خط حدود دي فاكتور (بحكم الأمر الواقع).
 
يشكل جدار الفصل أحد المشاريع الممتدة والأكثر كلفة التي نفذتها إسرائيل. وتقدر الكلفة حتى الآن بأكثر من 15 مليار شيكل، وآثاره السلبية على حدود إسرائيل المستقبلية عظيمة المعنى. إن الاجتياز الجماهيري للجدار يشكل بالتالي فرصة لفتح عيون الجمهور لأداء هذا الجدار كخدعة سياسية خطيرة تحت غطاء أمنى.
 
 
مباط/مركز بيغن – السادات للبحوث الاستراتيجية