الدستور
لا توجد في هذا البلد صحافة حرة، نحن عبيد نبيع أنفسنا مقابل الأجر اليومي. إذا عبّر أحدنا عن رأيه الصادق، فلن يظهر ذلك في الصحافة. مهمة الصحفي هي تدمير الحقيقة- جون سونتون، صحفي سابق في صحيفة نيويورك تايمز.
أثبت طوفان الأقصى أن حرية التعبير التي يتغنّى بها الغرب ليست سوى كذبة كبرى. لقد زرعوا في عقولنا، عبر مراكز الدراسات والأبحاث، فكرة أننا دول العالم الثالث متخلّفون، بلا حرية تعبير، وأننا نعيش في دول ديكتاتورية، ليتبيّن في النهاية أن كل ذلك محض إفتراء.
في الغرب، تستطيع أن تتحدث عن الشذوذ وتروّج له كما تشاء، وأن تشتم من تريد، لكن إيّاك أن تهاجم مجرم الحرب نتن ياهو أو الكيان الصهيوني، أو أن تتخذ موقفًا واضحًا ضد الإبادة الجارية في غزة.
أما في وطننا، فقل ما شئت عن الكيان ومجرميه، وانتقد السياسات الأمريكية كما تريد، لكن هناك محددات ستُحاسب عليها، منها الترويج للإلحاد أو تسويق الشذوذ. وإزاء هذه المقارنة، يطرح السؤال نفسه: من يملك حرية التعبير الحقيقية؟
سأجيبك بكلمة واحدة: حرية التعبير والصحافة لدينا أفضل. وقد تعترض فتقول: لا توجد حرية تعبير أو صحافة كاملة في أي مكان في العالم، وقد أوافقك على ذلك.
فلنأخذ نقاشنا إلى أبعد من ذلك.
على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنشر مواد وتشارك في مناقشات تعبّر فيها عن وجهة نظرك، فيُغلق حسابك أو يُحذف تعليقك بحجة مخالفة «قوانينهم». وتعبث الخوارزميات بالمحتوى، فتدفع إليك بما تريدك أن تشاهده، وتحجب ما لا تريد له أن ينتشر. أيُّ حريةٍ هذه؟!
لقد بدأ العالم يعي هذه المسألة ويتحرك، وشرعت الدول في الضغط على منصات التواصل الاجتماعي لفرض قوانينها عليها. وهذا أمر منطقي؛ فأنا في الأردن لدي قوانيني وثقافتي، فلماذا يُفرض عليّ القانون الأمريكي، أو تُفرض عليّ قيم أرفضها، أو تُملَى عليّ وجهات نظر سياسية لا تعجبني؟ ولماذا يُمنعني أحد من التعبير عن آراء لا تتعارض مع قوانيني؟
أقدمت منظمة «أوكسيم» البريطانية وهي ما يُطلق عليهم Watchdog أي «كلاب الحراسة»، ومهمتها مراقبة وسائل الإعلام، ورصد الأخبار الكاذبة، وكشف كبت الحريات والتحيز الإعلامي، ومحاسبة وسائل الإعلام على أخطائها، والعمل على تعزيز الشفافية والنزاهة والحريات على مطالبة وسائل التواصل الاجتماعي بالامتثال لقانون الأمان البريطاني، وهو قانون جديد يهدف إلى حماية المستخدمين، وخصوصًا الأطفال، من المحتوى الضار على الإنترنت. أي، وبمعنى مبسّط، أنها تُلزم منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا الكبرى بالامتثال لقوانينها الوطنية.
بالطبع، أثار هذا الموقف غضب الولايات المتحدة، ورأى كبار رجال الأعمال والمشرّعين فيه انتهاكًا للقوانين الأمريكية وتحدّيًا للقيم الأمريكية القائمة على «الحريات». لكن منظمة «أوكسيم» لم ترضخ لهذه الضغوط، بل فرضت غرامات على كل من يخالف القوانين البريطانية.
وقد فتحت هذه القصة أعين حكومات أخرى؛ فالآن يطالب الاتحاد الأوروبي بتطبيق قانون الخدمات الرقمية، وتطالب أستراليا بتطبيق قانون التضليل الإعلامي الأسترالي، فيما تطالب الهند بحذف جميع التغريدات التي تنتقد رئيس وزرائها مودي!
أَسرد هذا لأصل إلى نتيجة واحدة: يجب أن نتحرك جديًّا لفرض قوانيننا وقيمنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن نتمسك بحقّنا الطبيعي في انتقاد الصهاينة وممارساتهم. فما يقومون به من إغلاق الصفحات، وحذف التعليقات والمواد التي لا يريدونها، واستخدام الخوارزميات للتحكم في الرأي العام، أمر غير قانوني ويجب أن يخضع للقوانين المحلية.
وفي الأردن، هناك منظمات صحفية وحقوقية، مثل مركز حماية الصحفيين والمركز الوطني لحقوق الإنسان وحتى نقابة الصحفيين، يمكنها أن تمارس الضغط على منصات التواصل الاجتماعي للتخفيف من التضييقات الكبيرة التي يتعرض لها المستخدمون الأردنيون عند التعبير عن آرائهم، أو نشر المواد التي تدعم القضية الفلسطينية وتفضح جرائم الصهاينة، وغيرها من القضايا المرتبطة بالحريات على هذه المنصات.