عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2019

الكلمة.. رصاصة طائشة تخترق القلوب أو بلسم يشفي الجروح

 

ربى الرياحي
 
عمان–الغد-  الفرق كبير بين أولئك الذين يدسون السم في كلماتهم بدون تفكير أو شعور بالذنب ويطلقونها كالرصاصة نحو قلوب مرهفة تؤلمها القسوة والخبث والجهل، وبين من يتأنقون في اختيار كلماتهم التي يحرصون على أن تكون شفافة ورقيقة وصادقة تنبض بالعفوية والأمل قادرة على أن تحلق بالآخر فوق الغمام.
ولأن الكلمات من شأنها أن تكون سكاكين حادة تدمي الروح، وتحدث فيها جروحا قد تبقى تنزف طويلا، ينبغي ألا يتهاون الشخص بمشاعر الآخر والتوقف ولو للحظة لإعادة حساباته حتى لا يكون سببا في كسر أحد أو تشويه ملامح الأمل في داخله.
صدمة قاسية عاشتها أسيل أكرم بسبب كلمة جارحة سمعتها من إحدى صديقاتها. تقول “إن هناك كلمات نتفوه بها لا تعود الحياة بعدها كالسابق أبدا تتكفل بتغيير معالم الطريق بالكامل، حتى وإن اتفقت كل المحاولات على نسيانها، إلا أن ذلك لا يحدث في أغلب الأحيان لأن الكلمة على بساطتها بإمكانها أن تنتزع الأمان والفرح بلحظة وتبقي الشخص أسيرا للوجع والحزن وربما لليأس أيضا”.
وتلفت إلى كمية الألم التي تسربت إلى روحها وأشعرتها بالضعف حتى لو كان ذلك لوقت قصير، مبينة أن القوة التي تحملها في داخلها وحبها الكبير للحياة وتمكنها من الاستشفاء بسرعة من جروحها، كلها مزايا ساعدتها على أن تحصن نفسها ضد أي كلمة من شأنها أن تؤذيها وتتسبب في انهيارها.
أسيل، وبما لديها من قدرة على تجاوز آلامها، تعرف في كل مرة تتعرض فيها للكلام الجارح كيف تخرج للحياة أقوى من قبل محتفظة بأحلام تأبى التخلي عنها، وبذلك الشغف الذي يحرضها على أن تعاند واقعها.
وتبين أن رغبتها في أن تكون شخصية متفائلة لا يعرف الوجع لها طريقا تدفعها لأن تسد أذنيها عن الكثير من الكلمات المحبطة والصادرة عن أناس يفتقدون للإحساس، بالإضافة إلى أنهم يعتبرون أنفسهم ومن خلال ما يطلقونه من كلمات خالية من الدفء والمحبة أنهم بذلك يكونون أكثر تحيزا للمنطق.
هي تؤمن بأن الكلام يعكس غالبا تصورات وأفكار وطريقة نظرتنا لمن حولنا، لذلك تصر على أن تكون أنيقة في تعاملها مع الآخر رغم كل الخدوش الموجعة التي يتعمد البعض أن يحفرها على جدران روحها.
لكن الأمر يختلف مع العشريني زياد الذي يستسلم تماما ويختار أن يلقي كل أسلحته جانبا، وذلك بمجرد سماعه لكلمات والده المحبطة والمحملة بالاتهامات. هو ومنذ أن كان صغيرا تربى على أن يكون كارها لنفسه لديه فائض من المشاعر السلبية تجاه والده وتجاه الحياة بأكملها، رفضه لأن يتحرر من سلبية تلك الكلمات على حياته جعله يتحول إلى شخص فاشل ومهزوم لا يقوى على مواجهة أبسط المواقف، بل وأكثر من ذلك فقد قادته هشاشته لأن يبحث عن كل ما يؤذيه ويفعله وكأنه بهذه الطريقة ينتقم من والده الذي لم يحاول مطلقا أن ينتقي له كلمات حانية من شأنها أن تحتضنه وتطوقه بالحب والإيجابية وتمنحه الاتزان النفسي.
الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يقول إن الكلمة هي الترجمة الحقيقية للنفس الإنسانية ومبادئ وأفكار الإنسان، ويضيف “أن للكلمة سحرا خاصا على الإنسان، فيكون تأثيرها إيجابيا أو سلبيا بناء على منطوقها وتأدبها وأناقتها وكم من كلمات كانت كالرصاصة قتلت وكم من الكلمات كانت كالبلسم شفت القلوب والأرواح”.
ويؤكد ضرورة انتقاء العبارات والتأدب في الألفاظ والدبلوماسية في السلوك والتعامل، فيجب على الشخص أن يملك مهارت الاتصال الاجتماعي والحوار، فالكلمة إن كانت إيجابية صنعت إنسانا متفائلا وسعيدا وإن كانت سلبية أحبطته وأعادته للخلف.
ووفق مطارنة، “فإن هذا أيضا ينطبق على التعامل مع الطفل، فإن كانت كلماتنا له تحفيزية وإيجابية أنشأته نشأة سليمة وجعلت منه طفلا ذكيا وإن اتهمناه بالفشل وعاملناه بالصراخ، فهذا كله يؤدي إلى تدني مفهوم الذات لديه”.
ولذلك، يجب أن نحمل مفاهيم وكلمات إيجابية تمنح الثقة والسعادة والاحترام في جميع علاقاتنا، ولا بد من توخي الحذر في الألفاظ دائما، فالكلمة السيئة تبث الكراهية والحقد، كما أن الكلمة الطيبة تبث الحب والاحترام.
الأخصائي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، يرى أن الكلمة أكثر وسائل التعبير بين الناس، ومن خلالها يتم مخاطبة الآخرين والأصل أن ينتقي الشخص كلماته بعناية وأن يعرف مدلولاتها ومعانيها قبل أن ينطق بها، بل أيضا أن يفكر كيف سيفهم الآخر وليس المهم أن نتكلم بل هذه الكلمة هي المقصودة وهل هي مناسبة لإيصال الرسالة التي أريد.
وقد تفهم الكلمة نفسها من شخصين معنيين مختلفين، وذلك لاختلاف البيئة أو الثقافة، بل قد يفهم الشخص نفسه الكلمة ذاتها بأكثر من معنى، وذلك تبعا لحالته النفسية أو علاقته مع المتحدث أو موقف سابق مع شخص ما، فليس مهما أن نتكلم بل ماذا نتكلم وأن يكون الكلام في الوقت المناسب للطرف الآخر (المستمع) وأن نراعي ظرف المستمع وأن نفهم طبيعته، فكم من كلمة نطق بها صاحبها بدون تفكير أدت إلى مشكلة بل إلى قطيعة بين شخصين أو أكثر.
وعلى الإنسان، بحسب سرحان، ألا يتسرع في نقل الكلام حتى لو كان صحيحا ودقيقا، فقد يتحدث الشخص وهو غاضب فليس من الحكمة أن يتطوع البعض لنقله إن كان في ذلك إمكانية لإحداث خلل في العلاقات، كما أن علينا ألا نتردد في سرعة الاعتذار إذا بدر منا إساءة للآخرين وتوضيح المقصود إذا حدث سوء فهم.