عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Dec-2019

هبوط حر - زلمان شوفال

 

معاريف
 
اليسار في معظم العالم الغربي الديمقراطي – في بريطانيا؛ في فرنسا حيث سارت اشتراكية جان جوريس وليئون بلوم في طريق متعرج؛ المانيا التي اختار فيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي المنطفئ مؤخرا ثنائي قيادة من الجناح الاكثر يسارية؛ ايطاليا مثلما هي الهند واميركا اللاتينية ايضا – يوجد في هبوط حر. في اسبانيا والبرتغال فقط نجده يصمد كيفما اتفق، ربما بسبب الذاكرة الجماعية التي تعود الى الديكتاتوريات اليمينية التي سيطرت فيها في الماضي.
في بريطانيا، حزب العمال برئاسة جيرمي كوربين تلقى الضربة الاشد منذ 1935. وبالنسبة للمحافظين بقيادة بوريس جونسون كان هذا هو الانتصار الاكثر اقناعا منذ عهد السيدة تاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي. صحيح أن الموضوع الرسمي في حملة الانتخابات كان البريكزيت، ولكن يتبين أن حتى الكثيرين من معارضي الانفصال عن اوروبا صوتوا هذه المرة الى جانب المحافظين – ليس فقط لانه مثله مثل الاستقرار، بل وايضا لانهم نفروا من الطابع شبه الشيوعي لحزب العمال وبرامجه الاقتصادية – الاجتماعية التي تضمنت ضمن امور اخرى مصادرة جزئية للشركات الخاصة، تقصير اسبوع العمل الى أربعة ايام دون تعويض العمال، فرض ضرائب على الابتكارات الطبية ورفع ساحق للضرائب بشكل عام وضرائب الشركات بشكل خاص. يتبين أن معظم سكان بريطانيا لم يكونوا مستعدين لشراء هذا، بمن فيهم مصوتو حزب العمال في مناطق “حمراء” تقليدية لم يتذكروا فقط اخفاقات حكومات اليسار في الماضي بل ورأوا امام عيونهم ايضا النماذج السيئة للكتلة الشيوعية في القرن العشرين وفنزويلا اليوم. لقد انكشف الوجه غير الديمقراطي الاساس لليسار في الاضطرابات العنيفة في شوارع لندن مع صدور نتائج الانتخابات.
في عصر العولمة اليوم يوجد قدر معين من التأثير المتبادل بين الساحات السياسية في الدول المختلفة، ولا سيما عندما يدور الحديث عن الدولتين الانجلوسكسونيتين الكبريين، الولايات المتحدة وبريطانيا – وبالفعل، خلفت هزيمة اليسار في بريطانيا علائمها على معركة الانتخابات للرئاسة في اميركا، ولا سيما في الصراع الداخلي للحزب الديمقراطي بين مرشحي الوسط، مثل جو بايدن وبيت بوتيجيج – وبين حملة علم اليسار، بارلي ساندرز واليزابيت وورن، اللذين شعاراتهما في مواضيع الاقتصاد والمجتمع تشبه تلك التي رفعها حزب العمال في بريطانيا. والعنوان الصحفي “الفروقات التي تكبدتها وورن وساندرز من الانتخابات في بريطانيا” يقول كل شيء. ولكن ليس فقط في المجال الاقتصادي يوجد وجه شبه بين اليسار الاميركي المتطرف وحزب العمال البريطاني، بل وايضا النهج المعادي لاسرائيل، التماثل مع الـ بي دي اس واللاسامية، التي هي من النصيب المشترك للنازيين الجدد في أرجاء المعمورة، يشكل قاسما مشتركا (ومع اليسار المتطرف في فرنسا ايضا). اما في اسرائيل فالوضع مختلف بعض الشيء: في الاحزاب التي تسمي نفسها “يسارا”، العمل – جيشر والمعسكر الديمقراطي (ميرتس سابقا)، يتقاتلون على المكان في قوائم تنازع الحياة من شأنها ان تشطب في الانتخابات القريبة القادمة ومن الصعب أن نقرر اذا كنا سنسمي هذا مهزلة ام مأساة. صحيح أنه يوجد الحزب الشيوعي (الجبهة الديمقراطية في لباسها الحالي) ولكنه جزء من القائمة المشتركة (شريك محتمل لـ أزرق أبيض؟) والذي علمه الاساس ليس الاشتراكية بل الحرب ضد المشروع الصهيوني والدفع الى الامام بالاجندة الفلسطينية. يبقى، إذن، أزرق أبيض، التجمع الغريب لثلاثة احزاب، او ما تدعي انها احزاب، عديمة اي بوصلة ايديولوجية، سياسية او اقتصادية، كل برنامجه هو الطمع في السلطة والرغبة المهووسة للاطاحة ببنيامين نتنياهو.
لمفاهيم اليسار واليمين، بالتالي، ليس في اسرائيل اليوم سياق فكري اقتصادي او اجتماعي حقيقي – وربما لم يكن في الماضي ايضا، إذ ان مباي التاريخي ليس فقط في مواضيع الخارجية والامن، على الاقل حتى اوسلو، كان وطنيا وأمنيا بقدر لا يقل عن خصمه في اليمين بل انه في المواضيع الداخلية، وان كان تحدث عن “الاشتراكية في عصرنا” ادار عمليا سياسة رأسمالية الدولة. وفي السنوات الاخيرة تتناول تعريفات “اليسار” و “اليمين” في اسرائيل اساسا مواضيع الفلسطينيين، الاستيطان في يهودا والسامرة، فكرة الدولتين وما شابه، وليس في الغالب المواضيع التي يتميز بها الخطاب السياسي في الدول الاخرى. ولكن طالما كان الاصرار من جانب الاعلام وبعض السياسيين على تسمية كل من يوجد قليلا على يمين الوسط “يمين متطرف”، فان الجمهور سيتعاطى مع أزرق أبيض كيسار. السؤال هو اذا كان مصيره في اسرائيل ايضا سيكون الهبوط الحر؟