عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Dec-2019

انعدام الاستقرار في العراق تهديد خطير لإيران - الداد شبيط وسيماشاين وبت حن فيلدمان
 
الغد- يواجه العراق منذ أكثر من شهرين في حالة حرجة جدا لم يعرفها منذ سنوات، حيث الجمهور يتظاهر في الشوارع ضد الفساد الحكومي، وغياب معالجة الوضع الاقتصادي الصعب، البطالة العالية والتدخل الإيراني. بالرغم من عدة مئات من القتلى وحوالي ألف جريح خلال المواجهات مع قوات الأمن وكذلك مع المليشيات الشيعية المتماهية مع إيران، فان الاحتجاجات مستمرة وحتى الآن لا يظهر هنالك حل يهدئ المحتجين ويجلب الهدوء. أيضاً استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي والذي ترأس حكومة تكنوقراط استكمل تشكيلها فقط في الأشهر الاخيرة، لم تهدئ الغليان.
الاحتجاج المستمر يعكس يأسا من قبل الجمهور من النظام السياسي الفاسد ومن عدم قدرته على احداث تغييرات وإصلاحات. من الواضح أن التحالف الذي انشئ بعد الانتخابات التي جرت في أيار (مايو) 2018، والمشكل من كتلتين شيعيتين متعاديتين، فشل في احداث تغيير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي. علاوة على ذلك جهود إيران لاختراق الاقتصاد العراقي، والتي تزايدت على خلفية العقوبات الأميركية المفروضة عليها تزيد من حدة الاحتجاج ضدها. المحتجون يطالبون بتغييرات في النهج السياسي الذي اتبع في العراق بعد اقصاء صدام حسين وبالاساس استبدال كل طبقة النخبة السياسية الحاكمة اليوم في العراق. العرف في العراق هو ان رئيس الحكومة يكون شيعيا، وفي العقدين الأخيرين كانت الأحزاب الشيعية هي التي قدمت مرشحين وكان عليها التوصل إلى اتفاق فيما بينها. في هذه المرة يقتضي الأمر موافقة جمهور المتظاهرين. وهؤلاء اوضحوا انهم سيدعمون فقط الشخص الذي سيكون بعيداً عن الكتل السياسية الرئيسة وعن إيران، وسيكون عليه العمل بسرعة من اجل إجراء إصلاحات سياسية وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.
في حين انه في بداية الغليان وجهت المظاهرات في الاساس ضد القيادة العراقية فانه مع استمرار الاحتجاج تزايدت الاصوات المناوئة لإيران في كل ارجاء الدولة، وبضمن ذلك ايضا في المناطق الشيعية. هذه وجدت تعبيرها في الهتافات ضد إيران، وفي تمزيق صور زعماء إيران وبمهاجمة القنصليات الإيرانية في كربلاء والنجف. المواقف المناوئة لإيران تبرز ايضا في الشعار الذي يكثر المتظاهرون من ترديده:”نريد وطنا”، وذلك يعني أننا نريد تحرير العراق من تدخل جهات اجنبية. إيران متهمة بالتدخل بالشؤون الداخلية للعراق وبالمسؤولية عن سلوك اولئك السياسيين الذين ينفذون اوامرها، المتهمون بالفساد الحكومي. على هذه الخلفية نشر مؤخرا في “النيويورك تايمز” وثائق معروضة كوثائق لوزارة الخارجية الإيرانية وفيها معلومات عن علاقات إيران مع القيادة السياسية العليا في العراق.
من الواضح للنظام السياسي في العراق وكذلك ايضا للقيادة الإيرانية ان المظاهرات هي تهديد جدي جدا للاستقرار الداخلي للعراق. مع ذلك، في هذه المرحلة لا يبدو أي استعداد من جانبهم لتبني مطالب المحتجين، والذي معناها المس بالمكاسب السياسية التي حصلت عليها إيران في العقدين الأخيرين في العراق وبالتأثير بعيد المدى على السياسة في بغداد. وعلى كل الاحوال، من المشكوك فيه فيما إذا كان البرلمان العراقي، المكون من كتل سياسية متخاصمة سينجح قريبا في الوصول الى اتفاق بشأن مرشح لوظيفة رئيس الحكومة. حتى وان نجح، فمن المعقول ان القرار لن يكون مقبولا على المتظاهرين نظرا لان كل اسماء المرشحين لهذه الوظيفة والتي طرحت حتى الآن من قبل الاطراف المختلفة محسوبة على الزمر القديمة. آية الله علي السستاني، الزعيم الشيعي الكبير، دعا لاجراء انتخابات اخرى بدعوة ان ذلك المخرج الوحيد من الأزمة السياسية التي يعاني منها العراق.
القيادة في طهران تقف أمام الحاجة لبلورة سياسة ملائمة للوضع الجديد والذي يلقي تهديدا واضحا على السياسة التي قادها حتى الآن قاسم سليماني في العراق. من ناحية إيران فان قدرتها في السيطرة الجيدة على التطورات في العراق مكون أساس في استراتيجيتها الأمنية. في السنوات الأخيرة استثمرت إيران جهودا كبيرة في توسيع نفوذها الاقتصادي، الثقافي والديني على العراق. هذا، من خلال استغلال قدرتها على المناورة بين الفصائل الشيعية وبالاستناد على حلفائها في اوساط المليشيات الشيعية التي دربتها وسلحتها، وخاصة في السنوات الاخيرة، في نضالها ضد الدولة الإسلامية التي انشأتها “داعش” في اعقاب نجاح المليشيات في صراعها هذا والمكانة التي حققتها بمساعدة إيران، رسخت نفسها ايضا كجسم سياسي رائد بعد الانتخابات الأخيرة. هذا، في الوقت الذي يوجد في الخلفية الدافع والنفوذ السياسي الاخذ في التناقص للولايات المتحدة في العراق. صحيح انه ما يزال يوجد للولايات المتحدة وجود عسكري في العراق، ولكن القليل من الوسائل لمواجهة الخطوات الإيرانية.
علاوة على ذلك، من وجهة نظر إيران، هنالك امكانية كاملة لانحراف وتأثير الاحتجاجات في العراق على الوضع الداخلي الحساس داخل إيران نفسها. هذا، بعد أن شهدت إيران في تشرين الثاني (أكتوبر) الماضي موجة احتجاجات من أصعب الاحتجاجات التي شهدتها في السنوات الأخيرة. المظاهرات اندلعت في اعقاب رفع أسعار الوقود وقمعت من خلال استخدام العنف الشديد وعدد كبير من القتلى والجرحى والمعتقلين. يضاف إلى ذلك ايضا الاحتجاجات المستمرة في لبنان والتي في اطارها لا تسمع في الحقيقة هتافات ضد إيران، مثل تلك التي ترافق الاحتجاجات في العراق، ولكن هنالك خوف من تداعياتها على الاستقرار الداخلي في لبنان- بالرغم من انه ليس هنالك خطر على مكانة الحليف الرئيسي لإيران في لبنان وهو، حزب الله.
في هذه المرحلة يبدو أن القيادة الإيرانية مصممة على اتباع سياسات متشددة، وحسب شهادات من العراق تشمل ارسال عناصر “الباسيج” وربما حتى جنود محسوبين على الحرس الثوري، لقمع المتظاهرين. ولكن في نفس الوقت طهران تتدخل في السياسة العراقية من اجل ضمان الا يناقض أي حل يلوح في الافق مصالحها. على هذه الخلفية يجب أن نرى الزيارات المتواترة للعراق في الأشهر الأخيرة لقائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني والمتولي للملف العراقي”، ويشارك شخصيا في محاولة التأثير على هوية رئيس الحكومة القادم للعراق. جهوده منصبة بالاساس على معارضة مقتضى الصدر، أحد زعماء الشيعة البارزين في العراق وزعيم الكتلة الكبرى في البرلمان العراقي، والذي يقود الصراع ضد الفساد ومحسوب على أبرز الداعمين للمتظاهرين. خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) تم تنفيذ اطلاق نار من طائرة بدون طيار باتجاه بيت الصدر وكما يبدو ايضا جرت محاولة اغتيال لابن الناطق السياسي باسمه. في هذا الوقت، وايضا بعد ان نشر بان الصدر قد اغلق تقريبا كل مؤسساته في العراق لفترة عام وانتقل إلى إيران، إلى مدينة قم حيث يتعلم هناك، فان قواته على الارض تواصل الدفاع عن المتظاهرين من المليشيات الشيعية. بالمقابل نفذ اطلاق نار تجاه مبنى السفارة الأميركية في بغداد ورغم انه لم يكن هنالك إصابات، فان وزير الخارجية الأميركي حذر إيران من الثمن الذي ستدفعه إذا لحق أي ضرر بالقوات الأميركية.
إن الدمج ما بين خطورة التهديدات المتشكلة على المصالح الإيرانية، وتصميم المحتجين وغياب حل قابل للتطبيق بالاحتجاج، كل هذه تبرز بصورة أكثر المعضلة في إيران بخصوص السبل التي بواسطتها يمكن معالجة التطورات. النظام الإيراني مصمم على الا يمكن الاحتجاج من المس بإنجازاته وبرجاله الذين رباهم طوال سنوات، ومن الجانب الآخر فان ازدياد التدخل الإيراني من بين أمور أخرى بواسطة قمع مباشر وعنيف للاحتجاج سيزيد أكثر المعارضة ومن شأنه أن يدهور العراق وايصالها إلى حرب أهلية. سيناريو كهذا من شأنه أن يخدم عناصر “داعش” الذين سيحاولون الانضمام إلى معارضي إيران حتى أن يزيدوا من حدة التحدي.
إذا كان الأمر كذلك، فان إيران ما تزال تحرص على المناورة ما بين هذه المخاطر من اجل منع الاتهام بالتدخل المباشر في الاحداث في العراق وتواصل محاولاتها بالتأثير عليها دون ان تحتاج الى عملية مباشرة ضد المحتجين. مع ذلك كلما استمر الاحتجاج وبالتأكيد اتسع، فان طهران من المتوقع أن تعمق تدخلها وبضمن ذلك أن تأخذ على عاتقها مخاطرات أكثر من أجل محاولة منع التدهور نحو سيناريوهات يكتنفها المس المباشر بالمصالح الإيرانية.