عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Nov-2022

اعترافٌ أميركي «نادر«: حِقبة ما بعد الحرب الباردة..«انتهت»!*محمد خرّوب

 الراي 

في تصريح لافت ومثير.. اعترف رئيس الدبلوماسية الأميركية (أنتوني بلينكن), أمام مؤتمر في العاصمة واشنطن قبل ثلاثة أيام, بأن «حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت»... مُضيفاً أن"المُنافسة قائمة لتحديد نظام عالمي جديد».
 
لغة ومصطلحات كهذه لم نكن نسمعها من قبل وخصوصاً بعد ثمانية أشهر على اندلاع الحرب الأوكرانية. ما قد يشي بأنّ إدارة بايدن التي وجدت في أوكرانيا (وشعبها) فرصة سانحة لمنع انهيار النظام الدولي أحادي القطبية, الذي عملت واشنطن منذ انهيار جدار برلين وتفكّك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو ومنظومة الدول الاشتراكية على تكريسه في العلاقات الدولية. بما هو نظام قائم في الأساس على هيمنة أميركية مُطلقة لا مكان فيه للاعتراض أو الاحتجاج أو الرفض أو حتّى التسلّح بالقانون الدولي في وجه العربدة الأميركية وموجة النيوليبرالية المتوح?ة التي اكتسحت العالم عبر قوانين العولمة, القائمة على إلغاء الحدود السياسية وسيادات الدول وتصفية القطاع العام في الدول النامية (وخصوصاً في روسيا يلتسين ودول أوروبا الشرقية. كذلك منح الصندوق والبنك الدوليين صلاحيات التدخّل في موازنات وبرامج تلك الدول الإنمائية, تحت شعارات «إصلاح» القطاع العام (عبر بيعه أو تصفيته).
 
كل ذلك تحت طائلة العقوبات والنبذ وصولاً إلى الغزو وتدبير الانقلابات والثورات المُلوّنة والتشكيك في نزاهة أي انتخابات تجريها أنظمة لا ترضى عنها واشنطن, وخصوصاً تلك الدول التي تنتهج مسارات إصلاحية وبرامج اقتصادية تروم حماية القطاع العام ولا تلغي واجبات الحكومات ودورها تجاه الأغلبية الساحقة من شعوبها.
 
عودة إلى ما قاله بلينكن
 
قال الدبلوماسي الأميركي الأول/بلينكن أمام المُؤتمرين في واشنطن: «الآن هي اللحظة التي تنتهي فيها حقبة ما بعد الحرب الباردة» لافتاً إلى أن هناك «مُنافسة» لتحديد ما سيأتي بعد ذلك.. لم يفصح بلينكن بالطبع عن طبيعته المنافسة التي قصدها، وخصوصاً لم يُشِر إلى أسماء أو عدد المتنافسين على الحقبة أو النظام الدولي الجديد الآخذ في البروز والتشكّل. خاصة بعد التطورات العالمية الأخيرة وتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين، ناهيك عن الشكوك الأوروبية المتزايدة/والمتصاعدة إزاء الأهداف الأميركية التي تكشفت ?بل وخصوصاً بعد الأزمة الأوكرانية, المتمادية فصولاً, والمفتوحة على احتمالات عديدة يصعب التكهّن بالمدى الذي قد تذهب إليه.
 
انتقل السيد بلينكن في معرض اعترافه بأنّ مُنافسة مُحتدمة قائمة الآن بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة. ليقول لمستمعيه والعالم, إنّ «العمل المُشترَك للولايات المتّحدة مع الدول الأخرى (لم يُسمّها) لدعم أوكرانيا من أجل تحقيق (هزيمة استراتيجية) لروسيا، وكذلك –أضاف- التعاون مُتعدد الأطراف (وأيضاً لم يُسمّ تلك الأطراف) للتنافس مع الصين».. ما يعني من بين أمور أخرى أنّ واشنطن ما تزال ترفض وبإصرار, الاعتراف بأنّ نظاماً دولياً جديداً قد بدأ بالتشكّل, وأنّ «هيمنتها» التي تكرّست بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الثنائية الدو?ية (إثر سقوط الاتحاد السوفياتي) آخذة هي الأخرى في التصدّع والسقوط الوشيك.. خاصة عندما اختتم/بلينكن مداخلته أمام المؤتمرين في واشنطن قائلاً: إذا لم تكن الولايات المتّحدة منخرطة في العمل لتنظيم السلام (أي سلام؟ لم يَقل أيضاً, اللهم إلا إذا كان يتصدر السلام الأميركي), فإمّا –أضاف- أن يقومَ به شخص آخر، وربما بطريقة تؤثِّر على (مصالِحنا وقِيمنا) أو –استطردَ- «لن يفعل أحد أي شيء, ومن ثمّ يتشكّل فراغ يمتلئ بالأمور السيئة».
 
هنا ليست ثمة «قُطبة مَخفِية» في ما قاله المسؤول الأميركي الرفيع, إذ عاد إلى تكرار الحديث عن «مَصالِحنا وقِيمنا» المرتبطة قطعاً بـ"الأمن القومي الأميركي", وهي المعزوفة الأميركية الشهيرة التي برّرت فيها واشنطن, كل حروبها وسطوتها ومواقفها المُتعارض معظمها مع القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان, وخصوصاً ما مثلّته وتُمثله منظمة الأمم المتّحدة, بما هي أصلاً وكما يُفترض أن تكون منظمة «أُسرَة الشعوب", وليس منظمة الدولة المُضيفة التي تمنع أو ترفض منح تأشيرات دخول لممثلي دول أعضاء في الأمم المتحدة, لا تلائم سياسة دوله? «المصالح والقيم الأميركية».
 
زد على ذلك أنّ «الآخرين» ليس لهم دور في ما يراه بلينكن, بل الأمر منوط بالولايات المتحدة وحدها, كي «تُنجِز» العمل العظيم لتنظيم السلام, وليس بـ"الآخرين» الذين لن يفعلوا أي شيء, وبالتالي «فإنّ فراغاً سيمتلئ بالأمور السيئة.. سيتشكّل».
 
في السطر الأخير.. لا يبدو «اعتراف» السيد بلينكن بأنّ «حقبة ما بعد الحرب الباردة انتهت».. واضحاً, بل حمّال أوجه ليس فيه «إقرار» بأنّ الأمور سائرة نحو بلورة نظام دولي جديد, لا تكون فيه الولايات المتحدة هي الآمرة الناهية, والمُتمتِعة بـ"استثنائية» اخترعتها بنفسها ولنفسها وعلى العالم ان يسير على «هديها", بل.. «واحدة» بين «مُتساوين».