عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Nov-2022

كنا نقول “الهند”..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد

في تعريف السياسة الهندية، تقول موسوعة «ويكيبيديا»: «الهند جمهورية علمانية ديمقراطية برلمانية يكون فيها رئيس الهند هو رئيس الدولة وأول مواطن هندي، ورئيس الوزراء هو رئيس الحكومة». ويقول مقال عن «الديمقراطية» الهندية: «حظر دستور الهند التمييز الطبقي وقدمت الحكومات المبكرة نظام الحصص لتوفير توزيع أكثر عدلاً للوظائف والتعليم، لكن الطبقة الاجتماعية تظل عاملاً قوياً في السياسة». ويضيف: «النظام معقد بسبب النظام الطبقي في الهند، وهو هيكل اجتماعي هرمي يقسم الأغلبية الهندوسية إلى مجموعات، حيث «البراهمة» في القمة و»الداليت» في أسفل المجتمع. وغالبًا ما تشير الأسماء الأخيرة إلى الطبقة التي ينتمي إليها الشخص».
ما الهند؟ في العادة توصف بأنها أكبر ديمقراطية في العالم بسبب عدد سكانها الذين يزيدون على المليار. وكنا نقول عندما نتحدث عن صراعاتنا الطائفية: انظروا الهند، فيها كل هذه الأديان والطوائف، ومع ذلك لا نرى فيها حروبًا أهلية على أساس الدين والطائفة مثل التي عندنا!
لكن الهند تظهر في تقارير متواترة في الفترة الأخيرة كدولة قمعية إقصائية عنصرية، يعمل حزبها الحاكم على جعلها ثيوقراطية يهيمن عليها أتباع دين واحد: الهندوس الذين يشكلون الأغلبية العددية. والفئة الأكثر استهدافًا بوضوح هي المسلمون، الذين يشكلون ثاني أكبر شريحة من السكان، 14.2 %، بعد الهندوس 79.8 %. وبذلك انضمت الهند إلى الحرب على المسلمين، بالاسم، التي تخوضها العديد من الدول ضد أقلياتها المسلمة.
انضمام الهند الهائلة إلى معسكر العنصرية في العالم على حساب قيم المساواة والتعايش والسلم، يعني اتساع هذا المعسكر بقدر يُعتد به. لكن هذا لا ينبغي أن يكون مفاجئًا كثيرًا في سياق صعود النزعات القومية والعصبيات العرقية والاتجاهات الشعبوية في ما تسمى زيفًا «ديمقراطيات». وتنضم الهند إلى الكيانات التي تماس الإقصاء على أسس دينية. ويستدعي هذا الواقع مرة أخرى قابلية الكيانات الدينية عمومًا للتطرف. ولا يكاد يخلو دين من المتطرفين، سواء كان على أساس تأويل متزمت للدين كهوية تمييزية تعتقد بنفسها مطلق الصلاح، أو كأداة براغماتية للتجييش ضد «آخر» يوصف بالضال وغير الصالح لتمرير الغايات الدنيوية.
في أوروبا والولايات المتحدة، يسعى الشعبويون إلى تحقيق نقاء أوروبا على أساس أنها مسيحية-بيضاء. وفي الأنظمة والحركات الشمولية الإسلاموية، يصل الأمر إلى تصفية «الآخر» المختلف، حتى من نفس الدين والطائفة كما عبر عن ذلك «داعش» –وبدرجة أقل وضوحًا تكوينات سياسية-أيدولوجية حاكمة. وفي الهند الآن، يتم التحريض على المسلمين علناً، بما في ذلك إباحة القتل. كما سُنت قوانين بهدف نزع الجنسية الهندية عن المسلمين عن طريق طلبات تعجيزية منهم لإثبات هنديتهم. وفي ميانمار البوذية، تجري حملة تطهير عرقي وطرد صريحة ضد المسلمين. وتستهدف دول أخرى مواطنيها المسلمين بالتحديد. وفي أوروبا وأميركا يضعون قيودًا على هجرة أو استقبال المسلمين ومضاعفة التدقيق الأمني عليهم.
لماذا المسلمون؟ هل للمسألة علاقة بتوافق عالمي على استهدافهم أم أن هناك شيئًا فيهم يجعلهم هذا الهدف المميز في أكثر من مكان؟ كما يحدث، المسلمون منمّطون. يكفي أن تأتي من دولة أغلبيتها مسلمة، حتى لو كنت غير ملتزم دينيًا، أو ملحدًا أو مهما يكن، لكي تُدرج في النمط. وقد أصبح المسلم يعني الخطر ووجوب الحذر. وبغض النظر عن نوايا الآخرين، منحت الحركات والكيانات المتشددة التي تعرِّف نفسها بشكل أساسي بأنها «إسلامية» ما يكفي من الأدوات للمساعدة في رسم الصورة النمطية عن المسلمين. ويسهل الآن على الآخر سيئ النية أن يستشهد بقوانين نافذة في المجتمعات الإسلامية، سياسية واجتماعية، تبرر قمع المعارضة، والتكفير، والتمييز ضد النساء، وأصحاب العقائد الأخرى، وتطبيق عقوبات وحشية في كثير من الأحيان بفتاوى «شرعية». وقد أضافت هذه الاتجاهات، بطبيعة الحال، إلى الجهود الاستشراقية غير البريئة التي مهدت لتبرير الاستعمار الأوروبي لنا.
يمكن التفكير في الكثير من الأسباب التي تنتج استبعاد المسلمين. ولكن، ربما يكون من التوريط الذاتي الصريح أن يعرِّف جزء من العالم نفسه على أساس الهوية الدينية الغالبة، ويدفع إلى الظل تنويعاته بحيث القومية والعقائدية والعرقية لصالح هوية واحدة يسهل تنميطها واستهدافها. ومن الملفت أن «العالم الإسلامي» ينفرد بتقديم نفسه بهذه الصفة، بينما ليس ثمة «عالم بوذي»، و»عالم مسيحي»، و»عالم وثني». وإذا كانت الهند جديرة بالانتقاد لأنها تحاول أن تحدد هويتها على أساس أنها هندوسية، بما يقتضيه ذلك من سحق الأقليات الدينية الأخرى، فإن هذا يشير إلى خطورة محاولة تعليق الهوية على الدين وما يتبع ذلك.
لا يعني عدم وضع الدين في رأس الهوية أن لا يكون الناس مؤمنين أو متدينين. لكن هذه ليست مسألة في حاجة إلى إعلان. إن الذي يميز الأمم الآن هو العمل على تعظيم حصتها من الموارد والنفوذ، وحماية أمنها ومنع استئساد الآخرين عليها. أما أن تصبح الهوية الدينية سببًا للإفراد والتنميط، والصراعات المحلية بين الطوائف من نفس الدين، فشيء يتطلب مراجعة غير متساهلة.