"أصوات من خلف القضبان".. انطلاق المؤتمر الأول لأدب الأسرى
الغد-عزيزة علي
ينطلق "المؤتمر الأول لأدب الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني"، بمشاركة نخبة من الكتاب والأكاديميين والنقاد من الأردن، فلسطين، لبنان، العراق والجزائر، ليشكل خطوة أولى في مسار تثبيت "أدب الأسرى" كحقل أدبي يستحق الدراسة، الاحتفاء، التوثيق والنشر.
يسلط المؤتمر الذي ينطلق غدا، عند الساعة الحادية عشرة صباحا، الضوء على مضامين هذا الأدب من باب الاعتراف الحقيقي بإنجازه الإبداعي والإنساني، ومكانته في المشهد الثقافي العربي. ولأن الكلمة المقاومة لا تقل شرفا عن الفعل المقاوم، يعمل القائمون على هذا المؤتمر على فتح هذا الفضاء الحر أمام تجربة الأسرى، ليعبروا عن ذواتهم، ويحكوا حكايتهم، ويقدموا نصوصهم بوصفها جزءا أصيلا من ذاكرة الأمة، وتاريخها النضالي.
أدب هؤلاء الأسرى لا يكتب بالحبر وحده، بل يكتب بالصبر والوجع والأمل، أدب من داخل الزنازين، حيث يواجه الكتاب الأسرى ظلمة السجن بعتمة القصيدة، وقسوة القضبان بجمال الرواية، وثقل الأيام بأجنحة الخيال. لذلك نظمت رابطة الكتاب الأردنيين، هذا المؤتمر للحديث عن هذا الأدب الذي ولد من رحم المعاناة، ونما في ظلال القيد، ليكون شاهدا على صلابة الإنسان الفلسطيني والعربي، وقوة روحه، رغم كل محاولات القمع والطمس والتغييب.
المؤتمر يتضمن عددا من الفعاليات، حيث يفتتح بكلمة ترحيبية تقدمها أمين سر الرابطة القاصة سامية العطعوط، تليها كلمة رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين، ثم كلمة اللجنة التحضيرية التي يستعرض خلالها الأستاذ محمد أبو عريضة تفاصيل جلسات المؤتمر.
تبدأ الجلسة الأولى تحت عنوان: "الشهيد وليد دقة... رمز وأيقونة"، ويديرها المحامي حسن عبادي القادم من مدينة حيفا الفلسطينية، ويشارك فيها كل من: الأستاذ عيسى قراقع من فلسطين، الدكتور عزمي منصور، الشاعر رامي ياسين من الأردن.
أما الجلسة الثانية، فتعقد تحت عنوان: "دراسات في الأعمال الإبداعية للأسرى– الرواية"، ويديرها الروائي عبد السلام صالح من الأردن، بمشاركة: الروائية سارة النمس من الجزائر، الأكاديمي والناقد الدكتور محمد عبيد الله من الأردن، الأستاذ عفيف قاووق من لبنان.
وتعقد الجلسة الثالثة عند الساعة الثانية ظهرا، بعنوان: "دراسات في الأعمال الإبداعية للأسرى– القصة، الشعر، المقالة"، ويديرها الأكاديمي الدكتور إسماعيل القيام من الأردن، بمشاركة: الأستاذة ديمة السمان من فلسطين، الشاعر مهدي نصير والقاصة سامية العطعوط من الأردن.
في اليوم الثاني من المؤتمر، تعقد الجلسة الأولى بعنوان: "أدب الحركة الأسيرة– دور المؤسسات العربية والدولية في دعم الأسرى"، ويديرها الأستاذ محمد محفوظ جابر، ويشارك فيها: الدكتور علي أبو هلال، الأستاذ حسن عبادي من فلسطين، الروائي عبد السلام صالح من الأردن. أما الجلسة الثانية، فتقام تحت عنوان "دراسات في الإبداع الفني للأسرى"، وتديرها الدكتورة دلال عنبتاوي من الأردن، بمشاركة: الأستاذ غازي انعيم، والأستاذ صالح حمدوني من الأردن.
وفي فترة ما بعد الظهر، تعقد الجلسة الثالثة بعنوان "تجليات السجن في أدب الأسيرات"، وتديرها القاصة روضة الهدهد من الأردن، بمشاركة: عائشة عودة، نادية الخياط من فلسطين، الدكتورة فاتن الحياني من العراق.
ويختتم المؤتمر، الذي يعقد في مقر رابطة الكتاب الأردنيين بشارع إبراهيم طوقان في جبل اللويبدة، مساء بعد غد بحفل تكريمي، تقدم خلاله دروع للمشاركين من قبل رئيس الرابطة.
أمينة سر رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، القاصة سامية العطعوط، في تصريح لـ"الغد" قالت: "للسجن مذاق آخر"، أقتبس هذا العنوان من كتاب الأسير المحرر أسامة الأشقر، لأجيب عن تساؤل: لماذا مؤتمر لأدب الأسرى؟ ما الذي يميز هذا الأدب؟ بل مَن هم هؤلاء الكتاب والكاتبات الأسرى والأسيرات؟
وأضافت العطعوط: "أن يكون الإنسان داخل سجن، محاطا بأربعة جدران بلون واحد، وعلى "برش" معدني (السرير)، يتناول طعاما لا يُؤكل، ويعاني من المرض، في أيام تتوالى من دون تغيير، يوما بعد يوم، شهرا بعد شهر، وعقدا تلو الآخر... ذات الألوان الكالحة، ذات الجدران، ذات الأبواب المعدنية، ذات الملابس وذات السجانين. أن يتوق الإنسان إلى ضوء أكبر من ذاك الذي يتسلل عبر ثقب مفتاح، ليميز به الليل من النهار- كل ذلك يدفع الأسير للبحث عما يمنحه الأمل، وما ينقذه من الملل، والإحباط، والتكرار، وتعطل الجسد والفكر.
وأشارت إلى أن الأسرى يبدعون في هذا الواقع القاسي، وفيما يمنحهم بصيص أمل للخروج من هذه الدوامة التي تبدو بلا نهاية، فمنهم من يرسم، ومن يبدع في الأشغال اليدوية، أو في الدراسة والتعلم والتعليم، ومنهم من يكتب.
وتابعت: "يقول الشاعر المتوكل طه: في السجن، ليس لنا إلا القصيدة، والنشيد، والرواية؛ يعني الكتابة...، ويضيف في تقديمه لكتاب الأشقر: هناك، في السجن، حيث يقايضني المحتل بحرية جسدي، كانت القصيدة أرض إرادتي".
وأضافت العطعوط ،"أن افتتاح المؤتمر الأول لأدب الأسرى" جاء لأن هذا الأدب هو شكل من أشكال النضال ضد السجن والسجان. إنه يمنح حياة الأسرى معنى، عبر عشرات السنين التي يقضونها خلف القضبان. ورغم تفاوت مستوى هذا الأدب، إلا أنك تجد فيه جواهر تتألق، وإنتاجا أدبيا يرقى إلى مستويات فنية عالية، سواء من حيث اللغة أو البناء الفني.
واختتمت بالقول: "إن هذا المؤتمر يسلط الضوء على أدب الأسرى، ويمنحهم فرصة لعرض حياتهم ومعاناتهم، بل وآمالهم وطموحاتهم. إنه أدب يستحق الاحتفاء به وتسليط الضوء عليه، لأنه يحمل مشاعل الكرامة وحرية الإنسان حتى في الأسر. إنه مساحة حرة تمنح الأسير والقارئ فرصة للتلاقي خارج الأسوار. وبعض هذا الإنتاج يساعد في التعرف على واقع الحركة الأسيرة، وأساليب دعمها، ومساندة الأسرى في صمودهم أمام أعتى احتلال".
من جانبه، قال عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، القاص والروائي عبد السلام صالح: "إن فكرة المؤتمر جاءت منذ ما يقارب السنتين، بعد أن تعرف بشكل أعمق على أدب الأسرى من خلال مبادرة رابطة الكتاب الأردنيين "أسرى يكتبون"، مضيفا، "هنا لا بد لي أن أتوجه بالشكر إلى الهيئتين الإدارية الحالية والسابقة للرابطة، على دعمهما الدائم والمستمر لكل ما يتعلق بأدب الأسرى".
وأوضح صالح، أن الهدف من هذا المؤتمر هو تسليط الضوء على إبداع أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال الصهيوني النازي، في مختلف مجالات الإبداع؛ من الرواية، القصة القصيرة، الشعر والفن التشكيلي، إضافة إلى ذلك جاءت جلسات المؤتمر لتغطي جميع هذه الجوانب.
وأضاف، "نأمل أن يطلع الكتاب والقراء الأردنيون على ما ينتجه الأسرى من أعمال إبداعية، وأن تحظى باهتمام الصحافة الثقافية، وكليات الآداب في الجامعات الأردنية، وكذلك القنوات التلفزيونية الأردنية والعربية". وأشار إلى أن المؤتمر سيمتد ليومين، تعقد في كل يوم ثلاث جلسات.
وأكد صالح أن المتتبع لأدب الأسرى في سجون الاحتلال، يلمس بوضوح مدى التطور الفني في كتاباتهم الإبداعية.
وختم: "وبحكم قربي ومعرفتي، أستطيع أن أجزم بأن لدينا ما يقارب عشرة روائيين مبدعين بحق، يكتبون بسوية فنية عالية. وليس فوز رواية الأسير باسم خندقجي "قناع بلون السماء" بجائزة البوكر العربية، إلا دليلا واضحا على التطور الكبير الذي بلغته روايات الأسرى في سجون الاحتلال".