عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2025

عن حرب السودان ضدالسودان.. وهل ترامب حقا ًلا يدري!؟*د. زيد حمزة

 الراي 

من حق المتابعين ان يدهشوا لتصريح الرئيس ترامب مؤخرا وهو يتباهى،لا فُض فوه،بانه ماضٍ في إطفاء الحروب حول العالم، قائلاً إن الامير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية هو الذي لفت نظره لحرب اخرى،لم ينتبه لها، تستعر نيرانها منذ سنوات بين الجيش السوداني وقوات الردع السريع المنشقة عنه،وهي حرب قد يحتار البعض في تفسير دوافعها وأسبابها او يعزونها بسذاجة لمجرد خلافات قبلية، مع ان كثيرين غيرهم اكتشفوا السر وراءها وعرفوا من يقوم بتمويل وتسليح طرفي الاقتتال فيها،ومن يقوم بتوجيه الجميع من وراء ستار،لكنهم ايضاً باستثناءات قليلة احجموا عن كشف اسماء هذه الدول القريبة او البعيدة الضالعة في كل ذلك بلا هوادة او خجل،إما خوفا على فقد مكاسب يجْنونها من ورائها او طمعا بالمزيد منها،او تحقيقاً لأهداف توراتية مختلقة بين النيل والفرات! وهذا ما يفسر كذلك صمت الجزء الأكبر من الإعلام العالمي وليس الغربي فحسب عن كشف مايُصوَّر على انه أحجية! ترى من ذا الذي يصدق ان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لا يعرف ما يجري في السودان وهو الذي يزوده جهاز مخابراته الأكبر والأدهى على مدار الساعة بأدق تفاصيل ما يجري في اي بقعة من العالم،حتى لو لم تكن بلاده مشاركة فيه بشكل ما خدمةً لمصالحها السياسية والاقتصادية..والعسكرية بالطبع؟! قد يكون مصادفة انني قرأت الشهر الماضي رواية سودانية رائعة بعنوان (الغرق )زاخرة بـ ”حكايات القهر والوَنَس” للروائي حمّور زيادة الذي طاف في تلافيف مجتمع تختلط فيه بقايا عهود العبودية والإماء بإقطاع الارض،الأخصب في افريقيا لكنها تنتظر من يحرثها ويزرعها،وبالبرجوازية التي تثري على تجارة السمسم والصمغ العربي،وهي تعلم او لا تعلم أن لصوص ثروات الشعوب في اوروبا وأمريكا ينهبون الكميات الهائلة من الذهب من باطن أرضها فضلاً عن النفط خصوصا بعد انسلاخ الجنوب، وفي نفس الوقت لا تضنُّ الدنيا على هذه المجتمعات التعيسة بليالٍ حلوة من الوَنَس على شط النيل في غمرة الطرب الشعبي واللحن العاطفي واهتياج الاجساد بحرارة الرقص وفوران المشاعر،حتى والناس غارقون في فقر وحرمان وتجهيل خلّفها استعمارٌ بريطاني غاشم ولّى،اوحكمٌ خديويٌّ مصري ضعيف تهاوى.. كل ذلك وسواه الكثير حكته لنا رواية “الغرق” عن جراح المعاناة التي أرقت شعب السودان في فترة انقلاب عسكري امتدّت لستة عشر عاماً انتهت في ١٩٨٥، وارتكب الطاغية جعفر النميري اثناءها مذابح عديدة ، “قصَفَ جزيرة أبا بالطائرات فقتل عشرة آلاف من أنصار المهدي،واعدم عددا من قادة الحزب الشيوعي..تخلى عن الأفكار اليسارية وتحوّل إلى اليمين وأعلن الحكم بالشريعة الاسلامية وأعدم على الردة! ”. لكن ليس مصادفةً البتة في معرض تعليقي على حرب السودان الدائرة الان ان أعود لأستفيد من مخزون أرشيفي لأجدني كوزير للصحة عام ١٩٨٥ في زيارة دارفور (وهي احدى ساحات الوغى المشتعلة الان) حيث كان لنا مستشفى (هدية للشعب السوداني) اضطررنا في وقت قصير لاحق ان نفر بجميع طواقمه بالطائرة خوفا على حياتهم من اضطرابات أَمنيّة مفاجئة في الجوار التشادي المبتلى باستعمار غربي آخر ، ولأجدني عام ١٩٨٧ في الخرطوم في اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب وكأنني مَجازاً كنت يومها أمثل بالإضافة نقابةَ الأطباء الاردنيين ، لان الحكومة السودانية التي تستضيفنا هي قيادة الثورة التي أطاحت بالطاغية النميري قد تقدمت صفوفَها النقاباتُ المهنية برئاسة نقابة الاطباء، وقد دعتنا الان لنشاركها افراح الشعب بالنصر على حكمه العسكري الفاشي،خاصة وأن زميلنا الدكتور حسين ابو صالح جراح الدماغ والأعصاب المجتمِع معنا هو نفسه نقيب الاطباء السودانيين الذي اصبح وزيرا للصحة، اما رئيس الوزراء فقد كان الصادق المهدي الذي لم يستطع بما اوتي من دبلوماسية أن يخفي هواجسه من ان قوى اجنبية عدة استأنفت التخطيط لانقلاب جديد،ومَن تُرى يكون وراءه غيرُ “ام الانقلابات“اميركا ؟!..وما مضى إلا اقل من عامين حتى قام الجنرال عمر البشير بالمهمة !
 
وبعد..فلقد اصبح جلياً ان الحرب العبثية المفتعلة في السودان ليست حرباً قبلية أهلية،وليست انشقاقاً عسكرياً في الجيش حول عقيدة عسكرية معينة،انما هي حرب بالوكالة وجزء من مخططات الفوضى الخلاقة (!)لاستكمال عمليات النهب الاستعماري في القارة الأفريقية،حيث ينتهي المطاف بالغنائم،ذهباً كان أم سواه من المعادن الثمينة في خزائن البنوك الغربية والفدرال ريزيرف كبيرها، او بمياه النيل مسروقة في وضح النهار ومجرورةً الى إسرائيل لمزيد من ري اراضيها (وصحاريها) وتبريد مفاعلها النووي،وربما الأخبث والأخس والأشد إجراما ًتعطيش الشعوب التي تشاطئه حد الموت،ولم يعد سرا ان دول المنطقة والجوار التي تشارك فيها،اصليةً كانت ام فرعية ام انتهازية متسلقة،كلٌّ لها دورها الذي تخدع به شعبها والعالم ،أضحت معروفة للقاصي والداني ،ولا يخرج اي منها عن طوع بنان ترامب.