عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jan-2020

التصعيد الأمريكي الإيراني.. كيف أثر على المنطقة ككل؟ - مصطفى الآس

 

الجزيرة - في السياسة ليس هناك عدو أو صديق هناك مصلحة دائمة تجعل الجميع يغير أقواله وتصرفاته وهذا ما يحدث الآن. بعد أيامٍ من الانتظار ومراقبة الأخبار وبعد أن ظن الجميع أن هناك شيئاَ ما فوق العادة سوف يحصل نرى أننا عدنا من حيث بدأنا وكأن شيئاً لم يكن. بدايةً لم يكن ترامب رئيساً عادياً لأمريكا بل على العكس تماما كان الأكثر صراحة وجراءة لربما هو فقط الذي نقل نوعاً ما الصراعات من تحت الطاولة لفوقها ليغير الكثير من الأحداث المهمة بالنسبة للمنطقة كاملاً وليس فقط لمصلحة أمريكا أو إسرائيل أو مصلحة أحد المهم بالنسبة له أن يفعل وينفذ لا أن يتكلم فقط فترامب بتغريدة واحدة أنهى البغدادي ومهمته واليوم أيضاً بحركة واحدة وبطائرة مسيّرة ومن دون سابق إنذار قتل الرجل الثاني في إيران -قاسم سليماني- وعلى الأراضي العراقية وجلس يكمل تغريداته على تويتر.
 
أيام عدة لم تقف فيها إيران عن التهديد والتجهيز والتصعيد لكي تنتقم لرجلها الذي تعتبرها الأهم لترد على أمريكا بضربةٍ ربما كانت الأخيرة على علم بها كأنها ضربُ طفل على وجه أبيه فلا أثر ولا تأثير ولكن من خلالها أسكتت الشعب وظهرت على أنها ردت وأخذت بالثأر والآن سوف تنتظر الرد الأمريكي الذي لن يحصل لكي تلقن أمريكاً درساً لن تنساها. بينما اليوم نرى أن كل شيء على ما يرام وأننا عدنا لخطابات وكلمات السياسة لنرجع لحقل المفاوضات والعقوبات الاقتصادية وبالإضافة للتذكير ثانية بالقواسم المشتركة بين أمريكا وإيران.
 
الدول الكبرى وأصحاب المصالح المشتركة لن تتقاتل على أراضيها ولن تدمر بلدانها أو تهجر مواطنيها أو تقتل ساكنيها طالما أن هناك بلاد العُرب موجودة، فبلادنا هي أرض تصفية الحسابات بالنسبة لهم
ويجب إلا ننكر بعد الآن أن أمريكا كلما أرادت فعل شيء في المنطقة جهزت تبريره للعالم والرأي العام قبل فعله مثلاً العراق 2003 وجود أسلحة دمار شامل، أفغانستان وجود الإرهاب، سوريا والعراق اليوم وجود تنظيم الدولة التي صنعته وأرسلته وأنهت مهمته بعملية بسيطة واليوم قاسم سليماني على أنه كان يخطط لعمليات ضد أمريكيين في المنطقة ومن جميع الأمثلة التي ذكرتها نستنج أن الرؤية والهدف الأمريكي يتحقق دون أن يستطيع أي أحد الرد. أما بالنسبة للحرب فلا يمكن أن تحدث حرب بين إيران وأمريكا طالما أن هناك مصالح مشتركة بين الطرفين مثلاً مصلحة إسرائيل التي تحكم الجميع هذا ما عدا المصالح الأخرى كفرض تهديد وخطر إيراني على المنطقة لا يمكن التخلص منه إلا بالغول الأمريكي المرعب بالإضافة إلى أن إيران يمكن أن تساعد في رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد هذا ما عدا الاتفاق النووي.
 
ما حصل بين إيران وأمريكا من تصعيد ما هو إلا لعب ومُزاح بالإضافة لأن التصعيد مكّن أمريكا أمام الجميع لتثبت أكثر على أنها القوة الأهم في المنطقة لقتل من يشكلون الخطر. كما أن أمريكا إذا شعرت فقط أن إيران ستهدد مصالحها أو تخالف أوامرها فإنها قادرة على ضرب إيران على النقاط والمناطق التي تحدثت عنها ومقتل سليماني في بغداد هو إيعاز تقول فيها أمريكا لإيران إلا تنسى أنها هنا وموجودة كما فعلوا عندما قتلوا البغدادي في سوريا كي يبلغوا الروس أيضاً أنهم هنا. أما بالنسبة للعرب فلم ولن يكون لهم دور سواء بحرب أو بدون وإنما فقط سيكون ساحة الصراع نوعاً ما على سبيل الفرض إيران تضرب في السعودية وأمريكا ترد في العراق وهذا ومثله بينما بالنسبة أين سيقف العرب فسوف يقفون أمام شاشات التلفاز مشاهدين ما يحدث.
 
والأهم أيضاً أن أمريكا تحقق ما تريد وتحقق مصلحتها ومصلحة إسرائيل التي هي الأولى وتكون هي المستفيد الوحيد فبمقتل سليماني مثلاً خلصت المنطقة من خطر حتى وإن كان كاذب بالإضافة لأنها أعطت درس جديد لإيران ولحزب الله أيضاً وللميليشيات الموجودة بأنها ستقوم بأي شيء كان طالما أن هناك أمر ما في المنطقة يضر مصلحتها أو المصلحة الإسرائيلية. ولكن الأهم أن ندرك ما حدث بتمعن ونأخذ الدروس المهمة بدءاً من أن أمريكا في حال شعرت أن هناك شي يمس مصلحتها سواء الاقتصادية أو العسكرية أو حتى السياسية فأنها لا تمانع ابداً بأن يكون ردها عسكري مباشرة وبدون تفكير. بالإضافة إلا أننا يجب أن نتعلم وأن نجزم أيضاً بعد المشاهد التي قدموها والتمثيلية التي صنعوها أنه لم ولن تكن يوماً إيران أو حزب الله عدو حقيقي لأمريكا أو إسرائيل في المنطقة بل على العكس تماماً وما شاهدناه أن إيران لن تُغضب أمريكا فالأخيرة تأمر والأولى عليها التنفيذ فقط. وأن ما يحصل جميعه ضحك على اللحى وعلى الشعوب لا أكثر.
 
وثالثاً تعلّمنا أنَّ الشعوب دائماً هي الخاسرة ولا يمكن أن تفوز ولو لساعات في لعبة السياسية فاليوم وبحركة التصعيد الأمريكي الإيراني هذه تم إبعاد النظر كثيراً عن الأحداث التي كانت تعيشها كل من لبنان والعراق بالإضافة لسوريا أيضاً وبهذا استفاد الطغاة والسلطات مرة ثانية بإعادة ترتيب الأوراق في ظل هذه الفوضى. ربما ستخرج أمريكا من العراق ولكن تاركة خلفها دمار وخراب ومحولة بلاد الرافدين إلى اسوء البلدان ستخرج منها بعد أن كان حجزها فيها منذ عام 2003. استفدنا اليوم أيضاً أن الدول الكبرى وأصحاب المصالح المشتركة لن تتقاتل على أراضيها ولن تدمر بلدانها أو تهجر مواطنيها أو تقتل ساكنيها طالما أن هناك بلاد العُرب موجودة، فبلادنا هي أرض تصفية الحسابات بالنسبة لهم مثلما كانت سوريا واليمن ومصر وتونس وليبيا تنضم لهم العراق أيضاً لنكون نحن ساحاتٍ لقتل الشعوب وفض النازعات الخارجية وتحقيق مصالح الجميع إلا مصالحنا.
 
وتلقينا عبرة هي أن لا سيادة للبلاد العربية وأننا نشبه المجلس وكما يعلمنا آباءنا أنه عندما يتكلم الكبير يجب على الصغير أن يصمت وهذا ما يحدث معنا فعندما تتكلم أمريكا وغيرها بجميع لغاتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والجغرافية وعلى أراضينا أي في بيتنا يجب علينا أن نصمت ونكسر رقابنا ونقف نشاهد فلا حتى عبرة من الدروس نأخذ. ولم ينتهي الحديث هنا وإنما كان هناك تأكيداً لكثير من المعلومات سواء على اتفاق النووي بين الأطراف أو على أنه أولاً وآخراً وبدون أي جدال المصلحة الإسرائيلية هي الأهم على هذا الكوكب وأنَّ من يدّعونا أنفسهم أنهم أعداء أمام الشعوب وفي السياسة هم في الحقيقة حلفاء.
 
في الختام العالم يتغير كل يوم والخارطة الجديدة تُرسم بدراسة وتمعن وتخطيط محكم والأوراق تتعدل والخطابات تتغير والعلاقات تتوطد وتصبح أقوى ولا شك أن ترامب يجهز نفسه ليكون أقوى في الساحة بعد أن أصبح برصيديه مقتل ثلاثة من أهم الشخصيات في مجتمعات مختلفة ناهيكَ عن الأفعال والأعمال التي يقوم به. وأخيراً ما حدث كان نكتة سياسة يتم فيها ضحك القوى على الشعوب والشعوب لا تدري ولا تفقه.