عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Oct-2018

المؤرخ الذي عاش صعود ثم سقوط منظومة التعليم في البلد

 نحن بحاجة ماسةلإعادةالنظرفي أنظمتنا التعليميةفي كل البلاد العربية..عندناومنذ

الثمانينياتبقي التعليم في مستواهالمنخفض
 
الراي - انقسام العالم العربي إلى عدة محاور أضعف قوته وقتل قواها الحية بحروبه الداخلية وأصبح دور الجامعة العربية ضعيفا لا جدوى منه أدعو المثقفين والمفكرين إلى مراجعة كل شيء، والبدء بالإصلاح الديني للتخلص من الأفكارالرجعية التي لا تمت للإسلام بصلة خلال ثلاثة عقود.. من 1990 إلى 2018 ،نشأت مرحلة خطيرة، لم تمر الأمة بمثلها من الضعف والتفكك والتشتت ما حصل في جامعة آل البيت أمر طبيعي لأن المواطنة الحقيقية لم تُبنَ لغاية الآن منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، لم تتح لهذه الأمة فرصة النهوض وبناء دول حقيقية.. واستغلال الدين لأهداف سياسية في غاية الخطورة نحتاج حقيقة لأن نسمع الرؤية الكلّية وفي السياقات التاريخية الكبرى لما يحصل لدينا من أزمات سريعة تمسك ببعضها البعض. نعم، فبدون مثل هذه الرؤية بمساقات تاريخية، فإن توالي الأزمات الثقيلة يمكن أن يفقد الناس التوازن.
الأستاذ الدكتور علي محافظة، بالذي يمتلكه من عقل علمي هادئ، ومن قُدرة أستاذية على وضع الأشياء في مطارحها وأحجامها الحقيقية، لم يفقد تفاؤله في طاقات هذه الأمة للخروج من ثلاثة عقود متتالية يصفها بأنها الأسوأ في تاريخها.
بداية المرحلة الراهنة المأزومة بالإحتراب والتفكك والإرهاب، كانت في الإحتلال الأميركي للعراق، ثم تواصلت حلقاتها بالذي نشهده من فوضى وقلق وعدم يقين، كفيل بأن يخترق الثوابت والبنى الأساسية... إلا لمن يمتلك خميرة العلم والثقة واليقين التي تجعل شخصاً كالدكتور محافظة يرى الصورة في سياقاتها التاريخية.
قناعته أن ما حصل لهذه الأمة يستدعي المراجعة الجذرية... بداية المراجعة بإصلاح ديني يعيد الثوابت لمنابعها النظيفة، ثم إصلاح سياسي واجتماعي يعيد تجهيز العمارات الوطنية والقومية التي تكالبت عليها القوى الأجنبية منذ مئة سنة.
وضوح الرؤية واتساعها، مع شجاعة الجهر بالرأي، يجعل الإستماع لأبي باسل مسألة مستحقة بالتأكيد.
كمؤرخ برؤية اجتماعية - سياسية شاملة، أين وكيف تدرجون حقبة السنوات العشر أو العشرين الأخيرة في المسيرة التاريخية للمنطقة؟ ما هي التوصيفات المختصرة التي يمكن إطلاقها على هذه المرحلة الموسومة بالإحتراب والإرهاب وإعادة فك وتركيب الجغرافيا؟
بدأت التغييرات الحقيقية في المنطقة مع احتلال العراق للكويت عام 1990 وكان من نتائج هذا الإحتلال الذي استغلته الولايات المتحدة الأميركية لاحتلال منطقة الخليج العربي وإنشاء قواعد عسكرية فيها، تتجاوز الآن 40 قاعدة عسكرية للسيطرة على منابع النفط وللحيلولة دون القوتين الحقيقيتين وهما إيران والعراق، وخشية من أن يحتل العراق هذه المنطقة أو تحتلها إيران. بحجة ذلك قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بإنشاء القواعد العسكرية الموجودة حاليا في منطقة الخليج بذريعة حماية هذه الأنظمة من العراق و إيران.
هذا كان بالنسبة للوضع الدولي. في نفس العام تقريبا إنهار الإتحاد السوفياتي وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي القوة الوحيدة في العالم، هذه القوة فرضت العولمة، وفرضت شروطها على العالم أجمع، وتدخلت بصورة كبيرة في كثير من مناطقه، وكان تدخلها الواضح والقوي في يوغسلافيا بعد أن أصابها التفكك والإنهيار.
اتجهت الولايات المتحدة منذ بداية الثمانينيات إلى استعمال الإسلاميين المتشددين في حربها ضد الإتحاد السوفيتي، واستغلت تكوين تنظيمات نظمتها المخابرات في بعض الدول العربية وفي الباكستان لتدريب هؤلاء الإسلاميين والقيام بالجهاد في أفغانستان، واستطاع هؤلاء فعلا من 1979 حتى 1988 إخراج السوفييت من أفغانستان وجاء الإحتلال الأميركي لأفغانستان الذي ما يزال قائماً حتى اليوم.
منذ ذلك الوقت، وبعد أن دربت الولايات المتحدة الأميركية الإسلاميين المتطرفين وأنشأت 72 مركزا في الولايات المتحدة لتدريبهم وإرسالهم إلى أفغانستان، أصبح الآن بإمكانها أن ترسلهم إلى مناطق أخرى. ولذلك عندما بدأت الأزمة في يوغسلافيا بين البوسنة وصربيا، أي بين المسلمين والمسيحيين الأرثوذوكس استعملت هؤلاء وأرسلتهم إلى يوغسلافيا للقتال إلى جانب البوسنيين، وهذا ما حصل. ثم استعملوا بعد ذلك في ليبيا ضد معمر القذافي، وأيضا في العراق وفي سوريا وما زالوا حتى اليوم.
كل هذه الأمور أصبحت معروفة بعد أن نشر كثير من رجال الـ «سي آي إيه» وغيرها من الاستخبارات العسكرية والاستخبارات العامة الغربية معلومات كثيرة عن هذا الموضوع.
وضعنا الآن منذ غزو العراق للكويت حتى اليوم، زال التضامن العربي من الوجود، وأصبح دور الجامعة العربية ضعيفا جدا ولا جدوى منه، وانقسم العالم العربي إلى عدة محاور جميعها محاور ضعيفة عاجزة عن الدفاع عن نفسها تخوض الآن حروبا داخلية عربية لا جدوى منها إلا تدمير العرب وقتل قواهم الحية والحيلولة دون الدول الغربية، منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، ولم تتح لنا فرصة النهوض وبناء دولة حقيقية في أي منطقة من البلاد العربية. حاول جمال عبد الناصر النهوض فجاء السادات وقضى على كل إنجازاته، حاول أيضاً صدام حسين إنشاء قوة في العراق بالرغم من أخطائه وديكتاتوريته..الخ، فتدخل الغرب وقضى على العراق ومستقبله وهم الآن يعانون من نتائج هذا الاحتلال منذ 2003.
نحن في هذه المنطقة بحاجة إلى مراجعة، وأنا أدعو المثقفين والمفكرين إلى مراجعة كل شيء، وخاصة مراجعة الإصلاح الديني الذي أصبح ضرورة مهمة جداً للتخلص من الأفكار الرجعية التي نشاهدها والتي أدت إلى دمار كثير من البلاد العربية باسم إقامة الشريعة وإقامة دولة الخلافة وغير ذلك من الشعارات التي لا تمت للإسلام بصلة، والتي تتجاوز حقيقة الدين الإسلامي. استغلال الدين لأهداف سياسية في غاية الخطورة، وهذا ما استُعمل عبر التاريخ لدى كثير من الأمم مما أدى إلى دمارها وانهيارها، فعانينا وما زلنا نعاني.
نحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر وإلى الإصلاح في مختلف الميادين فالإصلاح السياسي مهم وضروري لأنه جزء أساسي من هذه العملية.
بما في ذلك الإقتصاد والحياة الإجتماعية والثقافية والفكرية. ما نشاهده اليوم من تراجع وضعف في ميادين التربية والتعليم في الوطن العربي كله دليل على ذلك ويؤشر على حاجة ماسة لإعادة النظر أيضا في أنظمتنا التعليمية في كل البلاد العربية، حتى تنهض الأمة وتستطيع أن تحقق ما ترنو إليه من مشاركة في الحضارة العالمية ومع الأمم الأخرى في حياة أفضل من الحياة التي نعيشها حالياً.
من زاوية مرجعيتكم للتعليم الجامعي وما يتصل بالتعليم والبيئة الأكاديمية من دواعي وموجبات التطوير والتحديث، كيف تفسرون ما حصل مؤخرا في جامعة آل البيت، وتوصيف جامعات المحافظات بأنها أصبحت ورش توظيف وتنفيع؟
نحن في الأردن أدركنا منذ مطلع الثمانينيات أن التعليم بدأ في التراجع. في هذا الصدد أذكر زيارة الأمير الحسن إلى جامعة مؤتة يومها سألني: هل أنت راض عن مستوى التعليم في الأردن، فأخبرته بأنني غير راض.. فسألني ماذا يجب أن نعمل.. قلت أنه لا بد من تشكيل لجنة لدراسة الموضوع وتقدم اقتراحاتها. اجتمعنا بعد أسبوعين وأعطاني الأمير حسن ورقة مدون عليها عشرين إسما هي أسماء اللجنة التي ستعيد النظر في التعليم ومن ضمن الأسماء رئيس اليونسكو وأسماء وزراء من خارج الأردن فقلت له: يا» سيدي» أنا فلاح ولدينا مثل يقول: (لا يحرث البلاد إلا عجولها). نحن نريد حل مشاكلنا. فاقتنع، وبعد عشرة أيام اجتمعنا في مكتبه وكان د. ناصر الدين الأسد وزير التعليم العالي وشكلت لجنة من 11 عضوا وكنت رئيسها نجتمع كل خميس من الساعة السادسة لغاية الواحدة بعد منتصف الليل وكنا نضع الأمير بالصورة أولا بأول.
ثم ذهبنا لجولة للكرك، والمفرق ولجميع انحاء المملكة فرأينا المآسي، حيث وصلنا لنتيجة ان التعليم بحاجة إلى إصلاح جذري. وجدنا أن 27 الف معلم لا يصلحون للتعليم فاقترحنا إحالتهم على التقاعد تدريجيا بحيث نتخلص كل سنة من 2700 ونعين بدلا منهم جامعيين، وندربهم على أساليب التدريس الحديثة.. كانت لدينا مقترحات للمدارس وللصحة المدرسية وللمناهج وللسلم التعليمي، لكن أهم شيء في رأينا هو المعلم. عندما جئنا لتطبيق هذا البرنامج قال وزير التربية ذوقان الهنداوي ووزير التعليم العالي د. ناصر الدين الأسد بأن مقترحاتنا ستؤدي لنتائج سلبية رغم أننا سنأتي باردنيين مكانهم، فكان البديل عمل برنامج لهؤلاء الأساتذة أن نعطيهم شهادات بكالوريوس في مختلف التخصصات لرفع سويتهم العلمية لكن للأسف أصبحوا عبئا على الأساتذة الذين علموهم ومنحوهم شهادات لا يستحقونها..
المشكلة حلت بهذا الشكل وبقي التعليم في مستواه المنخفض المتدني لغاية اليوم، فالمشكلة عندنا تكمن بالأهل أولا والمجتمع والدولة التي تعطي الطبيب راتبا أعلى من المهندس، والمهندس أعلى من المعلم وغير ذلك.. هذا هو الخطأ.
أما بالنسبة لما حصل في جامعة آل البيت فلأمر طبيعي أن يحصل العصبية الجهوية، والعصبية القبلية، والعصبية للمدن، لأن الدولة لم تبنى لغاية الآن المواطنة الحقيقية، ولذلك تنشأ هذه العصبيات نتيجة للفوائد التي يكسبها الناس من ممثلي العشائر وممثلي البرلمان وغيرهم.. هذه أمور يجب الانتباه إليها، نحن ندمر دولتنا وندمر الشعور الوطني لدى أبنائنا ونحولهم إلى أفراد يعيشيون في عصر غير عصرنا، ينتمون إلى عشائر معينة، وقرى معينة ومدن معينة وإلى طوائف دينية معينة وغير ذلك، وهذا في غاية الخطورة، نحن بحاجة ماسة الآن إلى إعادة النظر في كل هذه الأمور.
ما حدث في جامعة آل البيت كان أمراً طبيعياً بسبب سياسات الحكومة المتواصلة والمتراكمة عبر عقود من الزمن تمتد من السبعينيات حتى اليوم.
استراحة
في كفر جايز شمال مدينة إربد ولد علي محافظة عام 1938 ،وفيها تلقى تعليمه الأولي على أيدي الكتّاب لمدة سنة انتقل بعدها إلى مدرسة سما الروسان الأولية وكان طلابها يأتون من 14 قرية. وبعد امتحان مستوى أجراه استاذه يحيى الشرايرة قرر أن مستواه هو الصف الثالث، ثم تابع حتى السابع الابتدائي في مدرسة إربد المتوسطة وتقدم لامتحان عام وتم قبوله في مدرسة إربد الثانوية في الصف الأول الثانوي. وبعد أربع سنوات كان فيها من الطلبة المتفوقين حصل على بعثة من وزارة التربية والتعليم لدراسة الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وكان من مجموعة الثمانية التي تتقاضى من الحكومة الأردنية 15دينارا ومن الحكومة السورية 50 ليرة سورية.
من التعليم إلى الخارجية
بعد سنة في نهاية عام 1961 في حكومة وصفي التل أراد عمل اصلاح وتغيير في وزارة الخارجية بأن يكون دبلوماسيوها من حملة الشهادة الجامعية فأجرى امتحان لاختيار موظفي الخارجية. كان عددنا 500 شخص من الضفتين، وكنت من أوئل المقبولين بعد اجراء فحص شفوي من قبل د. حازم نسيبة وحسن ابراهيم ومريود التل وتم نقلي إلى السفارة الأردنية في ألمانيا الغربية.. في المانيا انفتح أمامي عالم جديد مختلف عن عالمنا العربي. في بون تعلمت الألمانية وخلال ستة أشهر تقدمت لإمتحان ونجحت.
كان لدينا في بون حوالي 15 ألف مواطن أردني معظمهم من العمال، والطلبة.
وكمعلم قبل أن أكون دبلوماسيا كنت أجتمع مع الطلبة والتقي معهم في المقاهي وأستمع لمشاكلهم. وبعد ان انقطعت العلاقة الدبلوماسية بين الأردن والمانيا عام 1965 عدت لوزارة الخارجية فاستدعاني سعد جمعة وزير البلاط للعمل عنده في الدرجة الرابعة فاعتذرت له وتم نقلي الى وزارة الخارجية في تونس وكان سفيرنا فيها فرحان شبيلات وبعد سنة نقلت قائما بأعمال الأردن في الجزائر وبعد سنتين نقلت إلى السفارة الأردنية في باريس بناء على طلب السفير عبد االله صلاح. سجلت في جامعة السوربون وقدمت الامتحانات لدرجتي الماجستير والدكتوراة، على حسابي الخاص، وعندما تركت باريس إلى القاهرة كنت قد قدمت اطروحتي لتحديد موعد المناقشة وحصلت على درجة الدكتوراة من باريس وعدت سكرتيرا أول في القاهرة وكان سفيرنا علي الحياري. والآن أتقن اللغة الإنجليزية والألمانية والفرنسية.
بعد عودتي لمقر الخارجية قررت تركها كنت في الـ 33 من عمري فرغبت العودة إلى مهنتي الأساسية في التعليم فقابلت عميد كلية الآداب د. محمود السمرة وتمت إعارتي للجامعة لمدة سنتين بدل الإستقالة من الخارجية، وبدأت عملي عام 1971 في قسم التاريخ وكان رئيس الجامعة د. عبد السلام المجالي وبعد أربع سنوات قدمت للترقية الى أستاذ مشارك وفي عام 1982 إلى رتبة أستاذ، وقبل ذلك اختاروني لرئاسة جامعة مؤتة واستمررت فيها لمدة عشر سنوات.