عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Jun-2019

ترشید الشبکة والصراع بین المتون والهوامش - إبراهیم غرایبة
 
الغد- كیف یمكن الموافقة على أن التدوین الفردي یتفوق على الإعلام المؤسسي المنظم؟ ھل یعقل أن العملیات الفردیة والھامشیة في الغضب والاحتجاج أو الإشاعة والإساءة أقوى أثرا من الصحف والإذاعات والقنوات الفضائیة ومواقع الإنترنت ومكاتب الإعلام والعلاقات العامة؟ الحال أنھ لا یمكن أن یحدث ذلك أو ھو احتمال بعید، ولیس شكوى الكبار من ظلم وإساءة الصغار سوى أداة للصراع بین المتن بما ھو طبقات النفوذ والمال والتأثیر المنظم والمؤسسي وبین فئات واسعة من المھمشین والمحتجین والغاضبین؛ ما یجري لیس سوى صراع طبقي بین قلة تملك أغلبیة الفرص والموارد وأغلبیة تجد نفسھا تمضي كل یوم إلى مزید من الفقر والحرمان وتدني مستوى الخدمات الأساسیة والأداء العام.
شبكات التواصل الاجتماعي كما الإعلام بعامة تعمل وتمنح فرصھا للأكثر نفوذا والأكثر تنظیما والأكثر مالا، ولیس ثمة قاعدة أخرى لفھم وتفسیر ما یجري في الفضاء الإعلامي، ولا تملك المجتمعات والجماعات التي تسعى للتأثیر في المصالح والسیاسات أو للضغط على السلطة والشركات والقیادات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة على اختلاف اتجاھاتھا ومصالحھا وبغض النظر عن صحتھا أو صوابھا سوى أدوات ومساحات ضئیلة ومحدودة للتعبیر والتأثیر لا تزید في ھامشیتھا وعزلتھا عن عزلة الجماعات والفئات المحرومة أو الغاضبة، لماذا إذن الشكوى المریرة مما ینشر في شبكات التواصل؟
صحیح بالطبع أن الشبكیة أتاحت لجمیع الناس فرصا جدیدة للاطلاع والمشاركة في النشر والتأثیر،
وأن النشر والبث في الصحافة والإعلام والتأثیر في المؤسسات كان عملیات مركزیة منظمة تخضع
للسلطات أو شركات كبرى تدور في فلك السلطات السیاسیة أو الكارتیلات الاقتصادیة أو الشخصیات النافذة والتي ھي جزء من السلطات والنفوذ، ولم تكن في صف المجتمعات أو المعارضات، لكن یفترض أن الإتاحة والإمكانیات الجدیدة للأفراد في الوصول إلى شبكات المعرفة وتداولھا من غیر كلفة مادیة أو سلطة تنظیمیة لا تغیر كثیرا في الفجوة الھائلة بین المؤسسات الإعلامیة التابعة للسلطات والشركات أو المؤیدة لھا وبین المدونین الفردیین؛ وأغلبھم من الھواة وغیر المتفرغین ولا یملكون من الموارد ومصادر المعلومات ما یقلل من قدرة المؤسسات الكبرى.
الأزمة إذن لیست في قدرات أو فرص مادیة أو تنظیمیة أو مؤسسیة جدیدة أو إضافیة استولت علیھا
الجماعات المعارضة والمھمشة والغاضبة،.. لكنھا في حالة اقتصادیة اجتماعیة ثقافیة جدیدة، ولسوء حظ السلطات والنخب فإن الحرمان من الشبكة (إذا كان ذلك ممكنا) لن یغیر في التحولات الكبرى الجاریة حولنا.
النخب والطبقات والمؤسسات المستفیدة من واقع یتصدع أو یتغیر تلعب في الوقت الضائع، ولیس
لدیھا سوى الاندماج في قواعد جدیدة للمشاركة والتنافس والصراع والتنظیم الاجتماعي والاقتصادي، وما تفعلھ الیوم من الإغراق الشبكي و“الدبق الإعلامي“ یزید الأزمة سوءا ویزید الفجوة والكراھیة بین الطبقات والفئات الاجتماعیة والاقتصادیة.
الخیار الوحید أمام ”المتن“ ھو اكتساب ثقة أكبر قدر ممكن من الناس إن لم یكن جمیعھم؛ لیس
بأسلوب الأفراد والمدونین ولا بثقافة ثأریة أو ھامشیة، لكن بمبادرات كبیرة ورائدة تجتذب المجتمعات والطبقات والفئات الاجتماعیة والمھنیة على تعددھا وتنوعھا وتشابك الاتجاھات والمصالح أن ینشئ عملیات محتوى متقدمة في الأخبار والتثقیف والتعلیم المستمر والترفیھ الجمیل والإبداع وبناء وجھات النظر وتحسین الحیاة والارتقاء بھا وتعدیل السلوك وبناء التضامن والتماسك الاجتماعي، أو ببساطة ووضوح أكثر أن تربط مصالحھا بالارتقاء بالمجتمعات ولیس بإضعافھا.