عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Nov-2022

(كاريكاتير).. لغة مسرحية زاخرة برسومات ناجي العلي

 الراي-جمال عياد

الفنان المثقف، يعكس دائماً وعيه على منتوجه الفني، وليس أدل على ذلك، ما نتلمسه في اللوحات الكاريكاتيرية لناجي العلي (1937- 1987)، سيما أن هذه اللوحات تتمتع ببنبة بصرية أخاذة جمالياً، والتي كان يوقع على كل منها، في إحدى زواياها، برسم صورة صغيرة لفتىً فلسطيني يدعى حنظلة، ينظر دائماً إلى داخل اللوحة، وهو يعقد كفيه خلف ظهره.
 
وقد حملت لوحاته، التي وصل عددها نحو أربعين ألفاً، وأول نشر لها في العام 1961في جريدة «الحرية»، رأي الأغلبية الصامتة للشعب الفلسطيني خاصة، والشعوب العربية عامة، حول التداعيات السياسية للقضية الفلسطينية.
 
إلا أن الشهرة التي أطلقته عربياً، ومن ثم لعواصم عالمية، جاءت في العام 1963، منذ بدء النشر في صحف كويتية لرسوماته، كما وحازت رسوماته بعد ذلك على جائزة القلم الذهبي لحرية الصحافة المقدمة من الرابطة العالمية للصحافة.
 
من العروض المسرحية التي تناولت شخصيتها الرئيسة ل"حنظلة» المفادة من رسومات ناجي العلي، ما قدمه محمد عيد مخرجا على مسرح عشتار في رام الله، في العام 1917، بعنوان «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» من تأليف السوري الراحل سعد الله ونوس، وجسدت بؤس الواقعين الفلسطيني والعربي، من خلال محمولات شخصية حنظلة.
 
ومن الأعمال المسرحية التي شكلت لوحات للعلي، النص الأول لها، ما قدمته سابقاً فرقة المسرح الحديث، على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي، لمسرحية «كاريكاتير»، التي ألفها زيد خليل مصطفى من فكرة وسينغرافيا وإخراج د. مجد القصص. وأتناول في هذه المادة مسألتي النص الدرامي والرؤية الإخراجية للمسرحية.
 
أكدت المسرحية في رسالتها الأساسة، على قوة ووعي بصيرة الفنان ناجي العلي، عبر الأفكار التي كانت تحملها لوحاته، في معاينة معاناة الشعب الفلسطيني في الماضي والراهن السياسي الحالي، وبخاصة في صراعه مع الآخر الذي يعمل على طمس حقوقه وهويته، ومواصة احتلال أراضيه.
 
ولا بد من التنوية إلى الفكرة النوعية للقصص، في اختيارها لرسومات العلي كمادة يفاد منها في إنشاء نص درامي لجديدها المسرحي، لما للمبنى والمعنى الإبداعيين الجماليين، في هذه الرسومات أساساً، وبخاصة رسائلها التي لا زالت تهتم بقوة الإنسان العربي، فضلاً عن الكاريزما لصانع هذه الرسومات العلي، وبخاصة بعد أن اغتيل في لندن بسبب المعاني التي تضج بها لوحاته، سواء تلك المعاني التي تهجو عجز النظام العربي الرسمي في التنيمة والتحرير، أو اغتصاب الكيان الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني.
 
وكان المشاهد الذي عزم على حضور هذه المسرحية، وقبل مشاهدتها يتساءل بينه وبين نفسه كيف ستكون حكاية هذه المسرحية، المُفادة من رسومات، وكيف يتم إنشاء وتصميم الشخوص لها على الخشبة، هل ستكون كاريكاتيرية ليس لها علاقة بالإنسان الطبيعي، وغيرها من التساؤلات التي أخذت تنزل وتهبط إلى عقل ووعي هذا المشاهد.
 
وبطبيعة الحال، وكما أسلفت سابقاً، فإن وهج المعنى لرسوم العلي، جذابة للمتلقي، لما تحويه من مضامين تمس شغاف ما ينشغل به سياسياً واجتماعياً وثقافياً، لكن هذا غير كاف لأن تقدم في مشاهد مسرحية.
 
فعملية تحويل لوحات إلى نص درامي، ليست بالأمر السهل، إلا أن سياق الطرح نجح في تخطي مسألة المباشرة في الطرح، بفعل جاذبية تصميم الشخصيات، وحضور التوتر، والتشويق، والتفسير، والتحضير، والتأكيد والمقارنة، والحوار.
 
رسائل ومقولات رسومات العلي كانت تطرحهما شخصيات المسرحية الايجابية: (حنظلة) قدمها زيد خليل مصطفى، و(سندريلا) مبس الزعبي، و(أم القاسم) أريج دبابنة، بأنه في ظل الفوضى السياسية، والمؤامرات على حقوق الشعب الفلسطني والشعوب العربية، يعتبر الجهد الحقيقي المساند لاسترجاع هذه الحقوق، هو الجهد المقاوم للاحتلال فقط، الذي يرفض المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني.
 
بينما كانت هناك شخوص تمثل العجز العربي، عبر سياق أحداث رمزية لمهرجانات فنية وانتخابية، قدمتها مجاميع الفنانين.
 
كما وتضمن النص السطحي للعرض حكايات عديدة؛ منها رمزية عبر أحداث بحث حنظلة عن سندريلا، ليلبسها حذاءها، في تماهٍ مع حكاية سندريلا العالمية التي عرفت أول نسخة لها، وعلى الأغلب عن حكاية رودوبيس، التي رواها الجغرافي اليوناني سترابو في وقت ما بين عامي 7 قبل الميلاد و23 بعد الميلاد، بحسب و(يكبيديا)،عن أمَة يونانية تزوجت ملك مصر، عادة ما يشار إليها باعتبارها أقدم نسخة معروفة.
 
لكن (حنظلة) هنا في هذه المسرحية، وفي سياق لا يخلو من الكوميديا السوداء، يجد أن (سندريلته) (الفلسطينية) ساقها مقطوعة، بينما يظهر مسار واقعي ضمن حكايات النص السطحي للعرض؛ في أحداث استشهاد (أبو قاسم)، الذي جسد حال أبناء الشعب الفلسطيني في دفاعهم عن أراضيهم وبيوتهم وحقوقهم.
 
كما واشتغل تأليف النص الدرامي، والإخراج على إحضار الفضاءات الزاخرة بها النصوص البصرية للوحات العلي، والتي أحضرت أجواء ما بعد حزيران، كانشغال شرائح من النازحين والمتبقين من أهاليهم في فلسطين، بمتابعة برنامج «وسلامي لكم» الذي كانت تبثه الإذاعة الأردنية، ويلقى رواجاً كبيراً، وفق لوحات ومشاهد لم تخل من الأداء التمثيلي البارع الجاذب للجمهور، الذي لم يخل من الكوميديا السياسية الساخرة.
 
وبهذا استطاعت حياكة زيد خليل مصطفى للنص، المفادة من لوحات العلي، أن تصل إلى جماليات الدراما الجذابة، التي تولته رؤى المخرجة القصص لإنشاء فضاء مسرحي فرجوي بامتياز، حضرت فيه تقتيات الإيهام الأرسطي، والتغريب الملحمي البريختي، وعوضت القصص عن غياب قطع الديكور، باستخدام تشكيلات فضائية تشي بدلالات غروتسكية.
 
وكان لهذه التعددية، التي انشغلت عليها القصص، في استخدام جماليات التقنيات التمثيلية، والتكوينية في السيمياء المشهدية، وبخاصة اللوحات الراقصة، والمنظورات التعبيرية الراقصة لأداء الممثلين، سواء في طرح الصورة المسرحية كأداة للتعبير، أو في الأداء الفردي، إضافة إلى الإفادة من الأغنية الشائعة بإستخدام ساخر. كل ذلك أدى إلى جذب المشاهد إلى فرجة مسرحية أخّاذة لجمالياتها السمعية المرئية.
 
(ناقد مسرحي)