عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Oct-2019

انتصــار للأردن والطـــالب ... أين مسؤوليــة المعـلم ؟! - الدكتور فايز أبو حميدان

 

الدستور - عند زيارتي لصديقي محمود والذي يعمل كمدرس لغة عربية في إحدى المدارس الحكومية ارتسمت على وجهه مشاعر البهجة والفرح والسعادة تخللتها ابتسامة عريضة ازهرت في وجهه، فالتزاماته العائلية واليومية كانت بحاجة ماسة الى هذه الزيادة في الراتب بل أصبح لديه شغف وحب للعودة لممارسة مهنته التي أحبها وقضى ثلاثة عقود من عمره في ممارستها.
 لقد انتهى أكبر اضراب غير مسبوق شهده تاريخ التعليم الاردني بنهاية سعيدة للمعلمين ونقابتهم ونهاية جيدة للأهالي وابنائهم على الرغم من العبء المالي لميزانية الدولة. الجميع متفق على ان مطالب المعلمين في العلاوات عادلة وهم يناضلون منذ سنوات طويلة من اجل تحقيقها، والجميع لديه قناعة بأن الاستمرار بالإضراب ضار لسمعة البلد تعليمياً بل وتنعكس عواقبه السلبية على العملية التدريسية والتحصيل الدراسي للطلبة.
فما حققه المعلمون ونقابتهم من علاوات عالية لا تستطيع نقابات عملاقة تحقيقه فأي اضراب في فرنسا او ألمانيا لأية نقابة مهما طالت مدته ينتهي في أفضل حالاته بزيادة الرواتب نسبة لا تتجاوز 5-7 %.
ولكن النظرة الإيجابية السابقة لا تساعد على  إعطاء صورة واضحة للوضع الراهن ، فمستوى التعليم الحكومي اصبح يُنظر له بشكلٍ او بآخر على أنه ضعيف وغير صحي بل وتراجعت فيه العملية التعليمية تراجعاً ملحوظاً وذلك لأسباب كثيرة أحدها اكتظاظ اعداد الطلبة مقارنةً بالرواتب الضئيلة التي يتقاضاها المعلمون والانفاق المحدود على المدارس والجامعات من الدولة وهذا بدوره يزيد أعباء المعلم ويُضعف جودة الخدمة التعليمية المقدمة للطلبة وتحمل الأردن أعباء اللاجئين ، كما ان الدور الذي باتت تلعبه المدارس الخاصة لتمييز نوعية التعليم فيها قد أدى الى ابتعاد المواطنين عن المدارس الحكومية وتوجههم الى القطاع الخاص الذي يسعى جاهداً لتقديم خدمات تعليمية وتربوية افضل ليفوق التعليم الحكومي ، حيث اصبحنا نشهد انحياز كبير للتعليم في القطاع الخاص على الرغم من الاستغلال الرهيب من أصحاب هذه المدارس للمواطن وعدم اكتراث الحكومة في الرقابة على هذا القطاع وعدم وجود قانون يضبط الرسوم الدراسية في هذه المدارس والتي زادت بها تكلفة طالب المدرسة عن طلبة بعض الجامعات الامريكية والأوروبية وتضاهيها ، كما ان الرقابة على نوعية التعليم هنا غير متوفرة من قبل الجهات الحكومية لاعتبارات وأسباب كثيرة لا داعي للتطرق لها في هذا السياق .
كما ويشعر المواطن الأردني من الطبقة الوسطى بالحرج المجتمعي إذا ارسل أبنائه الى مدارس حكومية بل ويصفه المجتمع المحيط بالبُخل ويتهمه بعدم الاكتراث لتحصيل أبنائه العلمي ، وهذه النظرة المجتمعية لها مضار كثيرة على التحصيل العلمي والتربية اليومية للأطفال وتزيد من تبجح الطلبة وأهاليهم ويضع العائلات الفقيرة في مأزق كبير.
فالجيل الذي انتمي له لم يدرس في مدارس خاصة بل في مدارس الحكومة والوكالة التي كانت متواضعة في امكانياتها ولا تخضع لسلطة المال بل وكانت مخرجات التعليم آنذاك مدعاة للفخر، فقد ضخت هذه المدارس عددا كبيرا جداً من الأطباء والمهندسين والمحامين والكتاب والمهنيين ورجال الاعمال الى سوق العمل الأردني والعربي رغم الإمكانيات المتواضعة في ذلك الحين .
كما انه يفرحني عندما اشاهد ان عددا كبيرا من الطلبة الأوائل في التوجيهي تخرجوا من مدارس حكومية كما هو الحال العام الماضي ، فنحن لا نطالب بأن تكون امكانيات المدارس كما كان الحال في الستينات ولا نريد ان نتقشف اليوم كما كان سابقاً ولكن شيئاً من التواضع والواقعية مطلوب . 
وبالعودة الى المعلمين نتــفق جميعاً بأنهم بناة الأجيال ومؤسسي العقول في الوطن وانهم بحاجة الى الدعم والانصاف المادي والمعنوي المستمر ولكنهم بالمقابل يتحملون أيضاً مسؤولية كبيرة في تدني المستوى التعليمي في البلد ، فمسألة الدوام لساعات قليلة وعدم المبالاة لدى البعض والعطل المدرسية الطويلة وممارسة المهنة بشكل سطحي وعدم الاكتراث للتحصيل الدراسي للطلبة ولا لسُبل التطوير العلمي في مجالات التربية والتعليم وعدم المشاركة في الدورات التي من شأنها تطوير أساليب التعليم وامور أخرى كثيرة ، يُضاف الى ذلك ضعف الرقابة على أداء المعلمين وعدم مشاركة الأردن في الاختبارات الدولية التي تقيس جودة وأداء النظام التعليمي الأردني وخاصة اختبارات البرنامج الدولي لتقييم الطلبة PISA و TIMSS .  كل هذه الأمور يجب الآن القيام بتغييرها ووضع حلول سريعة لها ويجب ان نرى خلال السنوات القادمة مستوى اكاديمي عالي لطلبة المدارس الحكومية وأداء افضل من المعلمين وهذا سيؤدي تلقائياً الى توجه الأهالي والابناء الى المدارس الحكومية مما سيخفف الأعباء المالية للعائلة والناتجة عن ارسال الطلبة للمدارس الخاصة كما وستنخفض دعوة أساتذة لتقديم حصص إضافية للطلبة في المنازل والتي تزيد من التكاليف التي لا ضرورة لها في حال تحسين مستوى التعليم في المدارس الحكومية .