عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Jul-2025

نتنياهو: بريق المعارك .. وظلال الحلول| أحمد سلامة

عمون

أحمد سلامة

 
سؤال حائر؟!
كيف ينظر (الإسرائيلي) إلى شخص نتنياهو؟
هل هو قائد متهور؟!
أم أناني؟!
أم عديم الخبرة في الحروب؟!
أم أنه (بهدل) المشروع الإحلالي اليهودي في فلسطين، عقب قرابة قرن من النجاحات المتصلة، ووضع المشروع برمته برسم القلق..!!؟
 
أم أنه زعيم تاريخي؟! حارب حماس وقطع أوصال قطاع غزة وجعل من الإبادة الجماعية في ضمير هذا المجتمع الدولي القبيح شيئًا مقبولًا! وحارب اليمن وحاول صعود جبالها التي استعصت على كل إمبراطوريات العصور الغابرة!!
 
.. واقتحم خدر (حزب الله) في تفجيره لـ"البيجر"، وقتله بحقد شخصي شهيدًا نبيلًا مثل حسن نصر الله، وأرجع للمارونية السياسية زعاماتها ومشيختها بعد أن سلب السلاح من أيدي حزب الله!؟
 
وغاص في لجة البحر الإيراني مستبيحًا السماء والضياء والأرض والعلماء!؟
 
وبعد كل هذا، أوليس هو من أبطال التلمود الذين جادت بهم التوراة بعد واقعة المواجهة الكبرى بين الله سبحانه وبين (يهوه)، والذي يرى نتنياهو في ذاته تجسيدًا لشخصه!؟
 
إن التناقض في الأسئلة والتضارب في الإجابات ليس مسؤولًا عنها أحد إلا (نتنياهو) شخصيًا!! هذا الذي يقف الشرق الأوسط كله بانتظار ما سيؤول إليه مصيره...
 
والسؤال الأشمل: من هو نتنياهو؟!
 
إن أي ادعاء لمعرفة من هو نتنياهو من أي شخص في المنطقة، فإنه ينقل صاحب الادعاء من (صاحب منهج تحليلي) إلى (خانة التبصير والسحر والهلوسة)!!! ذلك ببساطة أن نتنياهو نفسه لم يعرف -كما أزعم- ما الذي يريده هو من شخصه كدور، وكتسمية..
 
عناصر التحريك الأولى للتعرف على نتنياهو
لعل عناصر التحريك الأولى في محاولة الاقتراب من التعرف إليه تبدأ من عتبة يختارها دومًا كمطلع في الكشف عن هويته: إنه أخو الشهيد الرائد في قوات "غولاني" الذي سحبه الشهيد فايز جاير إلى الموت على أبواب طائرة "ال عال" في مواجهة بالدم بينهما ذهبت بالاثنين على مدرج مطار (عنتيبي) الأوغندي!!
 
كان ذلك أول دم لشهيد إنقاذ الرهائن، والذي ارتبط مصير العائلة كلها بقضية (الرهائن). ولئن أخذت فكرة إنقاذ الرهائن في عنتيبي روح الأخ الرائد الشهيد الذي كان رمز القوة، فلربما إن رهائن غزة ستنهي أسطورة (الإله الجديد) لبني إسرائيل وستجعل منه (نبيًا منبوذًا) بعد أن كان (النبي المسلح).
 
نكبات سياسية وعائلات كاملة
إن التاريخ قد ربط بين نكبات سياسية وبين عائلات كاملة...
البرمكي جعفر، بسبب سخافته واستعلائه وغطرسته، أودى بكل (البرامكة) في مذبحة ظلت سرًا من أسرار تاريخ هارون الرشيد...
 
وتهور المعز لدين الله الفاطمي قد أودى بسلالة الفاطميين كلهم في مصر...
 
وجملة من أخطاء اقترفها السلطان عبد الحميد قد مهدت لزوال أطول مدة لإمبراطورية، ولأعرق سلالة حاكمة في التاريخ المدرك. هل أتابع حماقات الأفراد الذين أزالوا بجنونهم أممًا وممالك؟!
 
مثال آل رومانوف
آل رومانوف، من أعرق سلالات من حكم في أوروبا مع الهوهنزليرن، والهابسبيرغ، والوندسور. لكن ملكة مهووسة بالشعوذة أدخلت راسبوتين إلى غرف النوم المغلقة في قصور الكرملين لعلاج طفلها، قد قضت في عدة سنين بالذبح على أعرق سلالة!!!
 
وليس غريبًا أن ينضم نتنياهو -إن لم يتقن فكرة الانسحاب العاقل- إلى قائمة من يفضي بتهوره وجنوحه للغطرسة بمشروع يهودي أقيم في الأصل (على قلق كان الريح تحته).
 
عناصر توتر نتنياهو
هذا أول عنصر من توتر نتنياهو: أن أخاه قد قتلته فكرة إنقاذ الرهائن. ولذا ظل هو غير عابئ بالرهائن كي لا يسقط سياسيًا ويسحب (المتطرفان غير الناضجين في السياسة، بن غفير وسموتريتش) محفة النجاة من تحت قدميه. وهكذا ظل على استعداد للتضحية بالرهائن لعقدة الأخ الشهيد في أوغندا.
 
كذلك، فإن نتنياهو الذي كره الحرب، لتجربتين كانتا غير موفقتين في حياته، قد أجبرته ظروف حياته أن يكون صاحب أطول حرب خاضها الكيان في تاريخه، ونتائج تلك المواجهة لم تكتشف بعد هناك. ففي عهده هو دون غيره، تساقطت الصواريخ على كل أنحاء (الكيان المدلل) كالمطر. نعم، إن التاريخ سيحفظ للشهيد الفذ صدام حسين -رحمه الله- أنه أول من غير نظرية اليهود في أمر الأمن القومي، حين تساقطت أول مرة صواريخ العراق في زمنه على رؤوس الكيان. وهذا ما دفع قائد مسؤول مثل إسحاق رابين إلى القول: "لم تعد القوة وحدها من تصون إسرائيل؛ إننا بحاجة إلى السلام مع جيراننا."
 
فهل (يصفن) نتنياهو مع نفسه دقيقة واحدة ويقرر مصير شعبه ومصير نفسه؟!
 
سوابق تاريخية في عهد نتنياهو
لقد غطت سماء إسرائيل صواريخ حماس وحزب الله والحوثي، وفي ذلك سابقة لتعدد الجبهات!!! ونزلت كل إسرائيل إلى الملاجئ في صورة هرولة مذلة، وكان في ذلك سابقة جديدة أيضًا.
 
وكذلك، حجم الدمار الذي أصاب مقتلًا في تفوق تل أبيب والقدس الغربية وحيفا على بقية مدن المنطقة. وخراب لم تخطئه عين الشامتين والحزانى، ورغم كل التقييد الأمني على تغطية الفضائح، إلا أن الناس هناك قد عرفوا معنى أن يحرق في ليلة واحدة معهد وايزمان، وسقوط مدوٍ مقلق حول ديمونة، وانهيار عمارات بالجملة. وكان في ذلك سابقة أيضًا!!!
 
كذلك، سيبقى منظر الغزاوي/الحماسي الراكب للدراجة الطائرة والهابطة فوق رؤوس اليهود بتفوق ساخر، وذلك الغزاوي غير المسلح الذي انقض على مستوطنات الجوار، ويلبس (شبشب) ويعانق (الأسد) الذي اختطفه من حديقة حيوان ليبيعه في سوق نخاسة غزة. سيظل ذلك المنظر رهيبًا، وأبعاده مرهقة للفكرة الكلية لمشروع الكيان، ولن ترممه مغامرات جديدة، بل يحتاج إلى شيء آخر.
 
وكذلك، ثمة رئيس وزراء محكوم من محكمة جنائية. ومهما بلغت المكابرة والعراضة في زيارات واشنطن المسموحة، بالإضافة إلى المجر التي تقع على هامش الدنيا وفي قاع الكون، فإن نتنياهو شخص محصور ومحاصر. وتلك سابقة للدولة التي حرصت البشرية (أن تدلع ثدييها) لترضعها كل حنان ودلال الكون كي تكفر عن إثمها عن الهولوكوست. وإذ بها تقترف هي ذاتها وتدان دوليًا بذلك (هولوكوست) ضد أهل غزة والضفة الغربية!!
 
من هو نتنياهو اليوم؟
ماذا ظل من نتنياهو؟ هو في الأصل ليس رجل حرب، إذ إن كل تجاربه الحربية خائبة ومحدودة. فالرجل تطوع في لواء "غولاني" كاحتياطي، وذهب إلى الجبهة المصرية على ضفة السويس في فترة غليان حرب الاستنزاف، (و"شمطته") شظية قنبلة تركت له نتوءًا على شفته العليا، وطفا على مياه القنال الباردة عدة ساعات، وكاد أن يفقد روحه لولا مصادفة بحتة. والتجربة الثانية كانت له في غاية التعقيد، حين تم إنزاله خلف خطوط القوات المسلحة الأردنية الباسلة في معركة الكرامة، وتم إبادة المجموعة كاملة، ونجا مع ثلاثة فقط من زملائه. وليس في ذلك ادعاء لأية بطولة يستطيع أن يضيفها إلى سجله.
 
فرصة السلام الضائعة
كان من المأمول لهذا الناطق الرسمي باسم وفد اليهود في مدريد، وعمله في الأمم المتحدة، واستقرار زواجه الثاني من تلك المضيفة القادرة (سارة)، وتعلّقه بولده الأوحد (يائير)، وإتقانه المدهش للهجة الأمريكية. وتصادف أن كان مرشده العقلي ذلك البروفيسور الفذ في هارفارد الذي قضى نحبه قبل حين (دوري غولد)، والذي ابتعد عن برنامج نتنياهو أواخر عمره.
 
كل ذلك كان يؤهله أن يكون صاحب مشروع سلام مع العرب، وليس من سجل أول أمر سيخزيه التاريخ به في مذلة (الإبادة الجماعية) في غزة، حيث لم يرحم رضيعًا ولا شيخًا ولا شجرًا ولا حيوانات!!!
 
فرصة أخيرة للانسحاب
في الستين يومًا المتوقع أن تحدث كوقف مؤقت لإطلاق النار، فإنها فرصة يمكن أن تعطي نتنياهو فرصة ليسحب نفسًا ويفكر.
 
إن خروجه من الحياة السياسية بصورة آمنة أجدى له وأنفع، وأن يستقيل بصفقة يضمن له (هيرتسوغ) رئيس الدولة انسحابًا آمنًا يستمتع في بقية حياته بعشرة ناعمة مع أسرته، بعيدًا عن السياسة وآثامها. فهو لم يكن نبيًا ولا ملكًا ولا رئيسًا عاديًا عابرًا. إنه لم ينجح في حياته السياسية رغم كل مكابراته غير الموثوقة!!
 
نتنياهو أخطأ بحق نفسه، وأخفق في أن يكون بطلًا قوميًا. وإن استمراره بمكابرة وادعاء واستعلاء على الواقع لا يزيد إلا المشهد تعقيدًا من غير فائدة. عليه أن يفرط هذا التحالف المعيب الذي يستند إليه، وأن يدعو لانتخابات مبكرة، وينسحب بهدوء. وفي ظني أن الفرصة أمامه سانحة.
 
أحب أن أرى (مشروع الجيران المتعبين بجيرتهم) من دون نتنياهو في الشهرين القادمين. وأحب، حد التمني، أن يتجه المجتمع الإسرائيلي إلى ما يريحه وينفعنا.
 
لقد كفى ووفى هذا المغامر اليهودي الذي كان كل أداؤه يخلو من اليهودية المتفوقة بالعقل وليس بالبلطجة والسفح والدماء.