من المدرجات إلى الخوارزميات.. من يربح المعركة خارج الملعب؟*تهاني روحي
الغد
في كل مرة يتأهل فيها منتخبنا الوطني لمواجهة كبرى، ترتفع في قلوبنا أحلام كبيرة، ونشعر جميعًا بأننا نشارك في حلم جماعي. نشعر بالفخر، بالانتماء، وبأن لنا وقفة موحّدة خلف فريق يمثل وطن بأكمله. لكن ما وراء هذه اللحظة المشرقة، تقع ضغوط نفسية كبيرة، أحكام سريعة، نقد لاذع، وأحيانًا سخرية وتنمّر جماهيري عبر منصات التواصل. هذه الضغوط لا تؤذي فقط صورة المنتخب أمام الجمهور، بل تمسّ أعصاب اللاعبين الذين يحملون على أكتافهم آمال الملايين.
فالنجاح ليس فقط في الملعب. لأن التحدي الحقيقي اليوم يكمن بالمنظومة كاملة، من إدارة، وتجهيز، ودعم نفسي، وبنية تقنية وتحتية ملائمة ، قادرة على استيعاب ثِقل الحلم وتشغيله بطريقة سليمة. ومع أن تأهل المنتخب إلى كأس العالم يفتح باب الأمل، الا انه لا يكتمل إلا بوجود رؤية منهجية، واستثمار فعلي، وإعداد محترف، وتوفير بيئة يشعر فيها اللاعب أنه ينتمي إلى مشروع وطني متكامل.
وهنا تكمن قيمة القيادة الرسمية، وجميعنا يعي الجهود المضنية من دعم سمو الأمير علي بن الحسين لاتحاد كرة القدم الأردني، هذه الجهود تعكس رؤية مستقبلية لكرة أردنية قادرة أن تنافس على أعلى المستويات. وإلى جانب ذلك، يُطرح اليوم حديث جدي عن خصخصة الأندية في الأردن، وهو مشروع يمكن أن يفتح آفاقًا استثمارية حقيقية تطور الملاعب، وتحسّن التجهيزات، وتدعم اللاعبين ماديًا ونفسيًا، وهذا بالضبط ما يحتاجه أي فريق يطمح للاستقرار والنجاح على المدى الطويل.
واذا ما أدركنا بأن استخدام التكنولوجيا في الرياضة لم يعد ترفا، بل ضرورة. حيث يؤكد د. بشار حوامدة، المختص في هذا المجال، الرئيس السابق لنادي الوحدات، وريادي الأعمال، في لقاء له عبر «وعي بودكاست»، بأن التكنولوجيا باتت تُستخدم اليوم عبر حسّاسات تُركّب على اللاعبين لقياس الجهد والجاهزية، ويمكن بعد شوط واحد فقط قراءة مؤشرات الأداء، ومعرفة قدرة اللاعب على الاستمرار في مباريات متتالية من عدمها. كما تتيح هذه الأدوات قياس اللياقة البدنية بدقة، وربط الأداء بالحوافز والمكافآت، بحيث يُكافأ اللاعب الملتزم بالتدريب، والنوم، والتغذية السليمة، والانضباط السلوكي. الذكاء الاصطناعي وتقنيات التحليل الحديثة قادرة على إحداث نقلة نوعية في إعداد اللاعب، وتوفير بيئة تدريب تحفظ سلامته الجسدية والنفسية معًا، وتسمح له بالتركيز على اللعب.
لكن كل هذا لا يكفي وحده، إذا ظلّ الجمهور ينتقد بلا رحمة. وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت منصة حكم سريع، بلا صبر. الانتقاد اللاذع، التهكّم، السخرية الجماعية، وحتى الشكّ في الانتماء، كلّها تؤثر بشكل مباشر على نفسية اللاعب. فاللاعب الذي يدخل الملعب لا يدخل فقط بقدميه، بل بقلبٍ يخاف ويأمل، وبحلمٍ أكبر من لحظة المباراة. وعندما يشعر أن خلفه شعبًا يؤمن به ويدعمه، قد يعطي أكثر مما نتصوّر. منها الالتفاف حول فريقنا الوطني، سواء في فترات الفرح أو لحظات الخسارة شيىء اساسي نحتاجه جميعا. الإيمان بالفريق، ودعمه نفسيًا ومعنويًا، كلّ ذلك يصنع مناعة نفسية أمام ضغوط الأداء، ويزيد من قدرة اللاعب على العطاء والتحمّل.
الحقيقة أننا بحاجة إلى إعادة صياغة علاقتنا كجمهور بمنتخبنا. لسنا مطالبين فقط بطلب الفوز أو انتظار البطولات، بل بأن نكون جزءًا من بيئة بناء، فيها احترام، ودعم، وصبر. نقد بنّاء عند الحاجة، لا جلد جماهيري. احترام للخطأ، دعم للتعلّم، وتقدير للتجربة.
والمنتخب الوطني يقوم على إدارة مسؤولة، وجمهور واعٍ، وبيئة رياضية متطورة، ودعم نفسي واقتصادي مستدام. وهنا يأتي أيضًا دور القطاع الخاص في تغيير نظرته إلى دعم الأندية، فالمنتخب الوطني أعاد الأمل للشباب الصغار. كما أن على الأندية أن تتجدد في طريقة تفكيرها واداراتها وتخرج من النمط التقليدي، وتُقنع رجال الأعمال بأن الاستثمار في الرياضة ليس عبئًا ولا مصروفا، بل قطاعا قادرا على تحقيق عائد اقتصادي واجتماعي معا.
قد تكون القرعة صعبة، وقد تكون التحديات كبيرة، لكن التفاؤل يجب أن يبقى حليفنا. فلنرفع سقف مسؤوليتنا كجمهور. لا ننتظر فقط الإنجاز، بل نساهم في صنعه. لا نطلب فقط الفوز، بل نُعلي من قيمة الرياضة، والكرامة، والاحترام. لأن الفريق حين يشعر أننا نؤمن به، وبأننا جميعنا خلفه، سيلعب ليس فقط من أجل الأهداف، بل من أجل الأردن.