عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Mar-2023

نظام الفصل العنصري: مسار العدالة الطويل في جنوب أفريقيا

 بي بي سي 

أقرب ذكرى يحتفظ بها “وخانيو كالاتا” عن والده هي جنازته. يتذكر الليالي الباردة ووجه والدته الحزين. كان ذلك في شتاء عام 1985، في بلدة كرادوك الواقعة في مدينة كيب الشرقية بجنوب إفريقيا.
 
يتذكر الشعور كما لو أن الأرض كانت تهتز من تحته بسبب هتاف آلاف المعزين.
 
لقد جاءوا من جميع أنحاء البلاد لتقديم احترامهم لوالد وخانيو، “فورت كالاتا”، وثلاثة شبان آخرين كانوا يعرفون باسم “كرادوك فور”.
 
على الرغم من كونها واحدة من أكثر الجرائم شهرة في حقبة الفصل العنصري، إلا أن الجناة المزعومين لم يمثلوا أمام المحكمة أبداً على الرغم من عدم منحهم عفواً من قبل لجنة الحقيقة والمصالحة في البلاد (TRC).
 
لكن الآن هناك توجهاً لإعادة فتح التحقيقات في هذا الأمر، إلى جانب مئات الجرائم الأخرى من حقبة الفصل العنصري.
 
أثار مقتل “كرادوك فور” عام 1985 غضباً في جميع أنحاء البلاد.
 
رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي المحظور آنذاك، أوليفر تامبو، خاطب الجماهير التي حضرت مراسم الدفن من خلال رسالة من المنفى.
 
في ذلك اليوم، أعلن الرئيس بيتر بوتا حالة الطوارئ في كيب الشرقية، وقام بتمديدها على مستوى البلاد للعام التالي. ومنح هذا الإجراء الشرطة وقوات الأمن سلطات واسعة لقمع الأنشطة التي تطالب بإنهاء حكم الأقلية البيضاء.
 
بصفته منظماً ريفياً للجبهة الديمقراطية المتحدة (UDF)، وهي منظمة بارزة تضم مئات الجماعات التي تحارب الفصل العنصري، كان ماثيو غونيوي يسافر أحياناً إلى مدينة بورت إليزابيث لعقد اجتماعات، وفي إحدى هذه الرحلات وتحديداً في 27 يونيو / حزيران، كان برفقته فورت كالاتا وسبارو مخونتو وسيسيلو مهلاولي.
 
فورت كالاتا وزوجته نوموند يوم زفافهما
التعليق على الصورة،فورت كالاتا وزوجته نوموند يوم زفافهما
كان قادة المجتمع الأربعة معروفين للشرطة بأنشطتهم المناهضة للفصل العنصري. عندما قطعوا مسافة 200 كيلومتر عائدين إلى مدينة كرادوك في تلك الليلة، واعترضهم حاجز للشرطة.
 
تم العثور على جثثهم المحترقة في وقت لاحق في مواقع منفصلة.
 
أنكرت الحكومة في البداية تورطها في وفاتهم، ووجد تحقيق عام 1987 أن الرجال الأربعة قتلوا على أيدي “أشخاص مجهولين”.
 
ولكن تم فتح تحقيق ثان في نهاية حكم الأقلية البيضاء في عام 1993، بعد أن ذكرت إحدى الصحف أنه تم إرسال إشارة عسكرية سرية تدعو إلى “الإبعاد الدائم عن المجتمع” لجونيوي وابن عمه مبوليلو غونيوي وكالاتا.
 
وخلصت إلى أن قوات الأمن مسؤولة عن مقتلهم لكنها لم تذكر أسماء المتورطين.
 
العدالة معلقة
كان وخانيو كالاتا يبلغ من العمر ثلاث سنوات عندما قُتل والده. وبعد 38 عاماً، لا تزال عائلات كرادوك الأربعة تنتظر محاسبة الجناة.
 
كانت هذه الحادثة واحدة من آلاف الجرائم التي استمعت إليها لجنة الحقيقة والمصالحة لتسهيل “الانتقال الحساس” في جنوب إفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري.
 
طلب الرئيس نيلسون مانديلا من رئيس الأساقفة ديزموند توتو قيادة اللجنة، التي دعت إلى تعافي البلاد من خلال المصالحة والتسامح من أجل تجنب مخاطر “العنف الانتقامي” بعد عقود من “الوحشية”.
 
رئيس الأساقفة ديزموند توتو يشرف على لجنة الحقيقة والمصالحة.
التعليق على الصورة،أحالت “لجنة الحقيقة والمصالحة” حوالي 300 قضية إلى النيابة العامة
جمعت اللجنة الجناة والشهود وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال حقبة الفصل العنصري للإدلاء بشهاداتهم علناً، ومنحت لجنة الحقيقة والمصالحة فرصة العفو لمن اعترفوا بشكل كامل بجرائمهم، الأمر الذي من شأنه أن يريح أقاربهم بعد معرفة ما حدث لأحبائهم.
 
وحُرم ستة من ضباط الشرطة السبعة السابقين الذين اعترفوا بتورطهم في قتل “كرادوك فور” أمام لجنة الحقيقة والمصالحة من العفو على أساس عدم الإفصاح الكامل عن الأمر.
 
كانت القضية واحدة من حوالي 300 قضية أحالتها لجنة الحقيقة والمصالحة إلى النيابة العامة في عام 2003 لإجراء مزيد من التحقيق والملاحقة.
 
لكن بالنسبة للأقارب الذين كانوا ينتظرون عقوداً لتحقيق العدالة لأحبائهم، فالانتظار كان طويلاً جداً، كما بقيت القضايا تقريباً كما هي ولم يطرأ عليها أي تغيير، ولم يتضح سبب تباطؤ السلطات.
 
ظهر تفسير محتمل لسبب التأخير في عام 2015، عندما قدمت شقيقة نوكوثولا سيميلان، الناشطة الشابة التي فقدت في عام 1983، طلبًا للمحكمة بإجراء تحقيق رسمي حول سبب اختفائها.
 
وشهدت القضية ادعاء مسؤولين سابقين بأن الحكومة أعاقت التحقيق والملاحقة القضائية في قضايا لجنة الحقيقة والمصالحة، بما في ذلك قضية السيدة سيميلان.
 
أشارت المزاعم إلى بعض المخاوف من أن التحقيقات في بعض القضايا قد تؤدي إلى محاكمة أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم لتورطهم المحتمل في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء الحرب ضد الفصل العنصري.
 
تواصلت بي بي سي مع حكومة جنوب إفريقيا للتعليق، لكنها لم تتلق أي رد. ولم يجر أي تحقيق رسمي في مزاعم التدخل السياسي والأسباب المحتملة وراءه.
 
اختفت "نوكوتولا سيميلان" قبل وقت قصير من عيد ميلادها الثاني والعشرين
التعليق على الصورة،اختفت “نوكوتولا سيميلان” قبل وقت قصير من عيد ميلادها الثاني والعشرين
كانت سيميلان عضواً في “أمكونتو”، الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، عندما تم اختطافها في موقف سيارات تحت الأرض في جوهانسبرج في سبتمبر أيلول 1983 وتعرضت للتعذيب لأسابيع، وفقاً لشهادات أدلى بها ضباط شرطة حقبة الفصل العنصري أمام لجنة الحقيقة والمصالحة، ولم يتم العثور على جثتها مطلقاً.
 
تأمل وزيرة الحوكمة التعاونية والشؤون التقليدية ثيمبي نكاديمينغ أن ترى أختها الكبرى في منامها. فالذكريات التي تربطها بشقيقتها متقطعة، لكنها تتذكر حبها للطبخ، وكيف كانت تضع الطاولة وتجعل عائلتها تجلس لتناول الوجبات المكونة من ثلاثة أطباق والتي أعدتهم بنفسها.
 
أتذكر أمي وهي تقول:” أنت تطبخين ولكنك لا تأكلين! ” لكنها كانت تحب الحلوى، وخاصة حلوى الجيلي والكاسترد مع الخوخ والدراق.
 
توفي اثنان من أفراد الشرطة الأمنية الأربعة السابقين المتهمين بقتل شقيقتها. فيما يتم تأخير محاكمة الاثنين المتبقيين.
 
وكان ثلاثة من الضباط الأربعة المتهمين قد تقدموا بطلبات إلى لجنة الحقيقة والمصالحة للحصول على عفو عن تعذيب السيدة سيميلان، لكن تم رفضها جميعا.
 
الخسارة الكبرى
كانت إعادة فتح تحقيق في عام 2017 في وفاة الناشط المناهض للفصل العنصري أحمد تيمول خلال الحراسة النظرية في عام 1971 نقطة تحول، كما تقول كاتارزينا زدونشيك، مديرة برنامج لجنة الحقيقة والمصالحة في منظمة جنوب إفريقيا غير الحكومية، المعنية بحقوق الإنسان.
 
تم اتهام ضابط شرطة سابق بقتل تيمول في العام التالي لكنه توفي قبل المحاكمة.
 
في وقت سابق من هذا العام، رحبت عائلات الضحايا بالأنباء التي تفيد بأن هيئة الادعاء الوطنية قد عينت مفوض لجنة الحقيقة والمصالحة السابق دوميزا نتسبيزا لمراجعة أدائها في التعامل مع قضايا حقبة الفصل العنصري.
 
وقالت إن الخطوة جاءت على أساس الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة “لمنع أي تأثير سياسي لا داعي له” في القضايا.
 
لكن السيدة زدونشيك تعتقد أن التحقيق لن يكون قادراً على النظر في مدى التدخل السياسي، وتقول إنه يجب إنشاء لجنة تحقيق مستقلة في الادعاءات.
 
مع وفاة العديد من الجناة والشهود الرئيسيين، فإن احتمالات حل معظم القضايا باتت أصعب.
 
لكن السيد كالاتا يقول إنه سيواصل متابعة قضية والده، ويضيف: “يمكنني أن أذهب إلى قبرك يا أبي، بعد مضي 38 عاما، لأقول لك ارقد بسلام أخيراً لأن الأشخاص الذين قتلوك قد تعرضوا للمساءلة أخيراً”
 
تقول نكاديمينغ إن ما تسعى إليه عائلتها الآن هو إغلاق الملف، بعد أن مات والدها وشقيقها دون أن يروا شقيقتها سيميلان مدفونة، لكنها تأمل بأن والدتها سستمكن من ذلك. مضيفة “كان لدي أخت ذات مرة. وبالنسبة لأمي، فقد أنجبت فتاة لا تستطيع تحديد مكانها اليوم، لا يمكنها زيارة قبرها، ولم تتمكن من دفنها”.
 
“أعتقد أن هذه أكبر خسارة، أن يموت الناس وهم في عز آلامهم.”