عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Dec-2019

زعامة قيد الاختبار - عاموس غلبوع

 

معاريف
 
عيد المكابيين اليوم. برأيي أن العمل الفني الاجمل عن ثورة المكابيين، كتبها الكاتب اليهودي الاميركي هوارد باسط. وترجمته الى العبرية روت ليبنيت واصدرته دار نشر مكتبة بوعليم في 1948، إبان حرب الاستقلال. وقد اصبح اسم الكتاب بالترجمة العبرية مشهورا في ثقافة دولة اسرائيل: “اخواني ابطال المجد”. قصة الاخوان الحشمونائيين يرويها شمعون هنسي، آخر من تبقى من الاخوة الخمسة، وهي موجهة الى مجلس الشيوخ الروماني كي يعرف الشعب اليهودي وقصة الثورة وزعيمها.
عندما انهيت خدمتي العسكرية في واشنطن منحت الكتاب لعدد من المسؤولين في الاستخبارات الاميركية. كان هوارد باسط معروفا للكثير من الاميركيين، وبالاساس بفضل كتابين: “المواطن توم فاين” عن حرب الاستقلال الاميركية و”سبارتكوس”. حظيت بتلقي كتب شكر من بعض منهم مع اضافة مشوقة، على الصيغة التالية تقريبا: “فقط بعد أن قرأنا الكتاب فهمنا لاول مرة ما الذي يحرككم، انتم ابناء الشعب اليهودي”. في هذا المقال سأورد مقطعا قصيرا واحدا من الكتاب، يعرض فيه فكر الكاتب حول موضوعين، يتعلق مصير الشعب بهما: الاول هو من اجل ماذا سيقتل ابناء الشعب؛ والثاني، من هو الزعيم في زمن الازمة.
ان ساحة الحدث هي معسكر يهودا المكابي الذي يستعد للمعركة الاولى الحاسمة ضد ابولونيوس، وزير الجيش اليوناني. شمعون، البكر، هو القاضي في المعسكر. وها هما يأتيان اليه رجل وامرأته من النقب. تصرخ المرأة راغبة في الطلاق من زوجها. وبصوت مختنق تروي بان مفوض يوناني قتل بوحشية ابنتهما وثلاثة من ابنائها، لان زوجها رفض الركوع امام المذبح الذي اقامه اليوناني في ميدان السوق. “لهذا كرهته، زوجي، حين كرهت الغريب. فقد غلظ قلبه وخربت عزته كل ما احببته فيه. لم تبكِ، ولكن صرخة انكسار انطلقت من بين الشعب. “إذ غلظ قلبه”، قالت، “إذ غلظ قلبه”. كان شمعون مرتبكا. حاول توجيهها الى الكهنة، ولكنها رفضت. هذا ليس شأنهم. وتجمع الشعب وسمع صوت بكاء. شمعون في معضلة رهيبة: ماذا يقرر؟ المرأة محقة في طلبها الانفصال عن زوجها، ولكن هو ايضا محق. هو يهودي عزيز وعنيد، مستعد لان يضحي باعز ما لديه كي لا يتخلى عن العزيز لشعبه، كي يتمكن شعبه من مواصلة بقائه. قصرت يد شمعون. وكذا شيوخ الشعب لا يعرفون ما يفعلوا وما يقرروا. “الى أن جاء يهودا ووقف امام المرأة وكله احساس بالاسى والحب يملآن وجهه الجميل والشاب… كل اقوالها عن الموت والقتل تقل امام هذا الرجل الذي كله حياة، فيأخذ كلتي يديها ويضعهما على شفتيه: “ابكي”، قال كثيرا، “ابكي يا امي”. اشاحت برأسها. “ابكي لاني احببتك”. وكانت ما تزال تشيح برأسها، كاشارة الى انعدام الامل. “ابكي، وقد ثكلت اربعة ابناء، ومئة جاءوا اليكِ، أولست انا ابنك، ابنك حبيبك، ابكي علي فتنزل عذابات ابنائك الى قلبي وتحطمني. ابكي علي وعلى الدم الذي على يدي. انا ايضا غلظ قلب، وعبء عزتي هو كالرحى على رقبتي”. ورويدا رويدا هطلت الدموع ونزلت الى الارض تختنق بدموعها. فأخذها زوجها بين ذراعيه وهو يبكي هو الآخر. فأدار يهودا وجهه عنهما ومر بين الشعب الذي افسح له الطريق، رأسه مطأطأ ويداه متدليتان على جانبيه”. ما هي الزعامة الكامنة هنا؟ برأيي، القدرة على اعطاء الامل للشعب في الاوضاع الصعبة.