عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Sep-2019

«الدستور» في قلب القاهرة

 

القاهرة - الدستور - محمود كريشان - لا شك ان الأديب المصري الكبير جمال الغيطاني قد أبدع في كتابه «ملامح القاهرة في ألف سنة» عندما وصف مقاهي القاهرة بالكلمات المنمقة الجميلة السلسة، باعتبار المقاهي تلعب دورا يتجاوز كونها مجرد أماكن للتجمع وقضاء أوقات الفراغ وتناول المشروبات، فقد نجح المقهى بوصفه مركزًا للتجمعات التي تتلاقى فيها مختلف طبقات الشعب المصري فكريًا واجتماعيًا وسياسيا أن يصبح شاهدًا على التحولات التاريخية والأحداث المؤثرة في التاريخ المصري العريق.
ومن هنا.. فإن «الحرية».. مقهى يحمل طابعه الخاص والمميز عن مقاهي وسط البلد المعتادة، بدءًا بالمساحة الشاسعة التي يحتلها وتبلغ نحو350 مترًا بالدور الأرضي لعمارة رقم 3 شارع محمد مظلوم، حتى عمره الذي تجاوز الـ(83) عامًا في نفس المكان، مرورًا بكونه آخر المقاه المرخصة لتقديم كافة المشروبات بالقاهرة.
شاهد على وسط البلد
لـ»مقهى الحرية» باب واحد واسع وقسمان وهو مقهى شعبي حافظ على تقاليده منذ تأسيسه عام 1936، على يد ثلاثة أقارب هم يوسف وميخائيل ونيقولا، الذي كان عاطلًا عن العمل قبل إدارته للمقهى، ظل المقهى على حد الكفاية، الأرباح على قدر المصروفات حتى تنامي الوجود الإنجليزي في محيطه فازداد رواده وزادت أرباحه بالتالي، في البدء كان زبائنه من الجاليات الأجنبية، العساكر الإنجليز في أثناء وجودهم بمصر، وبعض الأفندية نظرًا لأسعاره الرخيصة ومشروباته الشعبية وموقعه بوسط البلد، صالته الشاسعة سمحت بتنوع زبائنه.
كما أنه مع حركة الزمن لم تعد الجاليات الأجنبية في مصر كعهدها قبل يوليو 52، إلا أن «الحرية» لم يزل يضم تنوعه الخاص، فعلى مدار وجوده في وسط البلد كان الحرية ملتقى لألوان وتيارات مختلفة، كان ناديًا للصعيدي وابن أخيه البورسعيدي.
«الحرية» في السينما
هذا التنوع الذي كان ملهمًا لصناع السينما، إذ صنع منه أحمد رجب ناديًا لشخصيات كاريكاتورية ذات توجه يساري في فيلم يسخر من التيارات اليسارية في منتصف الثمانينيات، حيث شاعر اشتراكي يلقي قصيدة حماسية يسمعها صديقه ذي النضارة سميكة العدسات في فيلم «فوزية البرجوازية 1985».
بعد نحو 10 أعوام، كان مقهى الحرية ملتقى للخِرتية في فيلم «رومانتيكا 1996» للمخرج زكي فطين عبد الوهاب، في منتصف التسعينيات، حيث مجتمع من الشباب في بداية العشرينيات يتحركون بين أرجاء وسط البلد ويجتمعون بالحرية يشتغلون بأي شيء ويصاحبون الأجانب مع حلم بالسفر للخارج.
وبعد 10 أعوام أخرى، تحديدًا في 2006، ظهر «الحرية» من جانب مقهى الكهول وأصحاب المعاشات في فيلم «ملك وكتابة»، مقهى اعتيادي فسيح، يقدم الستيلا ويلعب رواده الطاولة والدومينو دون أي تفاصيل زائدة.
ولاشك ان «الحرية» حافظ على تنوعه الخاص، حافظ أيضًا على ملامحه العامة، سقف يعلو 5 أمتار عن أرضية المقهى بمساحة 350 مترًا منقسمة إلى قسم البيرة وقسم مشروبات المقهى، بأبوابه الواسعة وجدرانه بلون «الشاي باللبن» المميزة، وصخبه وازدحامه الدائم في ليال الخميس بصورة خاصة ويرتاده الاجانب الذين يدرسون اللغة العربية في مصر.
وبالطبع فان «عم سيد» و»ميلاد» أشهر جارسونات المقهى بطريقته المشاكسة في طلب البقشيش. والذي رُسم له «جرافييتي» على الجدار الخارجي بلحية كبيرة كُتب تحته «بكرة نبيع سبح» عام 2013 في إشارة إلى المخاوف من إغلاق المقهى أيام حكم الرئيس السابق الراحل محمد مرسي كونه من الإخوان المسلمين، ولكن بقي الحرية شامخا في قلب قاهرة المعز حتى يومنا هذا.