الدستور - قدر الأردن أن يكون في خط المواجهة الأول للدفاع عن فلسطين والقدس كيف لا وهو صاحب الولاية الهاشمية على القدس منذ عشرينات القرن الماضي ، قالها الشريف حسين بن علي مفجر الثورة العربية الكبرى لا أقبل إلا أن تكون فلسطين لأهلها العرب، لا أقبل بالتجزئة، ولا أقبل بالانتداب، ولا أسكت وفي عروقي دم عربي عن مطالبة الحكومة البريطانية بالوفاء بالعهود التي قطعتها للعرب ، وإذا رفضت الحكومة البريطانية التعديل الذي اطلبه فإني أرفض المعاهدة كلها، لا أوقع المعاهدة قبل أخذ رأي الأمة».
بهذه الكلمات كان رد الشريف الحسين بن علي وإصراره في المباحثات التي جرت بينه وبين بريطانيا لتوقيع ما عرف بـ المعاهدة الحجازية البريطانية (آنذاك) على أن تتضمن تلك المعاهدة الاعتراف باستقلال فلسطين باعتبارها جزءا من الأمة العربية.
كانت القدس تعني بالنسبة لجلالة الملك المؤسس عبدا لله الأول كل شيء ويرخص الروح في سبيلها، فلا معنى بنظره للحياة دون القدس فهو يفضل الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن القدس على أن يراها محتلة من اليهود.
فمن بين (93) زيارة قام بها للمدن الفلسطينية في الفترة ما بين 1922م 1950م، حظيت منها القدس بحوالي (41) زيارة. وهذا يظهر العناية الكبيرة التي أولاها الملك المؤسس عبدالله الأول للقدس.
وفي كل زياراته للقدس كان رحمه الله حريصاً على زيارة الجامع الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وتأدية الصلاة فيهما، ومتابعة ما تحتاجه الأماكن الدينية فيها من تعمير وترميم.
فقد جاء في وصيته: «لقد أوصيت أهلي بوجوب دفني في القدس إلى جوار قبر أبي في ساحة الحرم الشريف.إني أريد القدس معي وأنا على قيد الحياة، وأريد أن أبقى مع القدس بعد الموت».
إن الراحل المغفور له الملك الحسين أعطى القدس أهمية خاصة بما خص المقدسات الدينية فيها بعناية واهتمام متميزين.
ويتضح ذلك من قوله رحمه الله: «إن القضية التي ندافع عنها هي أعدل قضية في التاريخ، فنحن لم نعتد على أحد، ولم نسلب أحداً أرضاً أو قرية أو مدينة، والذي جرى أن أناساً من جميع أنحاء العالم غزوا الوطن وشردوا أهله، ثم أخذوا يزعمون أنهم يريدون السلام ، وقد سخّروا جميع وسائل الدعاية ليظهروا بمظهر المساكين، إنهم يستهينون بالقرارات الدولية ويهددون الأمن القومي بالتوسع والعدوان».
الملك الحسين بن طلال ظل طوال حياته يؤكد أن القدس ليست موضوع مساومة بين الأردن وإسرائيل، لأن القدس جزء من الأرض العربية المحتلة، وعلى إسرائيل أن تنسحب منها كما تنسحب من غيرها من المناطق العربية المحتلة، وبغير هذا لن يقوم السلام.فالقدس بالنسبة للحسين مفتاح السلام ورمزه، معبراً عن ذلك بقوله:
«الرمز الحقيقي للسلام هو القدس وعودتها عربية هو المعيار الوحيد لصدق الداعين إلى السلام في المنطقة».
وفي هذا السياق يقول الحسين بن طلال رحمه الله في حديث له لدى زيارته للواء الهاشمي في 13 آب 1958م:
«الحمد لله الذي شرفنا في حمل رسالة هذه الأمة وفي الدفاع عن مقدساتها وتراثها»، ويقول أيضاً في رسالة له إلى رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للمحاربين القدماء في 10 تموز 1963م:
«وما كان الأردن العربي المدافع عن دنيا العرب ومقدساتها إلا ثمرة من ثمار الجهاد القومي الموصول في سبيل وحدة كل العرب».
ويقول الحسين في حديث له بمناسبة عيد الاستقلال ويوم الجيش في حفل تسليم الرايات لعدد من كتائب القوات المسلحة في 25 أيار 1965م:
«وحظنا في هذا البلد الصابر واضح لا عوج فيه وهدفنا بّين لا التواء عليه، هو أن يكون دورنا هو الدور الطليعي..
وأن نتحمل مسؤولية الحفاظ على بقايا المأساة والدفاع عن دنيا العرب ومقدسات الإسلام».
ويقول الحسين أيضا في خطاب له في عيد الجلوس الملكي في 10 آب 1967م:
لقد كنا سدنة القدس وحماتها عبر قرون وقرون، ولن نبخل ببذل أرواحنا رخيصة من اجل الحفاظ على حقنا في البقاء، أولئك الحماة والسدنة نيابة عن أبناء امتنا وسائر المسلمين..
الأردن بقيادته الهاشمية جلالة الملك عبد الله الثاني يسير على نفس النهج والخطى ويصرح لن نتنازل عن القدس وسندافع عنها وهي في أولى أولوياتنا وهو بهذا يقف في مواجهة «صفقة القرن».. جنبا الى جنب مع الفلسطينيين.
إن خيار الأردن السياسي الطبيعي هو رفض «صفة القرن»، وخاصة أن الموافقة على الصفقة وتمريرها يشكل ضربة قوية للثوابت والمصالح العليا الأردنية، كما يشكل تخليًّا عن حقوق الشعب الفلسطيني ودور الأردن في الأماكن المقدسة في القدس.
علما أن القضية الفلسطينية والقدس كانت ومازالت في أولى أولويات الأردن قيادة وشعبا ومنذ العام 1924، كانت السلالة «الهاشمية» هي الوصي «الوحيد» على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وحافظت على هذا الدور حتى بعد احتلال إسرائيل للضفة الشرقية من نهر الأردن عام 1967، واستمرت بوصايتها حتى بعد إعلان فك الارتباط مع الضفة، وصولا إلى العام 1994 عندما أبرم الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل اعترفت بموجبها الأخيرة بالوصاية «الهاشمية» على الأماكن المقدسة.
وتتوحد مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية مع رأي الشارع الأردني الداعم لاستمرار «الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس»، ولمواقف الملك عبد الله الثاني، الرافض لتصفية القضية الفلسطينية وتمرير «صفقة القرن»، التي قد تلغي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتقوض مبادرة السلام العربية التي تقوم على أساس «حل الدولتين».
وفي ظل الظروف الأخيرة، يحاول الأردن دفع «الشكوك» التي تدور حول قبوله بمبادرة السلام الشامل المعروفة باسم «صفقة القرن»، من منطلق موقفه الثابت تجاه القدس وفلسطين والمقدسات وهو ما عبّر عنه الملك عبد الله الثاني بأنه «واجب تاريخي».
لم يتحدث ملك الأردن عن ماهية الجهات الخارجية التي تمارس ضغوطا عليه شخصيا أو على بلاده.
ويؤكد الملك عبد الله الثاني على موقف بلاده «الثابت» من تحقيق السلام الذي يجب أن يكون مبنيا على القرارات الدولية، وعلى أساس قيام دولتين جنبا إلى جنب، إسرائيل وفلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967، مع حل عادل للاجئين الفلسطينيين في العالم.
ويرى الأردنيون في «صفقة القرن» تهديدا «وجوديا» للقضية الفلسطينية ومحاولة إسرائيلية بتواطؤ أمريكي للاستيلاء على القدس ووادي «نهر الأردن» والأراضي الفلسطينية المحتلة خارج حدود 4 يونيو 1967، التي تقيم عليها إسرائيل مستوطنات ترفض التخلي عنها.
وعلى الصعيد الفلسطيني، تتخوف ذات الأوساط من حرمان الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وفق مبادرة السلام العربية، أي أن القبول بـ»صفقة القرن» سيعني في نهاية المطاف القضاء رسميا من قبل واشنطن وإسرائيل على الحق الفلسطيني بدولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وترفض السلطة الفلسطينية الحوار مع الولايات المتحدة لمناقشة أي مما يتعلق بالسلام مع إسرائيل، بسبب اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نهاية 2017، بالقدس «عاصمة» لإسرائيل.
الأردن لن يقدم على تقديم تنازلات عن موقفه الثابت أو القبول بتمرير «صفقة القرن».وكل المؤشرات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأردن ماض في الثبات على موقفه، وأنه سيقاوم كل الضغوط التي تمارس عليه أو على الملك، مع احتمالات زيادتها مع اقتراب موعد الإعلان عن مبادرة السلام «صفقة القرن»، والذي قد يكون عقب شهر رمضان.
في مقابل ذلك، من غير المرجح أن تمارس دول بعينها، سواء الولايات المتحدة أو غيرها، مزيدا من الضغوط على الأردن لان في قناعة هذه الدول أن الأردن يملك خيارات عدة وبإمكانه أن يعيد خلط الأوراق في المنطقة ويعيد تحالفاته وفق ما تقتضيه مصلحة الأردن وأمنه القومي ، وقدر الاردن وفلسطين ان يعملا معا وينسقا الجهود سويا في مواجهة صفقة القرن.