الغد-عزيزة علي
رأى مشاركون في حفل توقيع رواية "شمس الضاحية" للروائية صفاء فارس الطحاينة، أن الرواية تنسج حكايات متوازية عن الحب والفقد والمقاومة والبحث عن الذات.
وأشاروا في الحفل الذي نظمته دار ناشرون وموزعون، أول من أمس، في المكتبة الوطنية، إلى أن الرواية تجعل الأدب أكثر من مجرد سرد للأحداث؛ فهو مرآة للوعي الإنساني، وتكشف صراعات الفرد مع المجتمع والذات في حوار مستمر بين الظل والنور والحزن والأمل.
وأضاف المشاركون، وهم الروائي مجدي دعيبس، الروائي أحمد الطراونة، وأدارته الناقدة وداد أبو شنب، أن الكاتبة تتجاوز في هذه الرواية الحبكات التقليدية وتتعمق في النفس البشرية، لتقدم تجربة سردية تأملية غنية بالدلالات.
قال أحمد الطراونة إن الرواية تنتمي إلى خطاب سردي لا يركز على تتبع الوقائع الخارجية فقط، بل على أثرها الداخلي في الذات الإنسانية. بعبارة أخرى، القارئ لا يطالب بملاحقة الأحداث فحسب، بل بالاستماع إلى تأثيرها في النفس، كما تشبه الرواية أثر القهوة في فنجان على حافة الطاولة بعد شربها، أثر غير مرئي لكنه باق في الوجدان.
وتناول الطراونة ثلاثة محاور رئيسة: "البنية السردية للرواية وتحولها من مركزية الحدث إلى مركزية الوعي. تمثلات المكان، ولا سيما الضاحية، بوصفها فضاء رمزيا وذاكرة جمعية. بناء الشخصيات واللغة، ودورهما في إنتاج دلالة إنسانية تتجاوز السرد الاجتماعي إلى أفق نفسي وتأملي أوسع".
وتسعى هذه القراءة إلى مقاربة رواية شمس الضاحية - أسرار القلوب رُفاتها للكاتبة صفاء فارس الطحاينة، بوصفها نصا ينتمي إلى الرواية الاجتماعية-النفسية ذات النزعة التأملية، حيث يتقاطع المكان بالذات، ويتحول السرد من تتبع الحدث إلى تفكيك الداخل الإنساني، وذلك ضمن قراءة نقدية تعتمد المنهج النصّي التحليلي، مع التركيز على البعد الرمزي والوظيفة الجمالية للصمت والذاكرة.
وتحدث عن مستوى البناء السردي، فيغدو الحدث الخارجي خلفية خافتة لصراع داخلي أعمق، ويهيمن السرد الاستبطاني الذي يركز على المشاعر والهواجس والذاكرة والانكسارات اليومية. ويتجلى وعي الكاتبة بالسرد منذ الافتتاح، عبر كسر محسوب للجدار الرابع، بما يعزز الإيهام السردي وينسجم مع الطبيعة التأملية للنص الذي يسعى إلى تفسير الواقع لا محاكاته.
وقال الطراونة إن المكان يغدو عنصرا مركزيا في الرواية، لا بوصفه فضاء محايدا، بل كيانا حيا يشارك في تشكيل الشخصيات وأزماتها. فـ"شمس الضاحية" ليست مجرد عمارة أو حي سكني، بل استعارة للعيش المشترك، ولتراكم الحكايات، وللأسرار المسكوت عنها. وتتحول الضاحية إلى مركز رمزي تتقاطع فيه المصائر وتنكشف الهشاشة الإنسانية، بينما تحيل الشمس في العنوان إلى مفارقة دلالية؛ إذ تضيء ما يخفى من دون أن تمنحه خلاصا نهائيا.
وتحدث الطراونة عن الشخصيات وإشكالية الوعي الذاتي، قائلا: "بنية شخصيات الرواية بعيدة عن النمطية، وتُقدَّم بوصفها كائنات مأزومة وواعية بأزماتها. فجمانة لا تُختزل في كونها فنانة، بل تمثل رؤية جمالية ترى في الفن أداة للفهم والمقاومة الصامتة. أما سديم فتجسد صراع المرأة مع السلطة الذكورية الناعمة، حيث يُمارَس القمع عبر التهميش والهيمنة النفسية لا العنف المباشر. ويقدم أدهم نموذجا للذكورة المأزومة؛ إذ يتجاوز العمى بعده الجسدي ليغدو رمزا لعمى داخلي يعوق الاعتراف بالآخر، دون أن تقع الرواية في التبسيط أو الشيطنة. في حين تمثل أم يامن صورة الألم المؤجل، حيث يتحول الصداع المزمن إلى علامة جسدية لمعاناة نفسية مكبوتة، بما يكشف قدرة النص على شحن التفاصيل اليومية بدلالات عميقة".
وأضاف الطراونة "أن لغة الرواية تتميز بنعومة واضحة ونَفَس شعري محسوب، دون الوقوع في الإنشائية. وتعتمد الكاتبة على الاستعارة والصورة للتكثيف الدلالي، فتغدو المفردات مشبعة بإيحاءات نفسية. غير أن هذا الثراء قد يفضي أحيانا إلى إطالة وصفية أو حوارية، ما يستدعي قدرا أكبر من الاقتصاد اللغوي للحفاظ على توتر النص وحيويته".
وأوضح أن الرواية تعالج ثيمات متداخلة، أبرزها الأسرار الإنسانية، والحب المكبوت، والوعي النسوي غير الصدامي، والصمت بوصفه اختيارا وجوديا، والمكان كحاضن للذاكرة. ويغدو الصمت أداة دلالية مركزية، لا يُقدَّم بوصفه عجزا، بل فعل مقاومة هادئة ووسيلة لحماية الذات من الانكسار.
وخلص إلى أن رواية "شمس الضاحية"، تقدم أسرار القلوب رُفاتها تجربة سردية ناضجة تراهن على العمق لا الإثارة، وعلى الإنسان لا الحدث. وتؤكد حضور صوت سردي نسوي واعٍ، يشتغل على تفكيك البنى الاجتماعية من الداخل عبر اللغة والمكان وبناء الشخصيات، دون خطاب مباشر. ويمكن إدراج الرواية ضمن الأعمال القابلة للقراءة الأكاديمية، لما تنطوي عليه من كثافة دلالية وبناء فني متماسك، ورؤية إنسانية تتجاوز اللحظة الراهنة إلى أسئلة الوجود والهوية والبوح.
من جانبه، قال مجدي دعيبس إن الرواية تمضي نحو هدفها المضمر عبر ثلاث حبكات وثلاثة مسارات سردية متوازية. فعلى الرغم من أن سديم وجمانة وأم يامن في البناية نفسها في عمّان "شمس الضاحية"، فإن تأثير كل مسار في الآخر يظل محدودا، ما يجعل العمل قائما على حبكة ثلاثية الرؤوس لا حبكة مركزية تتفرع عنها مسارات ثانوية.
وأشار دعيبس إلى أن مصائر النساء الثلاث تبحث عن الحب بوصفه قوة تتحدى أقسى الظروف وتقاوم أدوات القهر المختلفة. فجمانة، الفنانة التشكيلية، يقودها الفن إلى التعارف مع ليث من جنين عبر وسائل التواصل الحديثة، بينما تعمل سديم، القادمة من إربد، في التدقيق اللغوي لدى شركة أدهم، في حين تمثل أم يامن ذاتا ممزقة بين الحب والغيرة.
ومن خلال هذه المسارات، تتبدى رؤية الكاتبة للحياة والناس؛ إذ يجمع الفن بين جمانة وليث، ويجمع الأدب بين سديم وأدهم، في إشارة إلى موقع الفن والأدب ودورهما الجوهري في تشكيل العلاقات الإنسانية.٢
ويرى دعيبس أن الرواية تنحاز لذوي الإعاقة، وتقدمهم بوصفهم شخصيات فاعلة ومؤثرة. فأدهم الكفيف، الذي فقد بصره حزنا على وفاة والده، يتجاوز ألمه ليؤسس دار نشر ويديرها عبر تحويل الأعمال إلى لغة "برايل"، كما يخوض تجربة الحب مع سديم دون أن يراها، في صدى دلالي لقول بشار بن برد: "الأذنُ تعشقُ قبل العينِ أحيانا".
وأشار دعيبس إلى نجاح الروائية في توظيف الشخصيات الثانوية بطرافة وسمات مميزة لكسر رتابة النسق السردي والنفسي. فحسين الجار الثرثار يمثل من يستمد متعته من القيل والقال ومراقبة الآخرين، بينما ميرنا نموذج المتلصص الحسود الذي يسعى للسطو على أعمال الآخرين ومحاولة خلق الفتن، ما قد يشير إلى الانتحال والارتباك الذي يعتري العالم الافتراضي وغير الافتراضي.
أما بقية الشخصيات الثانوية، مثل رمزي، وفريدة، وأبو جمانة، وأبو حسين، وأم جمانة، وجاراتها، والسائق محمود، وسهام، وأم أدهم، وشقيقته دانية، فكان حضورها أقل تأثيرا في مسار الرواية وعملية التلقي.
وقال دعيبس "تتجلى سيميائية الأسماء في الرواية بوضوح، وتستحق الوقوف عندها للتأمل والتدبر. فاسم ليث يرمز إلى القوة والشجاعة والمنعة، ويستحضر سيف الفارس المقاوم للغطرسة. أما أدهم فيشير إلى السواد الدامس، ما يعكس فقدانه للبصر والعيش في عتمة مستمرة. واسم متيم يدل على الحب العميق الذي يطغى على العقل، وهو ما تنطبق صفاته على شخصية متيم".
وخلص دعيبس إلى حضور فلسطين في الرواية من خلال شخصية ليث والمقاومة، وغزة، وطوفان الأقصى، وجنين، واقتحامات الجنود الإسرائيليين للمواطنين. وقد يُطرح سؤال: لماذا انتصر الحب مع شخصيات مثل سديم وأدهم وزهرة ومتيم، بينما لم يتحقق مع جمانة وليث؟ الجواب يتضح في استشهاد ليث خلال اتصال فيديو مع جمانة، فالحب هنا يظهر في شكل أعلى من التضحية والفداء الوطني، حيث يتجلى حب الإنسان لوطنه أعظم من أي علاقة عاطفية. ويتحول ذلك إلى رمزية جمالية؛ إذ تتحول جمانة من سيدة الألوان إلى سيدة اللون الأسود، دلالة على الحزن والألم العميق.