عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Mar-2023

السعادة هي المحبة*حسني عايش

 الراي 

الحب تكريس الواحد/ة مشاعرهما وعواطفهما نحو طرف آخر واحد/ة، وعادة ما يكون من الجنس الآخر، او نحو الله كما في التصوف. الحب يملك صاحَبه ويأسره ويعطيه أو يسلمه للطرف الآخر، ولكن الحب الأول قد ينتهي بخلاف أو بخيانة ويتحول إلى كراهية أو إلى أشد العداء، أما الحب الثاني فيحقق غايته بالإشراق حسب الغزالي أو بالاتحاد حسب الحلاج، ويبقى.
 
تلكم هي طبيعة الحب. أما المحبة التي لا يقابلها لفظ في اللغة الإنجليزية، فمعنى أو فيض دائم التدفق من المشاعر والعواطف الإيجابية نحو الآخرين مهما كان عددهم، فأنت تستطيع محبة والدْيك وأبنائك وأحفادك وإخوانك وأخواتك وأصدقاءك وزملاءك، وبقية الناس، ويبقى لديك المزيد من المحبة لغيرهم مهما بلغ عددهم. تلكم طبيعة المحبة.
 
يبدو أن الناس - إجمالاً - نوعان: ناس منغلقون على أنفسهم بالتنشئة والتربية فلا يطيقون الاتصال والتواصل مع غيرهم، وناس منفتحون يتصلون ويتواصلون معهم، والناس من النوع الأول يعانون من الوحدة والعزلة أو الانقطاع فيشقون، والناس من النوع الثاني بالاتصال والتواصل يسعدون.
 
لقد تبينت هذه الحقيقة الكبرى من دراسة اجتماعية امتدت لثمانين سنة متواصلة (1938 – 2017) أجرتها جامعة هارفارد على 262 شخصاً تم أضافة إليهم (456) آخرين من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، ثم آلاف من خلفهم بعد ذلك.
 
وقد درست هذه التجربة كل التفاصيل المتعلقة بحياة هؤلاء الناس: زوجاتهم وأولادهم واحفادهم وأعمالهم ودخلهم ونسبة ذكاء كل منهم، ودمهم وحتى حواجبهم...
 
كان هدف الدراسة معرفة الإجابة على هذا السؤال: لماذا ينجح أو يزدهر بعض الناس في الحياة والعمل ويفشل آخرون؟ ومع انه كان للدراسة حدود في البداية باقتصارها على أمريكيين بيض، إلا انه تم توسيعها فيما بعد. لقد كانت اطول دراسة بالتاريخ وفي علمي النفس والاجتماع. كما أيدت نتائجها دراسة عالمية للندم (World Reget Survey) خاطبت أكثر من ستة عشر ألف رجل وامرأة في مئة وخمس دول، عنه.
 
كانت تلك الدراسة الطولية جادة ومضيئة وربما عالمية كما لخصتها مجلة هارفاد Harverd Gazette سنة 2017 بمناسبة انتهاء الدراسة كالآتي:
 
» ما يجعل الناس سعداء ليس الفلوس أو الشهرة، بل علاقاتهم وروابطهم الاجتماعية الحميمة مع بعضهم البعض. إنها تجعلهم سعداء في حياتهم، وتجنبهم الإستياء والسخط. كما أنها تؤخر التأكل العقلي والجسمي عندهم. إنها تنبئ عن حياة أفضل وأسعد اكثر مما تنبئ عنه الطبقة الاجتماعية، او المال، او الشهرة، او نسبة الذكاء وحتى الجينات».
 
كما كشفت الدراسة عن التأثير الإيجابي للعلاقات الدافئة بين الأطفال ووالديهم، وانهم ينجحون ويكسبون في الحياة أكثر بكثير من الأطفال الذين كانت علاقتهم مع الوالدين سيئة. كما بينت أن أصحاب الزواج القوي أقلّ معاناة جسمية وعاطفية من أصحاب الزواج الضعيف. وبينت أيضاً أن الصداقات متنبئ قوي وأكثر دقة لشيخوخة صحية وراضية وعمر أطول، وان الدعم الاجتماعي والترابط الاجتماعي يساعدان على الوقاية من المرض والكآبة. أما الوحدة او العزلة وانقطاع الصلات الاجتماعية الدافئة فهي مميتة أو حتى قاتلة في بعض الأحيان وبخاصة في هذه الأيا? التي تزيد وسائل التواصل الاجتماعي (بالإسم فقط) والعمل عن بعد، والتعليم عن بعد والتوصيل للبيت (طلبات) من شقاء الناس بالوحدة والعزلة وانقطاع الصلات لخلوها من الحميمية والدفء.
 
في سنة 2017، وبمناسبة انتهاء الدراسة وصف روبرت ولدجنر المشرف على الدارسة في تلك المرحلة لصحفي خلاصة هذه الدراسة فقال له: «العناية بجسمك مهمة، ولكن اهتمامك بالعلاقات والروابط الاجتماعية شكل من العناية بنفسك وهو الأهم».
 
اما الاستاذ والطبيب النفسي في هارفارد جورج فيلنت الذي أشرف على الدراسة لمدة ثلاثين سنة فقد جاء في وثيقة عنه لم تنشر: » لقد تبين لي بعد ثمانية عقود ومئات الناس المدروسين، وآلاف المقابلات، وملايين البيانات والمعلومات ان السعادة هي الحب، ولكن ليس بالمعنى الرومانسي فقط. وإنما بمعناه الواسع أي المحبة التي لا يوجد لها مقابل بالإنجليزية ويعني الالتصاق والتكريس الشامل للآباء والامهات، والاطفال والاحفاد، والاصدقاء والزملاء والناس جميعاً نحو بعضهم البعض».
 
ولما كان الأمر كذلك فبادر إلى إقامة أفضل الصلات والروابط أو استعد المقطوعة منها. لا تكن مثل الذي يخشى طرح الأسئلة في نهاية المحاضرة لاعتقاده أنه قد يقال عنه إنه غبي، لأن غيره لم يسألوا لأنهم فهموا المحاضرة بينما هو لم يفهمها، وأعني هنا أن رد الأصدقاء أو الزملاء المقطوعة الصلة معهم منذ مدة دون سبب قاطع يذكر أيدولوجي/ سياسي، أو جزائي أو حقاني سيكون مفرحاً لهم، وليس رفضاً كما تظن.
 
حدثني صديق أنه لما سكن في بيته الجديد في شارع في ضاحية أم السماق، وبمناسبة العيد زار الجار الأول وعَّيده، ثم أخذه معه لزيارة الجار الثاني، ثم ذهب الثلاثة لزيارة الجار الرابع وهكذا إلى أن غطت الزيارة جميع الأسر المقيمة في الشارع التي لم تكن تعرف بعضها بعضاً طيلة الوقت. صار الجميع جيراناً وأصدقاء بعد أن كانوا غرباء. ولم يشعر أحد بعد ذلك بالغربة عن الآخر. لأنهم صاروا معروفين لبعضهم البعض، فكيف تسكن في شقة – مثلاً–ولا تعرف جارك في الشقة المجاورة وبالعمارة كلها؟ إن الانسان مدني أي اجتماعي بالطبع، فلماذا تلغي هذ? الطبيعة ولا تعيش بحبوحتها؟.