عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jun-2025

الذي تجلبه الريح، ستذروه العواصف..! (2-2)*علاء الدين أبو زينة

 الغد

بينما كنتُ أبحث من أجل توثيق بعض المعلومات لهذا المقال، قادني البحث حول «شعار فتح» إلى مقال منشور بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 2022، في جريدة إلكترونية اسمها «حديث العالم». عنوان المقال هو: «مدلولات شعار ’الانطلاقة الـ58 لحركة فتح، ديمومة الثورة لإقامة الدولة‘«. ويتحدث المقال عن شعار أيضا: ليس الشعار إياه وإنما شعار المناسبة. في ما يلي اقتباس من المقال، (قص لصق، إذا كانت هناك أخطاء):
 
 
«لأنها حركة التحرير الوطني الفلسطيني ولأنها مفجرة الثورة الفلسطينية في عيلبون والكرامة والانتفاضة والقرار الفلسطيني المستقل حتى الدولة الفلسطينية. هذه فتح التي رسمت رموز شعار انطلاقتها الـ58، شعار حاز على رضا وإعجاب كل من شاهده وتعمق فيه». (...)
 
«ومن هنا انطلقتُ في كتابة مقالي هذا، استندَ تصميم الشعار على 8 بنود رئيسية وهي: الدولة الفلسطينية المستقلة والسيادة فوق فلسطين التاريخية، فوق الأرض الفلسطينية. وظهرت هنا خريطة فلسطين واضحة من رأس الناقورة شمالاً حتى رفح جنوبا. وبهذا ارتبط تصميم الشعار بقضية اللاجئين التي تشكل جوهر القضية الفلسطينية ولأن حق العودة ليس بدعة أو تسولا، وإنما هو أساس من أساسيات مبادئ حركة فتح ولا تزال تتمسك به في كل خطاباتها ويتم تأكيده في كل خطابات الأخ الرئيس محمود عباس «أبومازن» والقيادة الفلسطينية». (انتهى الاقتباس)
بحثت عن رسم الشعار المقصود ووجدته، وكان كما يلي: العنصر الرئيسي خريطة فلسطين التاريخية تبدأ من الأعلى وتتلاشى في الأسفل، تستند إلى حدها الشرقي المستقيم فوهة بندقية «كلاشينكوف»، يحتضنها رقم 8 بألوان العلم والكوفية، حيث رقم 5 باللون الأحمر في العلَم. في منتصف الشَّمال في خريطة فلسطين التاريخية، ثمة رسم صغير لشعار «فتح» الأصلي؛ (بزوج البنادق، و»العاصفة» الملتهبة، والرمانة، وخريطة فلسطين التاريخية). وفي حضن الدائرة السفلية من رقم 8 تجلس قبة الصخرة، وإلى يسارها حمامة سلام بيضاء صغيرة بغصن في الفم.
ثمة «الثوابت» موجودة حقا في الشعار: خريطة فلسطين التاريخية، والـ»كلاشينكوف» -بل شعار «فتح» الأصلي نفسه –مُصغَّرا- في أعلى شعار المناسبة. وفي الحقيقة، لم أفهم الخلطة. أين هي هذه العناصر في خطابات «السلطة» –باستثناء الحمامة وغصن الزيتون؟ حسب الكاتب، أصبحت خريطة فلسطين التاريخية تعني فقط «حق العودة» بدلًا من إزالة الاستعمار من فلسطين التاريخية. وفي خطاب السلطة، لا يبدو حتى حق العودة مطروحا عندما يصرح المتحدث باسم الفلسطينيين في مقابلة: «زرت صفد مرة من قبل. أريد أن أراها. من حقي أن أراها، لكن ليس أن أعيش فيها.. فلسطين بالنسبة لي الآن هي حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها. هذه هي فلسطين بالنسبة لي. أنا لاجئ، لكنني أعيش في رام الله. أعتقد أن الضفة الغربية وغزة هما فلسطين، والأجزاء الأخرى هي إسرائيل».
لو كنتُ سأصمم الشعار، (عملتُ فترة في التصميم الغرافيكي) لرسمت خريطة الضفة الغربية وغزة -وربما الأدقّ مئات النقط المتناثرة التي عزلتها المستوطنات والطرق الالتفافية (مع حذف القدس الغربية، ومواقع العشرين مستوطنة جديدة التي أعلن الكيان عن بنائها في الضفة قبل يومين)، ولوضعتها في حضن حمامة سلام كبيرة، واستبدلتُ البندقية بغصن زيتون كبير يحتضن الرقم 58. ربما لا يحسُن أن أستخدم البندقية، لأنها تجلب –مع استخداماتها في الضفة- إيحاءات غير محبذة للفلسطينيين، خاصة الذين يرغبون الاحتجاج على شيء، أو يطالبون باستخدام البنادق لأي شيء غير استهدافهم.
بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، كما أخمّن، ليس «شعار فتح» رمزًا يخصّ فصيلًا. إنه رمز لحركة التحرُّر الفلسطيني كلّها: أولًا لأنه أعلن عن بدء حركة منظمة لتحرير فلسطين؛ وثانيًا، لأنه لخّص كل العناصر التأسيسية لطبيعة الكفاح الفلسطيني وأهدافه وأدواته. ولذلك، مهما كان التنكُّر لهذه العناصر وإسقاطها في الممارسة، فإن الشعار يحتفظ بجلالته المركزية في الوعي الفلسطيني. وإذا كان يُستدعى في أي وقت، فللتذكير بالثوابت والمنطلقات التي لم يُفض الانحياز عنها إلى شيء سوى سخط المطالبات الفلسطينية العادلة، من إنهاء الاستعمار الإبادي غير التصالحي بطبيعته في وطنه التاريخي، إلى شكل ممسوخ من «الحل العادل والدائم» الذي يُخرج ثلاثة أرباع الأرض وأهلها من الفلسطينية، مرة وإلى الأبد.
ملاحظات أخيرة: يصف مؤيدو تطبيع الاستعمار الوحشي لثلاثة أرباع فلسطين التاريخية، الذين يصفون أنفسهم بأنصار «السياسة الواقعية»، مواطنيهم وغيرهم من المطالبين بنزع الاستعمار في فلسطين التاريخية، بأنهم «أصحاب الشعارات الديماغوجيون». والديماغوجي يخاطب عواطف الناس لا عقولهم. وكأن عواطف الفلسطينيين وأنصارهم غير مهمة! وكأن عقول الفلسطينيين تستوعب التخلي عن حقهم في الوطن الذي ورثوه كابرًا عن كابر!
وثمة شيء، لا أعرف إذا كان يدل على شيء: استخرجتُ صورة شعار «فتح» من الإنترنت لوصفه. كنتُ قد رسمت الشعار ربما آلاف، بل عشرات آلاف المرات، بدقة طباعية، منذ دفاتر الأول الابتدائي. وربما كانت آخر المرات على حواشي الكتب في الحصص المملة في الثالث الثانوي أواخر السبعينيات. ربما أتذكر تفاصيله من دون استخراج صورته، لكنني ربما لم أرد أن أختبر ذاكرتي واستسهلتُ استخراجه من الحاسوب.
ربما هربتُ من مغامرة استكشاف الهوة بين الصورة في ذهني كواحد من جيلي –الحافِظ الفاهم- في تلك الحقبة، وكواحد من جيلي الآن، المستهدف بالتشكيك في وجاهة ما حفظ وفِهم. ربما لم أرد المغامرة باكتشاف أنني ربما نسيت شكل ومضامين الشعار الذي يرمز لتحرير فلسطين، حيث لا ينبغي النسيان. أصحاب «السياسة الواقعية» يناضلون لصالح طيّ الرموز «القديمة»، (ربما حتى رمز قبة الصخرة)، وعدم رؤيتها حتى بينما هي «مختفية» في العلن كل الوقت (مثل شعار فتح الذي ما يزال مستخدما ومطبوعا على الأعلام الصفراء)، باعتبار ذلك من لزوم ما لا يلزم.
المهم. آمل أنني لم أبتعد كثيرا عن فكرة المقال الأصلية التي تحيط بكل شيء عندما يتعلق الأمر بحرية فلسطين الحتمية: الذي تجلبه الريح، ستذروه العواصف.