إسرائیل ھیوم

في خطابھ السنوي في الجمعیة العمومیة للامم المتحدة، حذر ابو مازن بان ضم اسرائیل لغور الاردن سیرد الفلسطینیون علیھ بالغاء كل الاتفاقات معھا (دون ان یشرح ما ھو المعنى العملي لھذه الخطوة، مثلا، على مجرد وجود ”السلطة الفلسطینیة“). كما حذر رئیس السلطة الفلسطینیة بان استمرار المراوحة في المكان في الجھود لصنع السلام على اساس دولتین في خطوط 1967 سیفاقم الیأس في الجمھور الفلسطیني ویزید الاستعداد لتأیید حل الدولة الواحدة. لقد رفض ابو مازن خطة السلام الامیركیة او المفاوضات بوساطة واشنطن، ھاجم خطوات اسرائیل والولایات المتحدة ووعد بان یواصل ابناء شعبھ الكفاح بكل الوسائل وعلى رأسھا ”الكفاح الشعبي“ ضد الاحتلال.

ومع ذلك، عاد ابو مازن ودعا الى عقد مؤتمر دولي للسلام وأعلن عن التزامھ المطلق بمكافحة الارھاب. في محاولة لتحدي حماس ومواجھة الانتقاد على غیاب الدیمقراطیة في السلطة الفلسطینیة، وعد بالمبادرة الى انتخابات في الضفة، غزة وفي القدس. اما احتمالات ھذه المبادرة فطفیفة.

ان أقوال عباس، التي كانت أقل حدة مقارنة بخطاباتھ السابقة في الامم المتحدة، عكست قلقا من انعدام الجدوى من سیاستھ ومن دحر الموضوع الفلسطیني الى ھوامش جدول اعمال الساحة الدولیة، الاقلیمیة والاسرائیلیة. ومع ذلك، یتضح من اقوالھ بانھ لا یعتزم المرونة في مواقفھ المبدئیة من الصراع.

تعبیر بارز على ذلك اعطاه ابو مازن في الالتزام الحماسي بمواصلة دفع الرواتب لعائلات الشھداء والاسرى الفلسطینیین، رغم ان اسرائیل تقتطع ھذه المبالغ من اموال الضرائب التي تجبیھا وتحولھا الى السلطة الفلسطینیة. لا جدید في ھذا التصریح، ولكن تكراره في محفل دولي رفیع المستوى یشیر الى تصمیم رئیس السلطة والتزامھ بتوقعات الشارع الفلسطیني، مثلما یراھا ویصممھا ھو.

عملیا، رغم اقتطاع في تحویل الاموال والقرار الفلسطیني بالامتناع عن قبول جزء آخر من الاموال التي تستعد اسرائیل لتحویلھا، تواصل السلطة تحویل الرواتب الى المخربین كالمعتاد. حسب التقریر التنفیذي لمیزانیة السلطة للعام 2019) المیزانیة نفسھا لم تنشر، عقب وضع الطوارئ والمشاكل القانونیة مع اسرائیل)، فقد دفعت السلطة للسجناء في اسرائیل حتى نھایة تموز 2019، مبلغ 276 ملیون شیكل كمخصصات (أي رواتب) و 75 ملیون شیكل آخر كمشاركة اجتماعیة (ضمنیا، دفعات لقاء نفقات ابناء العائلة، الكانتینا، تغطیة التأمین الصحي والنفقات القانونیة. بكلمات اخرى، كل ما لیس راتبا مباشرا). واجمالي نفقات وزارة شؤون الاسرى بلغ 364 ملیون شیكل.

تبین ھذه المبالغ ان الدفعات للمھاجمین بقیت مشابھة في حجمھا للدفعات التي تم تحویلھا في السنة السابقة. والمعنى ھو انھ رغم الضغوط المتزایدة، یتمسك الفلسطینیون بمواقفھم. ومن ھنا فان احتمال ان تصبح السلطة بقیادة ابو مازن في الزمن المنظور للعیان شریكا للسلام، یبقى متدنیا جدا.

*عمید احتیاط باحث كبیر في المركز المقدسي للشؤون العامة والسیاسیة

ورئیس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات سابقا