عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-May-2019

”عندما یعید الجنوب اختراع العالم“.. إصدار جدید عن مؤسسة

 

عمان – الغد – یستكمل الباحث الفرنسي برتران بادي في كتابھ ”عندما یعید الجنوب اختراع
ّ ى ترجمتھ إلى العربیة الدكتور جان جبور، ّ العالم“ الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، وتولّ ِ في تفكیك النظام الدولي الحالي ونقده، بدءا من كتابھ الشھیر زمن المشروع الذي بدأه سابقاًّ ت مؤسسة الفكر
المذلولین (2014 ( َ وحتى الكتاب الأخیر لم ن ُعد وحدنا في العالم (2016 ،(وتولّ  العربي ترجمتھ أیضا، والذي أشار فیھ إلى أن القوى القدیمة عاشت لفترة طویلة في وھم ھو أشبھّ ھا تقود العالم وتختصره بمفردھا، وأن العلوم السیاسیة بمنحاھا الرسمي كانت في الواقع بالھوس، بأنّ ّ إسقاطا لھذا التاریخ الأوحد لغرب یمتد ّ على مر القرون.
ّ ھ یسعى ھذه المرة للنظر یحاول المؤلّف في كتابھ الجدید ھذا، الإبقاء على تماسك ھذه الفرضیة، لكنّ  إلى العالم بمنظار الجنوب، وإخراجھ من التھمیش الذي یدفع إلیھ، من خلال تسمیات تُلصق بھ مثل َ ”العالم الثالث“، ”المناطق الط َر ّ فیة“، وغیره. إن ّ فكرة ھامشیة الجنوب لم تعد تتوافق البتّة مع الواقع ّ الدولي المعاصر، وحین نبذل بعض الجھد للنفاذ إلى داخلیة الفاعلین في ھذا الجزء من العالم، لا بد
ّ لات التي یتم تجاھلھا، بل إنّھا لا تخطر في بال ّ من أن تتكشف لنا مجموعة من الأفكار والتمثّ  أن  الفاعلین السیاسیین في الشمال، ولا في بال بارونات العلوم السیاسیة المھیمنة. وندرك أخیراً ٍ الجنوب یمتلك بالفعل القدرة على إعادة تشكیل المشھد الدولي بشكل یجعل من الأنماط التي یعتاش ّ علیھا أسیاد الشمال، نماذج قد تخطاھا الزمن.
ّ ق بھویة ”الجنوب“، ھذه التسمیة ِ یسعى الكتاب في الواقع للإجابة عن ثلاث مسائل: أولاً ما یتعلّ  الجغرافیة التي تبدو م ّ لتبسة ما أن نطبقھا على تعقیدات العلاقات الدولیة. فقد كان ھناك زمن ساد فیھ الانقسام العمودي بین ”الشمال“ و“الجنوب“، عندما واجھ نظام وستفالیا القدیم ”بقیة العالم“، ذاك
الجزء الذي بقي خارج النظام الدولي التأسیسي الذي اختار أن یضعھ عمدا في مرتبة أدنى، إما من
خلال استعماره، أو من خلال وضعھ تحت أشكال من الوصایة المعقّدة.
المسألة الثانیة تتعلق بطبیعة ھذا المسار، بھذا الدخول البطيء إلى العالم، والذي نتناسى أنھ كان ُ إلى الیوم. فشل إنھاء الاستعمار الذي كان في مصدراً لعملیات فشل متتالیة ما نزال ندفع ثمنھا غالیاً ّ كثیر من الأحیان دراماتیكیا، وما یزال عنفھ یؤرق الذاكرة، فنراه یستیقظ عند أي ُ مفترق. فشل بناء ّ نجز تحت ضغط الاستعجال، من خلال التقلید المتسر ِ ع للنماذج الموروثة عن المستعمر ُالدول حین أ ُ السابق. فشل القادة، أصحاب الشخصیة الضعیفة أحیاناً، أو على العكس من ذلك، المنقادین لأبشع ّ أنواع الاستبداد، إلا ّ أن حصیلة تجربتھم لم تكن إلا نادراً عمل بناة دول حقیقیین. فشل في إدماج ھذه  ي عن أي ّ شيء أو المشاركة في أي شيء الدول الجدیدة في نظام دولي قدیم لم یكن یرغب في التخلّ ُطلق علیھا اسم ”التعایش   حین دخل إلیھ الوافدون الجدد. فشل في توسیع فكرة السلام، والتي أ ف ملایین القتلى من جھة أخرى، في أعماق جنوب ٍ قام باختراع أشكال السلمي“ من جھة، لتُخلِّ جدیدة من الصراعات.
المسألة الثالثة تتعلّق بالنتائج، إذ عقب إنھاء الاستعمار، أدخلت العولمة في غضون بضع سنوات
ثلثي البشریة في لعبة دولیة كانت قد استُبعدت عنھا حتى ھذا التاریخ، مع ثقافاتھا التي تعود لآلاف
ّ السنین، ومشكلاتھا الخاص ّ ة بھا، وذاكرتھا المشحونة بعملیات الإذلال المتكررة. كیف یمكننا أن
ّ نتصو ّ ر أن ّ ھذا الاقتحام لا یعدو كونھ مجر ّ د حدث ھامشي؟ ھل یمكن أن نستمر ّ كما لو أن شیئاً لم یحدث، فنستحضر دوریاً مؤتمر فیینا الذي أبرز بشكل صارخ عام 1815 الصعود الذي لا یقاوم  للقوى القدیمة؟ إن ھذا الأمر قد یدغدغ كثیرین في أوروبا أو أمیركا الشمالیة. ومع ذلك، من ّ الواضح أن ّ الوصفات القدیمة لم تعد صالحة، وأن ّ ما من أحد یربح الحروب الیوم، وأن ھذه الأخیرة ّ تنحو لأن تدوم إلى ما لا نھایة. من الجلي أیضاً أن المفاھیم القدیمة لم تعد تتمتّع بالأھمیة التي كانت ّ لھا في ما مضى. فالسیادة، والأم ّ ة، والقو ّ ة، والأرض لم تعد تمتلك المتانة والوضوح اللذین تمیزت ھ أصبح قویاً، على غرار العدید من . إن ّ ضعیف الأمس ینتمي إلى الأمس الغابر: إما لأنّ بھما سابقاً  الدول الناھضة، أو لأن ضعفھ یوفّر لھ الآن موارد ھائلة.
ّ ھ لا بد ّ من السعي الجاد لبلورة نظام عالمي حقیقي، إذ لم یعد من الممكن الیوم یخلص الكاتب إلى أنّ تصو ِ ر ع ُ لم یعنى بالشؤون الدولیة من دون بذل ھذا الجھد المتواصل والدؤوب لإعادة بناء ّ خصوصیة كل الفاعلین، مع إعطاء الأولویة لأولئك الذین ینتمون إلى تاریخ آخر. في مواجھة العالم ّ كما ھو علیھ الیوم، عالم متنوع ومتفاعل، حان الوقت لإفراد مكان لـ“الدخیل“، ذاك الآتي من ”الجنوب“، من المناطق الطرفیة، من خارج المجال المعترف بھ رسمیاً، من ھذه الأماكن التي لم ّ یتسن ّ لھا ”دخول التاریخ“. لقد حان الوقت لاستخدام أسالیب السوسیولوجیا التفھمیة لكي نتعرف إلى رؤى وخطط أولئك الذین كانوا یتشاركون الرغبة في دخول نظام لم یكونوا ینتمون إلیھ.