عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Nov-2023

"موسم الظل".. حكايات أفريقية مؤثرة من "المولونغو"

 الغد- عزيزة علي

 ضمن "إبداعات عالمية"، التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت؛ صدرت رواية "موسم الظل"، وهي من الأدب الأفريقي للكاتبة الكاميرونية ليونورا ميانو.
 
 
قام بترجمة هذه الرواية سعيد بوكرامي، وراجتعها وحررتها الدكتورة أماني أيوب.
 
في تقديم للرواية يرى المترجم، أن هناك الكثير من الأدب الأفريقي ما يزال مجهولا للقارئ العربي، وللمهتمين والمختصين بالأدب الأفريقي من النقاد والباحثين. فالأدب الأفريقي المكتوب باللغة الفرنسية يضم كنوزا من الإبداع السحري والفاتن والعميق، حيث يمد جذوره في الأدبيات الشفوية المستمدة من لغات غنية ومتعددة.
ويضيف، يمتلك الأدب الأفريقي فروعا عالية القيمة من التجارب العالمية في الأدب الجمالي والإنساني، التي تناقش قضايا العبودية والحرية والاستبداد والصراع مع الرجل الأبيض والطبيعة والفقر والهجرة وغيرها. ولقد منحنا هذا الأدب العميق على مدى عقود عدة، أسماء عالمية وازنة في عالم الأدب؛ من بين هذه الأسماء الأدبية النسوية المتميزة الروائية الكاميرونية ليونورا ميانو، التي ولدت في "دوالا العام 1973"، في دولة الكاميرون، وقد حصلت ميانو على جائزة "فيمينا"، الأدبية عن رواية "موسم الظل"، وهي جائزة أدبية فرنسية مرموقة تمنح للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية.
تتحدث الرواية، عن حكاية مؤثرة في منطقة أفريقية تدعى "المولونغو"، حيث النهار يوشك أن يطرد الليل، والنسوة يقض مضاجعهن الخوف والحذر، لأنهن يعلمن أن هناك تهديدا حقيقيا من مجهولي هوية قريبين في الأنحاء المجاورة. لسن متأكدات تماما، لكن الفاجعة الكبيرة ستهب على القرية مقتلعة طمأنينتها إلى الأبد.. ستندلع النيران بفعل فاعل، فيضطر السكان إلى الهرب خارج القرية، لكن الصباح التالي، لن يكون أبدا مثل الصباحات السابقة. ومن هنا ستبدأ الحبكة النفسية بعد عودة السكان إلى قريتهم وبعد مغادرة الذين تسببوا في اندلاع الحريق، سيكتشفون اختفاء "عشرة فتيان وحكيمين عجوزين".
الرواية لا تحدد زمنا محددا ولا وطنا أفريقيا بعينه. وتدور الأحداث في أفريقيا جنوب الصحراء، في مكان ما، حيث اختفى الأبناء الاثنا عشر فجأة، والأمهات مفجوعات ينتحبن معزولات بعيدا عن القبيلة لدرء الشر والأحزان، حتى لا ينتشر وباؤها ويعم باقي أراضي قبيلة آل المولونغو.
فالكارثة هي أين المختطفون؟ ما نوع المسؤولية التي تتحملها الأمهات؟ هل يجب البدء في البحث عن المفقودين وكيف؟ هل ينبغي القبول بفقدان نهائي من دون جنازات؟ رجال قبائل المولونغو لا يريدون القتال بل هم مسالمون بطبعهم، لأن ثقافتهم تحترم الحياة. ومع ذلك، فالشر موجود ويجب مجابهته. وشيئا فشيئا ومن خلال المبعوثين لاستكشاف وتفسير لغز اختفاء الأبناء، يعلم قائد القبيلة النسوة وهن "إيابي وإيبيزي"، أن جيرانهم آل البويلي المسلحون والحاقدون هم المسؤولون عن اختفاء أبنائهم الذين قيدوهم بالسلاسل واقتادوهم إلى الساحل لبيعهم لرجال يلقبون بـ"أقدم الدجاج"، وهؤلاء الأجانب قدموا من الشمال ليتاجروا بالسود.
الرواية تعد ملحمية وحزينة، حيث تستعرض الروائية ليونورا ميانو تاريخا مؤلما من العبودية، ولأول مرة تكشف الروائية تواطؤ بعض القبائل الأفريقية في تجارة الرقيق بدافع الجشع، مما يطرح سؤالا، هل كتبت ميانو رواية تاريخية حول تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي؟ ليست المعالم واضحة، فالحكاية تروي التاريخي والإنساني، جنبا إلى جنب، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
كتبت الرواية بنثر جميل وغامض، وتجمع ما بين التاريخي والمتخيل، الحسي والروحي. حيث تراودها فكرة أساسية تبثها من خلال هذه الرواية، وهي ضرورة الالتزام والإيمان للبقاء على قيد الحياة. والرواية مهداة إلى "المقيمين في الظل الذين يتدثرون بكفن المحيط الأطلسي".
ومن المنظور السردي، فقد اختارت الروائية ميانو. الحديث في روايتها عن "العبودية التي تمثل ذاكرة جريحة للأفارقة المغلوب على أمرهم وذاكرة عار للمجتمعات الأوروبية التي فرضت قرونا من الاستعمار والاستغلال موظفة قبائل أفريقيا محاربة ومتسلطة ومتآمرة. يتجسد هذا التاريخ المؤلم في حدث اختطاف الأبناء وبيعهم عبيدا ومكوث الأمهات سجينات وجع الفراق.
كما أن الروائية تحاول أن تسترد أصوات أمهات صرخن آلام الفقدان، وبالتالي صوت أفريقيا المفجوعة بالغزو الداهم للاستعمار. ومن خلال الأحداث المتسارعة تسلط الكاتبة الضوء على مجموعة من القبائل عامة وقبيلة المولونغو خاصة، وهي مجموعة صغيرة مسالمة منطوية على نفسها. أجبر أجدادها على الفرار من وطنهم هربا من موت محقق. ثم هناك قبيلة البويلي الشرسة التي أصبحت تحترف صيد البشر لبيعهم للأجانب على السواحل.
بشكل عام، الرواية تتحدث عن مجموعة بشرية تمكنت من الاتجار بمجموعة بشرية أخرى للاستفادة من ذلك. مما تسبب في معاناة واستعباد واجتثاث بشر من أراضيهم وثقافتهم وجذورهم. تقدم الرواية وجهة نظر عن جنوب الصحراء الكبرى، وعن هزائم الإنسانية، وانتصاراتها الهشة، وتتحدث عن الموت والحياة بعد الموت، بطريقة مجازية، تحاكي الأفارقة المستعبدين وأحفادهم المنتشرين في أنحاء العالم منذ خمسة مائة عام تقريبا. وهي حكاية الذين عاشوا في الظل والاستعباد.