الراي
لو كنت ناصحاً للرئيس بشر الخصاونة لحفزته على الابتعاد عن طاولة الخطط المستقبلية الملأى بالمفاجآت غير السارة على ما يبدو، ونبش تاريخ الحكومات الاثنتا عشرة السابقة وقراءة منهجيتها وخططها والاعتمادية التي بنت عليها كل حكومة تنفيذ مشروعها الحكومي، على فرض وجوده، وأين أخطأت وأين أصابت وكيفية التعامل مع تحدياتها والتعاطي مع طموح الشارع الذي يراقبها بعين نصف راضية وأدنى، ولماذا تورط البعض بهدر الفرص وتضخيم الدين وأين أسرفوا في بعثرة المشاريع غير المنتجة، ومن دعم القطاعات الاقتصادية وحفز الأسواق، ومن ضرب عصب الاقتصاد فقطع أوصاله، ومن نجح في مهمته بقدر مرضٍ، للاستفادة من تلمس موطئ القدم بعيدا عن الألغام.
على الرئيس الخصاونة أن يكون متفرداً إن استطاع، ولأن مهماته الثلاثة الأساسيات هي إنعاش الاقتصاد الذي دخل موجة الترنح، ومواجهة انتشار وباء كورونا والتخفيف من وطأة خطورته على الصحة العامة، والتعامل مع عملية الاقتراع لمجلس نواب جديد حسب الظرف، فإن بقية الملفات يجب ان تضطلع المؤسسات المسؤولة عنها بلا مركزية معيقة ممن يعرف ومن لا يعرف، فتسهيل الإجراءات والتعاون مع الجمهور بشكل أسرع وأكثر خلُقا وأرفع شأناً وأكثر احتراماً، سيعطي دافعا للناس كي يروا جديداً بعد البلادة التي تلبست المشهد القديم.
وعندما ندعو للقراءة بأثر رجعي للحكومات السابقة ورؤسائها فهي دعوة لنتعلم من أخطائها التي جرتنا الى براثن الغول والتغول وانحباس المنح والمساعدات والتفريط بثوابتنا التي كانت حصنا يضفي الاحترام على مسمانا الوطني، فما وجدناه من سابقين ليس سوى تلاعب بأسهُم الوطن خارج حدود الوطن، وتزاوج المصالح لصالح نواب مقابل السعي وراء نظرة رضى لمنح الثقة ممن لا يحترم لمن لا يستحق، وهذا آخر ما تفكر فيه الحكومة الواثقة من كينونتها وأهدافها.
هذه الحكومة هي الثالثة عشر في عهد الملك عبدالله الثاني عبر عشرين عاماً ونيف، وقد حاول الملك التكيف مع الكثير من المتقاطعات الوطنية التي يمكن استخلاص فكرة ناضجة عن نهج للحكومات الوطنية التي يتمتع أعضاؤها باتساع الآفق لأبعد من حدود صندوق النقد والبنك الدولي والإقتراض المتهور، حكومات يمكن للأحزاب أن تفرز نواباً حقيقيين في مجلس شفاف يغذي الحكومة بأعضاء ضمن طاولة الحكومة الواسع، ولكن شيئاً لم يحدث لأن الأكفياء هرموا على مقاعد الإنتظار، والمحترمين لاذوا بالصمت خجلا على أنفسهم.
لهذا لا يرى الجمهور اليوم أن الحكومة تختلف عن أي حكومة إلا إذا أعطت منتجاً جديداً، والاقتصاد هو الأهم رغم أن الوضع الصحي هو الذي يقوده، والحفاظ على ديمومة القطاعات وسلاسل الرواتب لموظفي القطاع الخاص هي روح المجتمع، وإلا فسيتحول الناس الى أشبه بزومبي رغم تشمير الأذرعة لمواجهة العصابات، فكل منا لديه تاريخ من خيبات الأمل في شخصيات راهنا عليها ولم تستطع تغيير شيء لأسباب معروفة وغير معروفة.
على د. الخصاونة أن يعاكس التيار، فهو الملمّ بتفاصيل البلد ومن فيه والمطلع على كواليس الأحلام واليقظة والكوابيس التي نخشى مواجهتها قريباً، خصوصاً من الغرب الذي لا يسرّ القلب.