الإجازة الزوجیة.. تکسر شعور ”الاعتیاد“ وتستعید ألق الحیاة
منى أبوحمور
عمان–الغد- یبدو أن شعور ”الاعتیاد“ بات یطغى على الكثیر من العلاقات الزوجیة.. یبدد المشاعر الجمیلة بأخرى مغلفة بالملل والضجر، وما یصاحب كل ذلك من فقدان الإحساس بالشغف.
ربما لا یرتبط ذلك بخلافات بین الزوجین، أو تقصیر طرف على حساب الآخر، إنما لنمطیة وتفاصیل یومیة لا تتغیر، فیشعر كل واحد منھما أنھ لا یعیش الحیاة كما توقعھا أو رسم لھا یوما.
دراسات عالمیة التفتت لھذا الجانب، ولعلاقات زوجیة أصبحت مع تقادم السنین أقل انسجاما وحبا؛ إذ حلت الخلافات على أصغر الأشیاء والتركیز على الجوانب السلبیة، مكان الانسجام والتفكیر بما ھو إیجابي ویجلب السعادة. لذلك، نصحت دراسات بضرورة اللجوء لـ“إجازة زوجیة“، بین فترة وأخرى، لما لھا من فوائد عدیدة وإعادة الشغف المفقود بین الشریكین، وتجدید الحیاة وكسر الروتین.
بدایة، لم یعجب الثلاثینة وفاء صالح أن یرافق زوجھا أصدقاءه في رحلة تخییم عشرة أیام خارج المنزل، لكنھا حینما فكرت جیدا وجدت أنھا بحاجة حقیقیة لھذه الأیام القلیلة لتحرر نفسھا وزوجھا من ضغوطات الحیاة والتفكیر في البیت والأولاد والمستلزمات غیر المنتھیة.
تقول ”كنا بحاجة لھذه الأیام لنعید علاقتنا إلى نصابھا الصحیح“، لافتة إلى أنھا أصبحت تفتقد مكالمات زوجھا الھاتفیة ورسائلھ الممیزة، الذي لم یكن قبل یتحاور معھا إلا لسؤالین؛ أین أنت؟ وماذا تریدین؟.
”كل رجل یبحث عن مساحة خاصة بھ لیأخذ إجازة من زوجتھ وأطفالھ.. ومن یقول غیر ذلك لیس صادقا“.. ھكذا كانت وجھة نظر أحمد سویلم لیس نفورا من أسرتھ وإنما حبا لھم، على حد تعبیره.
ویرى الثلاثیني سویلم أن الإجازة بین الزوجین مدة قصیرة لا تعني أبدا كرھھما لبعضھما أو ملل طرف من آخر، وإنما تساعد من وجھة نظره على إعادة الحیاة للعائلة من جدید.
ویقول سویلم ”ما إن یغیب عن البیت ساعات حتى یبدأ بالاشتیاق لزوجتھ وأبنائھ والتفكیر بما یفعلون، لیتأكد تماما أنھ لا یمكن لھ أن یعیش بدونھم، وأن الضغوطات التي یواجھھا والمشاكل والخلافات لا تساوي شیئا مقارنة بوجوده بینھم“.
خبراء في علم الاجتماع الأسري، لفتوا بدورھم لدراسة نشرت مؤخرا على أن الإجازة الزوجیة، تساعد الأزواج على إعادة اكتشاف شخصیة كل منھما للآخر، وتفجر في داخل كل منھما طاقات لم یكتشفاھا من قبل.
واشترط الخبراء ألا تطول مدة الإجازة على أسبوع؛ حتى لا تزید مشاعر الحریة لدى الزوجین، والتي یستحسنھا الإنسان بعیداً عن الالتزامات الیومیة، والواجبات التي لا تنتھي تجاه الآخر؛ فتضخم مشاعر الحریة المفاجئة ویصعب تقلصھا بعد ذلك.
والإجازة الزوجیة تخرج الإنسان من الأحادیث الیومیة المعروفة داخل الأسرة الواحدة، وتنقلھ إلى أخرى مختلفة، تجدد حیویتھ الذھنیة التي ھو في أشد الحاجة إلیھا، وھذا لا یكون إلا بإجازة
قصیرة یقضیھا كل منھما مع الأھل والأصدقاء. كما أنھا تحد من مظاھر السلوك السلبي؛ لاجتماع الزوجین دائماً في مكان واحد أوقاتاً طویلة؛ ھذا الأمر یولد مشاعر الملل والرغبة في الھروب منھ ومن الشریك.
ولم تكن تعتقد لیلى أنھا ستجدد الحب مع زوجھا بعد ستة عشرة عاما من الزواج لم تنم فیھا یوما
خارج المنزل، لافتة إلى دورة عمل ترشح لھا زوجھا، اضطر خلالھا إلى السفر شھرا إلى أوروبا، كانت ھي الأولى.
ورغم مشاعر الخوف التي انتابت لیلى بدایة سفر زوجھا والمسؤولیة التي تحملتھا، إلا أنھا لم تكن تعتقد أنھا ستعود لتلك الأیام التي تبقى فیھا متیقظة طوال اللیل منتظرة رنة الھاتف أو ربما
رسالة نصیة ممیزة منھ تسعدھا فور قراءتھا.
تقول ”كان أجمل شھر منذ أن تزوجت رغم البعد“، مضیفة أن الأمر لم یكن إیجابیا بالنسبة لھا فقط، وإنما أیضا لزوجھا الذي كان مشتاقا كثیرا لھا، فكانت تلك الإجازة تأكیدا للرابطة الزوجیة القویة التي تجمعھما والحب والمودة.
ویوافقھا الرأي الأربعیني مھند الخالدي، قائلا ”لو نجح كل زوج وزوجة في منح نفسیھما فرصة للتفكیر الھادئ بعیداً عن الضغوط فستكون حیاتھما الزوجیة أفضل، فلا یمكن كسر الروتین والملل، وتجاوز الأزمات والخلافات إلا بالإجازات الزوجیة لأنھا تجدد الحیاة“.
ومن جھتھ، یشیر أخصائي علم الاجتماع الأسري وخبیر العلاقات الزوجیة أحمد عبدالله، إلى حاجة الزوجین اللذین یعیشان حیاة فیھا شيء من الخلافات والضغوطات إلى إجازة، فھما یحتاجان للابتعاد عن بعضھما بعضا كي تتوقد من جدید العلاقة بینھما.
وتنبع المشكلات بین الأزواج، بحسب عبدالله، من حالة التعود الانفعالي، في حین لا ینصح بھذه الإجازة في حال كانت الحیاة بین الزوجین سلسة ولیس بینھما خلافات تعود ”للتعود الشعوري“ لأن في ھذه الحالة ستكون سلبیاتھا أكثر من حسناتھا.
ویقول ”إذا كانت الإجازة الزوجیة بلا سبب فھي سلبیة، لأنھا انقطاع لا داعي لھ عن الأسرة، أما إن كان ھناك ما یستدعي فھي إیجابیة لإعادة إنعاش العلاقة من جدید“.
ویضیف عبدالله ”لیس كل زوجین یحتاجان لكسر الروتین الذي لا یعد مرتبطا بممارسات یومیة بقدر ما ھو مرتبط بممارسات شعوریة تجاه بعضھما بعضا“. وأسالیب كسره متعددة بدون الحاجة للسفر كممارسة الھوایات، المھمات المشتركة، تبادل الأدوار المنزلیة، ممارسة الھوایات المختلفة بمكان واحد وغیرھا الكثیر.
ُ ویستدرك أن الإجازة الزوجیة إیجابیة إذا ما طبقت بطریقة صحیحة، على ألا تطول مدتھا، فھي تعني الانفراد بالنفس قلیلا من الوقت؛ لتجدید الحنین والشوق.
وبالجانب النفسي، تلفت اختصاصیة الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة مرام بني مصطفى، إلى أن الكثیر من الأزواج یعانون من فتور عاطفي في العلاقة مع الوقت سواء كانوا متزوجین عن حب أو بطریقة تقلیدیة، الأمر الناتج عن ظروف الحیاة الروتینیة ومع إنجاب الأطفال یزداد الأمر سوءا في بعض الأحیان.
وتبین بني مصطفى أن على كلا الزوجین أن یعملا معا لتجدید ھذه العلاقة وإنعاشھا من خلال تغییر برامج الحیاة التي اعتادا علیھا، سواء من خلال المشاركة بالألعاب الترفیھیة، ممارسة الریاضة سویا والذھاب إلى التسوق والسفر مع بعضھما بعضا إن أمكن ذلك.
وتؤكد بني مصطفى ضرورة دعم الزوجین كل منھما للآخر سواء كان ذلك في الكلام أو الإیماءات اللفظیة وترتیب حیاتھما بشكل یسمح لكل منھما بقضاء فترة استرخاء بعیدا عن الطرف الآخر، لتدعیم المشاعر والأحاسیس التي قد یتناساھا الطرفان في ظل الأعباء والمسؤولیات الكثیرة التي یتحملانھا. كذلك سعیا للتخلص من ظروف الاعتیاد على وجود الطرف الآخر وعدم القدرة على الابتعاد عنھ وإحساس الشریك بأھمیتھ في ھذه العلاقة الزوجیة المقدسة.