عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jan-2020

جرائم “الأصول الفروع”.. حين يتلاشى الأمان من مصدره

 

تغريد السعايدة
 
عمان–الغد-  في أيام معدودة، هزت جرائم متتالية حدثت مؤخرا، المجتمع الأردني، إذ راح ضحيتها شباب وأطفال لم تتسع الدنيا لأحلامهم البريئة، بل كانوا ضحايا لنوبات عنف وانتقام من أحد أفراد العائلة.
مؤخرا، شهدت الأردن جريمة قتل “بشعة” لأب يُقدم على “خنق” طفله البالغ من العمر 11 شهراً، ليرده إلى والدته جثة هامدة، والتي أثارت الرأي العام، وأعادت إلى الأذهان الكثير من القصص التي تفيض بالعنف الأسري الموجه للطفل، ودفعه لثمن خلاف أسري لا ذنب فيه.
وعبر مواقع التواصل الإجتماعي، تساءل العديدون عن “الجرم الذي ارتكبه هذا الطفل الذي لم يتجاوز السنة الواحدة من عمره، ليلقى ضربة مفضية إلى الموت، فيما سارع آخرون إلى مشاركة قصص مماثلة للعنف ضد الأطفال” حدثت في الأردن والدول العربية المحيطة، لإثارة الحديث مرة أخرى عن الحلول الناجعة التي يمكن أن تحد من هذا العنف المتواصل.
أول من أمس، أقدم أب على قتل ابنه البالغ من العمر (24 عاما) بعيار ناري في منطقة الصدر في محافظة مادبا، قبل أن يقوم الأب بتسليم نفسه والسلاح الناري للأمن، فيما وقعت حادثة قبل اسابيع قليلة لأب كذلك قتل ابنه الشاب، ومن ثم أقدم على الانتحار، لتبقى هذه الجرائم التي تخلخل المنظومة الأسرية حديث الشارع لأيام عديدة.
وتدافعت على مسامع الأردنيين مع بداية العام الجديد، قضية الطفل ذي السبع سنوات، الذي لقي حتفه كذلك نتيجة تعرضه للضرب من والده، وهو الذي يعيش معه بعد أن تنازلت والدته عن حضانته، نتيجة تفكك أسري، ليكون هذا من ضمن عشرات الضحايا من الأطفال والأبناء في قصص “تقشعر لها الأبدان”.
قصص كثيرة تزداد بشاعة وألما للأطفال الذين يبحثون عن الأمان في بيوت غير بيوتهم وبعيدا عن آباء قسوا عليهم كثيرا. القانون المُعدل لقانون العقوبات للعام 2019، ينص على تغليظ عقوبة الضرب المفضي إلى الموت الواقع على القاصرين أو فاقدي الأهلية إلى 15 عاما من 12 عاما في القانون السابق، غير أنه وبإسقاط الحق الشخصي، تخفض العقوبة إلى سبعة أعوام ونصف العام.
وينادي المجتمع والراي العام بضرورة أن يكون هناك تشديد للعقوبة وليس تخفيضها، كون العنف موجه لشخص غير مؤهل للدفاع عن نفسه ويضمن له المجتمع حقه في الحياة والحماية، والأهل في هذه الحالة قد يستغلون “هشاشة تلك القوانين لتفريغ غضبهم وسلبيتهم على الأبناء والأطفال تحديداً”.
الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة يؤكد أن الجريمة هي الجريمة سواء كان ضحيتها الأبناء أو ممن تربطهم صلة الدم، أو من خارج مؤسسة الأسرة، فالمجرم هو شخص لديه سوابق في العنف والتعامل السلبي مع المحيطين، تفاقمت حتى وصلت إلى القتل.
وفي ظل متغيرات إجتماعية إقتصادية نفسية متعددة، موجودة في كل المجتمعات، إلا أنه وفي الأردن تحديداً هنالك استهجان واضح لتلك الافعال، “كوننا مجتمع متماسك وفيه الكثير من الروابط الإنسانية”، لكن ساهمت المتغيرات في تلاشيها مع ضعف أواصر اللحمة المجتمعية، وفق مطارنة.
“طغت المادية على الأخلاق”، يقول مطارنة، إذ تظهر تلك الصفات على المجتمعات النائية، وذلك نتيجة تلك المتغيرات، والتي أصابت الأردن، وأثرت على القيم المادية وأصبحت الأمور تُقاس بالمردود النفعي والمادي بعيداً عن التعاطف والتراحم، الذي ازداد بزيادة عدد السكان والثقافات المختلفة، وما رافق ذلك أيضا من تغيرات ثقافية وسلوكية، بدت آثارها واضحة للعيان بالابتعاد عن التواصل والقطيعة والجفاف العاطفي والإنساني وبروز العصبية وعدم الانضباط الذاتي.
اختصاصية علم النفس والمختصة في شؤون الأطفال الدكتورة أسماء طوقان، ترى أن السبب في انتشار جرائم قتل الاطفال تحديداً أو الابناء على اختلاف اعمارهم تعود إلى عدة أسباب منها انتشار المخدرات التي تؤدي إلى عواقب وخيمة، عدا عن أسباب أخرى تكمن في غياب الوازع الديني والتهاون في اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق القاتل.
وتعتقد طوقان أنه من الأهمية بمكان عقد ورشات تأهيلية للمقبلين على الزواج والكشف عن الصحة النفسية لهم، مبينة أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ولم تتم تقديم المعالجة لهم، بل والإصرار على تزويجهم لاعتقاد الأهل ان الزواج يخفف من تلك الأعراض النفسية، إلا أنهم في هذه الحالة يساهمون في خلق أسرة غير مؤهلة لتربية الأبناء وحدوث جرائم كالتي نراها الآن.
كما ترى طوقان ان وجود جريمة قتل لأحد الابناء من قبل الاهل، ووجود أطفال آخرين في الاسرة، له عظيم الاثر السلبي عليهم، وأهمها “الشعور الدائم بعدم الامان والخوف والقلق النفسي والاكتئاب واضطرابات النوم والاكل، واضطراب ما بعد الصدمة، حيث يشعر الطفل ان حياته بخطر وتولد شعورا بالذنب وتأنيب الضمير والغضب لعجزه عن مساعدة أحد افراد أسرته الذي تعرض للأذى”.
وتتمنى طوقان من المجتمع أن يرعى هؤلاء الأطفال، مع ضرورة الاقتصاص وأخذ الحق للضحية، وإخبار الأطفال بذلك حتى يتعرفوا جيدا على حقوقهم، عدا عن ضرورة عرضهم على الطبيب أو المعالج النفسي.
ويتفق مطارنة مع طوقان في ضرورة أن يكون هناك وقفة للحد من هذه الانفعالية وضرورة التأهيل المجتمعي والأسري، لإيجاد رب أسرة قادر على إدارة دفة العائلة، ووضع إستراتيجيات تدعم العلاقات الأسرية من خلال مبادرات متعددة من الجهات الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، على الرغم من أن هذه الجرائم تعتبر على أي حال “نسبية قليلة بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى”.
الخبير الأمني في قضايا الجرائم الدكتور بشير الدعجة لا يخفي خلال حديثه لـ “الغد” عن التخوف من الحالة التي وصل إليها المجتمع من تعدد جرائم القتل ما بين الأصول والفروع أو العكس، والتي قد تعود لعدة أسباب أبرزها “غياب الوازع الديني لدى المجتمع من خلال عقوق الوالدين أو عقوق الابناء، والذي يجعل الإنسان متجردا من مشاعره وانسانيته التي تنعكس على سلوكه، فتصبح الجريمة لديه أمرا متاحا يفرغ من خلالها مشاعره ما بين الغضب والحقد والتذرع بأسباب واهنة”.
ويردف الدعجة بالقول إن الحالة الاقتصادية التي يقبع تحتها المجتمع والضغوطات المرافقة من فقر وبطالة وصعوبة في توفير متطلبات الحياة، حتى الاساسية منها، تؤدي إلى خلل في قدرة الإنسان على التكييف مع الظروف وغياب روابط المحبة والأخوة والأسرية، ليكون الإنسان غير قادر على التحكم في تصرفاته التي قد تؤدي في بعض الأوقات إلى وقوع “القتل” بقصد أو بدون قصد.
ولا يخفي الدعجة الآثار الخطيرة للتطور الهائل والمتسارع للثورة التكنولوجية والإعلام الرقمي والعولمة، والتي جميعها أدت إلى دخول عادات وسلوكيات وتقاليد بعيدة عن مجتمعنا المتماسك العائلي، والتي تظهر من خلال “نوعية الجرائم وطريقة حدوثها من قبل الآباء أو الابناء”، بعد أن كان المجتمع يتميز بعدم وجود “قتل ما بين الأصول والفروع”.
ويشدد الدعجة على أهمية أن يكون هناك إعادة نطر في القوانين الخاضعة لجرائم القتل ما بين الأصول والفروع، والتي قد تخفف فيها الكثير من الأحكام والعقوبات، إذ ان عدم وجود شكوى من قبل “والدة المقتول” على سبيل المثال ضد “الوالد القاتل” تكون العقوبة مخففة وحقا عاما يمكن أن يصل في النهاية إلى فترة محدود بحبسه، لذا من الأجدى أن يكون هناك عقوبات صارمة علها تكون رادعا للآخرين.
وتشير الارقام الإحصائية إلى أن جرائم “الأسرة” بلغت نسبتها خلال العام الفائت ما يقارب 26 % من مجموع الجرائم الواقعة في الأردن، 4 % منها تحت مسمى “جرائم الشرف”، كانت الدوافع الشخصية لأغلب تلك الجرائم بذريعة “الدوافع الشخصية” والتي بلغت نسبتها 54 %.