عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Nov-2022

“في ظل آب” ديوان جديد للشاعر سلطان الزغول

 الغد- ضمن إصدارات إربد عاصمة الثقافة العربية 2022، صدر عن وزارة الثقافة الأردنية الديوان الرابع للشاعر سلطان الزغول بعنوان “في ظل آب”، ويتابع فيه مشروعه الشعري الذي بدأه العام 2004 بديوان “في تشييع صديقي الموت”، وتلاه العام 2007 الديوان الثاني “ارتعاشات على جسد الخريف”، قبل أن يصدر ديوانه الثالث “حضن الأفول” العام 2019.

“في ظل آب” مجموعة شعرية تتضمن قصائد مختلفة على مستوى الصياغة والأفكار، ففيها تنويعات بين قصيدتي التفعيلة والنثر، وهو أسلوب سبق للشاعر اتباعه في مجموعته السابقة “حضن الأفول”، إلا أن اللافت فيها هو ما تضمنته من قصائد تتماهى مع أسطورة بعل وعناة الكنعانية، إلى جانب قصائد يمكن أن نطلق عليها تسمية القصائد الرعوية التي ترحل إلى الغابة والجبال لتعيد تشكيل مفرداتها وصورها، ناهيك عن البناء الدرامي الذي ينهجه الشاعر في نصه الشعري.
تبدأ المجموعة بنص بعنوان “غيث”، واللافت أن الشاعر يذيل العنوان بتاريخين متباعدين “شتاء 1995/ شتاء 2021″، وحين نقرأ النص نجد أنه يتضمن “هطولا أول” يوقعه في اللاذقية في كانون الأول (ديسمبر) العام 1995، وهطولا ثانيا يوقعه في إربد نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2.21، ولعل في ذلك إيماءة إلى علاقة خاصة مع المكانين. لكن اللافت في النص هو علاقة الأرض مع ماء المطر، وهي علاقة عشق خالدة تجلت في الشرق العربي، خاصة ذلك البعيد عن مجاري الأنهار مثل جنوب بلاد الشام.
هذه العلاقة الخاصة تتوضح وتنجلي أكثر حين نقرأ النص المطول الثاني في المجموعة، وهو بعنوان “ماء كنعان” الذي يعيد تشكيل أسطورة الغيث الكنعانية، كما يعيد تأصيلها انطلاقا من الأرض التي نبتت فيها جنوب بلاد الشام، في الأردن وفلسطين. ونقرأ في مطلعها:
“أي “عناة” التي تتمايل في تشرين/ يندلق شعرها فوق رؤوس الغابات/ يتمدد في السهول/ أوقدي نارك في انتظار كانون/ ليخرج “بعل” من غياهب “موت”/ وينفخ ريح الأمل في الأرض العطشى…”.
وإضافة إلى البناء الدرامي الذي يغلف هذه القصيدة الطويلة الغنية بمرجعياتها الأسطورية السماوية، فإنها تنغمس في الأرض التي نبتت فيها هذه المرجعيات، بفولها وقمحها وزيتونها ولوزها وتينها وعنبها، بأشجارها وينابيعها: “ها هو “بعل” يَشْرَقُ بشعركِ/ أيتها الأم “عناة”/ دعي شفتيه تطوقان سواد الغابات الكثيف/ لينفجر الأخضر يزهو بالثمر/ أي “عناة” الدالية/ أي “عناة” اللوزات/ أي “عناة” التفاح دون عقدة الخروج/ ها هي جنتك على درب الينبوع”.
بعد هاتين القصيدتين اللتين تقرآن في كتاب ماء السماء (الغيث-المطر)، نجد القصيدة التي يمكن نعتها بالنص الرعوي، وهي القصيدة التي اتخذ الشاعر الزغول عنوانها عنوانا لديوانه “في ظل آب”، ونقرأ منها: “في الطريق إلى منبت الضوء.. كنّا ندرّب أقدامنا.. كي نُسيحَ البريق السحيق على بتلات.. يدرّبها السّهل.. كي تستفزّ الهجير.. فيهدأ في ظلّها.. أو يسيل على وقع آب المُهلهلِ نحو الخريف القريب..”.
وغير بعيد عن أجواء هذه القصيدة، تأتي قصيدة “عريش آب” التي تتلوها، مع الاتكاء أكثر على الموسيقا الداخلية التي تميز قصيدة النثر، ونقرأ منها: “أيتها المرأة المتدلية من عريشي القديم/ أيتها العسلُ/ أيتها العنقود الشذيّ بعطر الزهور المنسكبة/ العصيّ على الانكسار/ الغنيّ بالتوجّس/ الوفيّ للدهشة/ الفتيّ أبدا/ يا عنقود الأمل/ خذيني من البرد لأدفأ في عريش آب..”.
من النصوص اللافتة في هذه المجموعة قصيدة “فاطمة” التي تنبني دراميا بخيوط متشابكة لتقرأ في كتاب الجبال، وتتماهى مع رحلة نيتشة الفلسفية في كتابه “هكذا تكلم زرادشت”، نقرأ في مفتتحها:
“حين يهزّ الغيم سماء آب/ تهرعين نحو مِسطَبة اللغو/ لتُعلّمي الكلمات فنّ التأمل في انشداه الغيم/ كصوفيّ تاه في الارتقاء/ وتعلّم أن يدور في سماء العرفان دون أن يصل/ غطّت عباءته الخشنة بياض نجمة الزهرة..”.
تسلط القصيدة، خلال بنائها خيوطا من الضوء، على بعض محطات تاريخ الأردن الحديث المفصلية؛ علاقات الناس شرق نهر الأردن وغربه قبل الاحتلال، التمرد على ظلم الولاة العثمانيين بدايات القرن العشرين، الوعي القومي والثورات العربية على الاستعمار ومقارنة هذه الحال بما وصلنا إليه من تردّ وتمزق في زمننا الحاضر، وذلك عبر إشارات ذات دلالة، من ذلك نقرأ فيها: “هل تذكرين سلطان الأطرش يا فاطمة حين حلّ في دارنا؟/ هل تعرفين أنهم صاروا يفرّقون دمه الزكيّ/ عن دم ابن حوران بحدّ السكين؟!/ صرخت امرأة من جبل العرب:/ الحق أقول لكم/ ما جمعته الجبال لا يفرّقه إنسان/ لكنّه إنسان من يحمل السّكين/ وغراب من يعفّر التراب/ لتحطّ الدماء في هوّة الخوف/ وتتنفّس الهجوع…”.
ويختم الشاعر سلطان الزغول هذه المجموعة بنص عنوانه “مقتطفات من كتاب السيرة”، يقدم فيه ومضات من تاريخه الشخصي المتقاطع مع أحداث كبرى هزت المنطقة العربية، كاكتساح بغداد بالقصف والتدمير مطلع تسعينيات القرن العشرين ومن ثم احتلالها مطلع القرن الجديد، ودخول دمشق فصلا من الهجير كما يقول في ختام هذه المقتطفات: “حين ارتعش على جسد الخريف في عمان العام 2002، مستشعرا عودة الدمستق، لا ليأسره سيف الدولة، بل ليلتهم بوش الابن بغداد نفسها، وتضيع الحكايات القديمة، والمحقق المهرج، حين ارتعش لم يجد من يقيل رعشته إلا موسم الزيتون القديم في وادي الرمان والعليق قرب نبع أم العبر. كانت أنوار الزيتون تخفف جروح العليق وأشواك الرمان، لكنّه لم يكن يدري أن دمشق، التي وقف مع أصدقائه يتابع سقوط بغداد من على شاشتها بعد شهور، ستسكن فصل الهجير الطويل..”.
يذكر أن سلطان الزغول شاعر وناقد أردني يحمل درجة الدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة اليرموك الأردنية، وقد أصدر عشر دراسات نقدية آخرها “خطاب التخييل الذاتي في الرواية العربية” الصادرة هذا العام عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمان.