عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jan-2020

واحـــة الأزرق .. معجزة الماء الخلاب في قلب الصحراء الشرقية

 

الزرقاء - الدستور- إبراهيم أبو زينة - سحرهم جمالها وأسرتهم طبيعتها، فغدت جاذبه لآلاف السياح المحليين والأجانب الذين يميلون لجمال الطبيعة، والبرك القديمة والماء الصافية والنباتات المائية وأسراب الطيور المهاجرة للمحمية طوعا.
وتعد محمية الأزرق الواحة الوحيدة الواقعة في قلب الصحراء الأردنية الشرقية في منطقه الأزرق التابعة لمحافظة الزرقاء وتبعد عن العاصمة عمان نحو 120 كم، واحدة من أكبر المحميات الطبيعية التي تشرف عليها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.
فقد أسست الجمعية الملكية لحماية الطبيعة محمية الأزرق المائية في العام 1978 وذلك لحماية الواحة القيّمة والفريدة المتواجدة في قلب الصحراء الشرقية، والواقعة بين الصحراء الكلسية في الغرب وصحراء البازلت في الشرق، خاصة وأن تلك الواحة تتميز بالمستنقعات الخضراء وتجمعات المياه الطبيعية التي تشكل البرك المتلألئة والجداول؛ ما أعطى الواحة اسمها وهو الأزرق، وهي الترجمة العربية لكلمة « اللون الأزرق» لتصبح منطقة الأزرق الواحة الوحيدة في إقليم الصحراء العربية ذات نظام التزود الطبيعي بالمياه؛ الأمر الذي ساعد على ديمومتها على مر السنين.
وتعتبر المنطقة المشار اليها منطقة رطبة وموقعاً غنياً بالتنوع الحيوي، يوفر مواطن طبيعية لعدد من الكائنات المائية والبرية، مثل سمك السرحاني، الذي يُعدّ الحيوان الفقاري الوحيد المتوطن في الأردن.
لتصبح محمية الأزرق التي تبلغ مساحتها 74 كيلو مترا مربعا جوهرة زرقاء لامعة في قلب الصحراء، تجتذب ما يقارب المليون طائر مهاجر في وقت واحد في إحدى مراحلها التي مرت عليها، حيث أنها تقع على واحد من أهم مسارات هجرة الطيور.
وتمتد المحمية على مساحة 12000 دونم و تقع ضمن الفئة الرابعة من محميات المواطن والأنواع حسب تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.
ليتم إعلان محمية الأزرق المائية كأول منطقة رطبة ذات أهمية عالمية على الطريق الأفريقي- الأوراسي في الأردن (منطقة رامسار) وذلك في العام 1977 وكسبت هذه الأهمية بسبب ندرة نظامها المائي ولوقوعها بين الصحراء الكلسية من الغرب والصحراء البازلتية من الشرق.
 ثروة حيوية ونباتية قل نظيرها.
تقع المحمية على ارتفاع 491 م عن سطح البحر وتتميز بأنها أراضٍ رطبة فريدة من نوعها حيث تستطيع فيها العديد من الكائنات الحية البقاء على قيد الحياة لفترة من الظروف غير المؤاتية كالتجمد، ويتراوح معدل هطول الأمطار السنوي في حوض الأزرق ما يعادل 350 ملم شمالا إلى أقل من 75 ملم جنوبا و من 180 ملم غربا إلى أقل من 50 ملم شرقا حيث إن معدل الهطول المطري طويل الأمد 90 ملم سنويا في منطقة المحمية و يعتبر مناخها حارا صيفا إلى بارد قليل الرطوبة شتاء.
وما يميز محمية الأزرق المائية أنها الواحة الوحيدة التي تعمل بنظام التزود الطبيعي للمياه في إقليم الصحراء المشرقية وتصل الذروة الحيوية في المحمية أثناء فترات هجرة الطيور وفي فصلي الصيف والشتاء حيث تتصف محمية الأزرق بالمناخ الرطب نسبيا؛ ما يجعلها غنية بالتنوع الحيوي و تتوفر المواطن الطبيعية في المحمية لعدد من الكائنات المائية والبرية حيث يتواجد في المحمية ما يقارب 141 نوعا من النباتات المائية كالحلفا والقصيب الفارسي التي تنمو في المستنقعات ونباتات السمار والغرقد والأثل ونباتات القيعان الطينية و الملحية بنسبة 1.8 % بالإضافة إلى السبخات وتم اكتشاف ما يزيد على 81 نوعاً من الطحالب و ما يزيد على 163 نوعاً من اللافقاريات و ما يقارب 18 نوعاً من الثديات كابن آوى و الثعالب الحمراء حيث إنها تعتبر ممرًا هاما للثعالب و الضباع كما أنها تضم ما يزيد على 11 نوعا من الزواحف ونوعين من البرمائيات وما يقارب 15 نوعا من الرعاشات والفراشات.
السمك السرحاني.. في الأزرق فقط دون العالم
يستوطن في محمية الأزرق السمك السرحاني (Azraq killifish) واسمه العلمي (Aphanius sirhani) وهو نوع نادر ومستوطن من الأسماك سمي نسبة لوادي السرحان الممتد حتى المحمية فهذا النوع لا يوجد في أي مكان في العالم إلا في واحة الأزرق.
وقد تم اكتشافه وتصنيفه لأول مرة في عام 1983 من قبل ثلاثة علماء وباحثين نمساويين (فولفوك وشول وكروب) وقد أصبح إرثاً طبيعياً حضارياً للمنطقة وقد كان مهدداً بالانقراض، حيث تم اكتشافه مرة أخرى من قبل فريق الدراسات في الجمعية بعد أن علمنا بأنه لم يعد يتواجد في الواحة بعد جفافها في مطلع التسعينيات، إلا أن جهود الجمعية الملكية لحماية الطبيعة قد تضافرت لإنقاذه وإعادته إلى وضعه الطبيعي حتى أصبح اليوم مجتمعاً حيوياً طليقا.
وبدأ مشروع المحافظة على هذا النوع عام 2000 و ما زال مستمراً إلى هذا الحين، إذ درست الجمعية أسماك السرحاني و حددت وضع الحماية الحالي لها، و بعد ذلك قررت إدارة الجمعية البدء ببرنامج الإكثار في الأسر لهذه الأسماك نتيجة لضعف الفرصة في المحافظة عليها في عين المكان وكان الإطلاق الأول عام 2002 إذ أطلق من السمك المخزون إلى الطبيعة ما يزيد على الـ 350 فرداً.
ونال نجاح مشروع إعادة إكثار السمك السرحاني في محمية الأزرق اهتماما كبيراً عالمياً من حيث حصل على جائزة شركة فورد العالمية في مجال البيئة كما أصدر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) تقريرا يشير بأن مشروع إكثار السمك السرحاني في محمية الأزرق من أكثر مشاريع الإكثار نجاحاً عالمياً.
تسجيل 350 نوعا من الطيور في المحمية
تستقطب محمية الأزرق أعداداً كثيرة من الطيور المهاجرة والتي تتخذ منها محطة استراحة في رحلتها الموسمية الشاقة من أسيا إلى أفريقيا، حيث تقضي بعض أنواع من هذه الطيور فصل الشتاء في هذه الواحة كونها بيئة ملائمة لتكاثر تلك الأنواع لاسيما إذا كان الشتاء وافر المطر وامتلأت المستنقعات والبرك بالمياه المتراكمة لهذا يغدو فصل الشتاء والربيع وأواخر الخريف أفضل الأوقات لمشاهدة أنواع من هذه الطيور ومراقبة حراكها في هذه المنطقة.
ففي عام 1977 أعلنت اتفاقية رامسار (RAMSAR) واحة الأزرق والقيعان الطينية المتاخمة لها كمحطة أساسية للطيور المهاجرة على الطريق الإفريقي-الأوراسي.
ويزور المحمية العديد من أسراب الطيور في كل عام إما لتستريح فيها خلال رحلة هجرتها الطويلة، أو لقضاء فصل الشتاء أو حتى للتزاوج في المحمية، حيث تم تسجيل 350 نوعا من الطيور التي مرت بالمحمية.
طائر النسر الرمادي.. لأول مرة
سجلت الجمعية الملكية لحماية تحليق طائر النسر الرمادي لأول مرة فوق محمية الأزرق المائية والذي يعد من أحد أندر أنواع الطيور.
وقال مدير محمية الأزرق المائية حازم الحريشه ان النسر الرمادي يعتبر من أحد أندر أنواع الطيور ويعد واحدا من أكبر نسرين في العالم وهو يهاجر بأعداد محدودة وتم رصده اليوم محلقا فوق محمية الأزرق لأول مرة، فطائر النسر الرمادي وعلى رغم تسجيله بضع مرات في الأردن إلا انه لم يسجل في محمية الأزرق المائية سابقاً.
وبين الحريشة أن النسر الرمادي يعتبر من الطيور النادرة وتم تسجيله محلقاً فوق سماء المملكة لكنه لم يسبق له التعشيش في الأراضي الأردنية، موضحا أنه من الطيور الجارحة التي تتغذى على الجيف ويطير لمسافات طويلة بحثاً عن الغذاء، ويتواجد النسر الرمادي في أوروبا وإسبانيا تحديداً إلا أن له مجتمعات في مناطق قريبة من الأردن في المملكة العربية السعودية وتركيا.
ويقع الأردن على طول أحد أهم الممرات الرئيسية لهجرة الطيور حيث تمر الطيور المهاجرة من أوروبا عبر الأردن في مواسم الهجرة، الربيع والخريف.
اللقلق الأسود.. طائر زائر نادر
كما يوضح حازم الحريشة مدير محمية الأزرق المائية، عن رصد طائر اللقلق الأسود الذي يعتبر نادر العبور إلى الأردن موضحا أن طائر اللقلق الأسود، قدم من القارة الأوروبية، نحو الأردن، حيث استوطن محمية الأزرق المائية في الوقت الحالي طلبا للبيئة الرطبة وللدفء والماء والطعام، متوجها عقب ذلك نحو القارة الأفريقية وذلك ضمن ما يعرف بهجرة الشتاء. ويصف الحريشة طائر القلق الأسود بأنه من الطيور الكبيرة، إذ يصل طوله إلى حوالي 1 متر واحد، فيما يصل طول أجنحته إلى 1.8 سم، أما عن وزنه فيصل إلى 3 كيلو غرام تقريبا.
ويستطرد الحريشة في وصف الطائر بقوله: «طائر اللقلق من الطيور الخجولة والقلقة، ولون ريشها أسود باستثناء البطن، أما سيقانها ومنقارها وما بين أعينها فأحمر اللون، منوها إلى أن الطائر يمشي ببطء وبثبات على الأرض وعندما يطير يمد رأسه إلى الأمام».
وفيما يتعلق بطعام الطائر المشار إليه فإنه فيتغذى على الأسماك والحشرات والبرمائيات والرخويات والطيور والقوارض في بعض الأحيان فهي تتواجد دوما في أسراب صغيرة بالمستنقعات والأنهار.
ويكشف الحريشة أهمية محمية الأزرق بأنها ذات رطوبة مستمرة على مدار العام؛ ما يجعلها مكانا جذابا للطيور والحيوانات البرية.
منوها إلى أن الجمعية الملكية لحماية الطبيعة أنشَأت داخل المحمية العديد من المراصد لمراقبة الطيور التي يمكن من خلالها رصد أنواع الطيور المهاجرة التي تقصد المحمية.
الضخ الجائر.. كارثة الأزرق
عانت محمية الأزرق من كارثة بيئية بسبب الإفراط في استخدام المياه من حوض الأزرق، فالضخ الجائر للمياه من واحة الأزرق إلى المدن المجاورة وحفر الآبار بشكل غير قانوني أدى إلى تناقص مستمر في مستويات مياه الحوض في السنوات الخمسين الأخيرة،.
ففي عام 1981 بدأ مستوى الماء بالهبوط ليصل في العام 1993 لمستويات متدنية جداً حيث أسفرت هذه المستويات المرتفعة من استخراج المياه عن استنزاف الواحة الطبيعية بشدة الأمر الذي أدى إلى جفاف مساحات واسعة من الأراضي الرطبة والتي وصلت لأكثر من 25 كم2.
وفي عام 1992 جفت الينابيع الرئيسية التي كانت تغذي الأراضي الرطبة ووصل عمق المياه لأثني عشر متراً تحت سطح الأرض.
ليتضاءل عقب ذلك الجسم المائي الذي كان يوماً نظاماً بيئياً مزدهراً حتى وصل إلى ما نسبته 0.04% مما كان عليه في السابق وظهرت آثار ذلك على شكل نقصان أعداد الطيور التي تتوقف في الأزرق خلال هجرتها.
وفي العام 1994 وبدعم دولي بدأت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عملية إنقاذ للواحة ونجحت في استعادة جزء مهم من الأرض الرطبة، حيث كان هدف هذه الجهود رفع نسبة المياه المستنزفة 10 بالمائة، حتى الآن لم يتم تحقيق هذا الهدف بسبب الضخ المستمر، ونقص القوة البشرية، وقلة الخبرة بإدارة المناطق الرطبة.
وبفضل جهود الجمعية الملكية لحماية الطبيعة العديد من الطيور التي من أجلها تم إعادة تأهيل الواحة بدأت تعود، وحتى يستمتع الزوار بمشاهدة الطيور في المحمية تم بناء ممرات خاصة ومرافق مراقبة الطيور.