الدستور- ليث العسّاف - إن التعامل مع أزمة تفشّي فيروس كورونا المستجد و التي يشهدها العالم أجمع اليوم لا يتم إلّا بتكاتف جميع الجهود في كافة القطاعات على مختلف أنواعها. وكما لا يمكن فصل الدين عن أمور الحياة جميعها فإن للدين رأيه في التعامل مع هذه الأزمة وما يتّصل بها كالدعوة إلى المبادرة بإجراء الفحوصات لمن يشتبه بإصابته بمرض فيروس كورونا المستجد، وعدم الاستهتار في أرواح الآخرين و ضرورة الإفصاح عن الإصابة بالمرض حماية لهم و منعا من انتقال العدوى بين الناس ، بالإضافة إلى ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي من تنمّر على أولئك الذين ابتلاهم الله بالمرض مما يدفع مخالطيهم إلى عدم الإفصاح عن احتمال إصابتهم و عدم الذهاب لإجراء الفحوصات اللازمة، الأمر الذي يعود بالضرر على الأمة جمعاء.
وفي ما يلي آراء بعض من علماء الشريعة الإسلامية ممّن حاورتهم «الدستور»
الشرفات :
دعا الشيخ الدكتور مرزوق الشرفات مفتي البادية الشمالية من يشتبه أنه مصاب أو مخالط لمصاب بفيروس كورونا أن يتوجه إلى المراكز المختصة أو أن يتصل بأهل الاختصاص للتأكد من خلوّه من هذا المرض وعدم الاستهتار بحياته وحياة الآخرين من باب الحرص على سلامة الإنسان نفسه قبل أن يتفشى فيه المرض وقبل أن ينقل هذا المرض إلى أحبّ الناس إليه بدافع الوقاية، فكما قيل «درهم وقاية خير من قنطار علاج «
وكما أشار إلى وجوب المحافظة على أرواح وأجساد وممتلكات الآخرين بأن لا يلحقها بسببك موت أو مرض أو ضرر لا قدر الله، قال الله تعالى «من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»
وبالمقابل قال تعالى « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»
فيجب على من يعرف أنه مصاب أن يذهب لتلقي العلاج ويعزل نفسه عن الآخرين وإلا كان آثما محاسبا أمام الله. كما يجب على من يعرف أو يشتبه بنفسه بوجود هذا الفيروس أن يتوجه إلى مراكز الفحص للتأكّد من خلوه من هذا المرض حتى لا يقع في الإثم أمام الله سبحانه وتعالى .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بإرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها «
و نرى أن كافة هذه الإجراءات تأتي حماية للناس من العدوى، وعليه فلا يحلُّ للمشتبه بإصابتهم أن ينأوا بأنفسهم عن الفحوصات ولا يجوز لهم مخالطة الأصحاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يوردنّ ممرض على مصح» كل هذا من أسباب الوقاية والعناية بهذا الإنسان حتى يكون قويا صحيحا معطاء وحتى يحقق الأمن لنفسه.
أمّا فيما يتعلق بموضوع التنمّر فهو لا يحلّ شرعاً، فالمُصاب بمرض كورونا أو غيره من الأمراض هو مبتلى مكروب، لا يحلُّ التنمّر عليه أو الاشمئزاز منه، ومن واجب المسلم إن رأى مصابا بمرض أن يحمد الله عزّ وجلّ على نعمة العافية وأن يقول: « الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاك به وفضلني على كثير ممّن خلق تفضيلا « فمن قالها عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش، أي طوال حياته لن يصاب بأمر الله عز وجل بهذا البلاء أيا كان نوعه.
والأصل بالمسلم أن ينفع المصابين وأن يقف معهم وأن لا يشمت بهم فإنّ أحبَّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وعلينا أيضا أن نعلم أن المرض بلاء من الله لا سيما إن كان معديا كهذا البلاء الذي حل بالدنيا والذي يحتاج في زمن سرعة انتشار المعلومة عبر الفضاءات الالكترونية إلى المزيد من الآداب العامة وعلى رأسها الآداب الدينية التي رسمها الإسلام تجاه مثل هذه الأمور ومنها الصبر والاحتساب وطلب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى والدعاء متمثلا بدعاء المبتلى لنفسه امتثالا لفعل أيوب عليه الصلاة والسلام عندما قال «ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين» ودعاء الآخرين له لقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل» وفي رواية أخرى «من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بالمثل»
ويجب أن لا نظهر الشماتة أو التنمر لهذا المريض أو حتى لأهل قرية أو مدينة أو دولة كما يفعل البعض هداهم الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك» بل علينا أن نقف مع من ابتلاهم الله تعالى بهذا البلاء وبغيره ونشدّ من أزرهم ونفسح الأمل أمامهم ونرعاهم بما نستطيع لأن المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضا بل أكثر من ذلك فالمسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ذنيبات :
واشار فضيلة الشيخ الدكتور وليد ذنيبات إلى أن هذا البلاء والوباء أصبح حقيقة واقعة في شتى أنحاء البلاد، وبالتالي هذا ابتلاء من الله عز وجل ونحن لابد أن ندعو لهولاء الناس الذين أصيبوا بهذا البلاء وأن لا نشمت فيهم لأن هذا ليس من أخلاقنا ولا من أخلاق الإسلام كما أنه ليس من أخلاق الإنسانية فهو إنسان مبتلى يجب أن ندعو له ونسأل الله عز وجل له الشفاء .
وحذّر النبي عليه الصلاة والسلام من الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك، فلا يجوز ولا يحق لنا أن نشمت بهؤلاء الناس ممّن أصيبوا بهذا الابتلاء أو أن نتنمّر عليهم ، فكل واحد منّا لا قدّر الله معرضٌ إلى أن يصاب بهذا البلاء أو غيره أو أن يقع في مصيبة، بل بالعكس هذه المصائب يجب أن تكون دافعا لنا للعودة إلى الله عز وجل و أن نكثر من الدعاء و الاستغاثة بالله سبحانه وتعالى، وأن نصلح أحوالنا مع الله عز وجل فقد يصاب أي أحد فينا بأي لحظة من اللحظات.
الأمر الثاني أن هؤلاء الذين يخشون على أنفسهم من الذهاب إلى الفحص فهذا الإنسان قد يؤذي نفسه و غيره، و قد علّمنا النبي عليه الصلاة والسلام في كل لحظة من اللحظات أن «لا ضرر ولا ضرار» فلا ينبغي على المسلم أو الإنسان بشكل عام أن يضر نفسه أو غيره وبالتالي لابد أن يتنبّه لنفسه على الأقل ولأهله وأسرته أن لا يصيب أحد منهم ، إن لم يكن بدافع الخوف على نفسه فيجب أن يكون دافعه خوافا على الآخرين الأمر الذي يعدُّ من أخلاق المسلم أنه لا يؤدي إلى ضرر نفسه ولا إلى ضرر الآخرين،قال تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وقال النبي عليه الصلاة والسلام «لا تقتلوا أنفسكم» وبالتالي من الشجاعة بل من الرجولة و من خلق الإسلام الذي علمنا إياه النبي عليه الصلاة والسلام أن يذهب الإنسان لإجراء الفحص وتلقّي العلاج في حال إصابته، وهذا الإنسان المبتلى بهذا المرض إن مات به فهو شهيد وله أجر الشهيد، وإن صبر واحتسب وتعافى فله مثل أجر الشهيد كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.
فحقيقة الأمر ينبغي علينا أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد، وأن لا يشمت أحدنا بالآخر وأن لا نتوانى عن الذهاب إلى الكشف عن أحوالنا.
ولا بد من عودة جادة حقيقية إلى ديننا و شرعنا، و إلى الابتعاد عن المعاصي، و أن يتفقد كل واحد منا ما له وما عليه.
المشاعلة :
واوضح فضيلة الشيخ محمود المشاعلة مفتي لواء البترا أنّ الإسلام قد نهى عن الشماتة بالآخرين لبلاء نزل بهم أو مكروه أصابهم؛ لما في ذلك من إحزان هؤلاء وأذيتهم بغير ذنب اكتسبوه يقول الله تعالى « وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا»
والشماتة بالآخرين خلق ذميم وسلوك مشين يدل على نفس غير سوية وعلى قلب قاسٍ يخلو من الرحمة والعطف والمودة، إذ أن المسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ومن مستلزمات هذه المحبة أن لا يُظهر الشماتة بأخيه ، وقد تكون هذه الشماتة سببا لإبتلاء هذا الإنسان بما شمت به من الآخرين ،فقد نهى النبي عن إظهار الشماتة بأخيك فيعافيه الله تعالى ويبتليك.
فهؤلاء المساكين الذين ابتلاهم الله بهذا المرض وأصيبوا بهذا الفيروس لم يكن الأمر باختيارهم بل قدر الله تعالى لهم هذا المرض، فواجب المسلم أن يدعو الله أن يصرفه عنهم وأن يشافيهم، وأن يدعو الله أن يعافيه أيضا وأن لا يبتليه لأنه قد يصاب بما أصيبوا به، فالمسلم يسرّه ما يسرّ أخيه ويحزنه ما يحزن أخيه فلا يشمت ولا يفرح بما يصيب إخوانه من هذا البلاء،و كان الرسول عليه الصلاة والسلام دائما يستعيذ بالله من الشماتة فكان يقول: « اللهم إني أعوذ بك من درك الشقاء وشماتة الأعداء».
أمّا من ابتلي بهذا المرض فيجب عليه أن يتخذ أسباب الوقاية وأسباب الحذر ما استطاع، وأن لايخالط الآخرين لأن ذلك مدعاة لانتقال هذا الفيروس لهم، فقد قال الله تعالى « يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم» ، وقد قال عليه الصلاة والسلام «لا يردن مريض على صحيح»
فينبغي على من يعرف أنه مصاب بهذا المرض أن يعزل نفسه أولا عن ابناء مجتمعه جميعا، والأهم من ذلك الذهاب إلى أهل الاختصاص من الاطباء للتأكد ووقاية نفسه والآخرين شر هذا البلاء، وهذا قبل أن يكون واجبا انسانيا هو واجب شرعي.
كما خاطب الشيخ المشاعلة كلّ من يعلم من نفسه أنه مصاب بهذا الفيروس الذي ثبت ضرره وأنه يسبب الموت أحيانا إلى كل من أصيب ثم استهان بالأمر وتعمّد أن يخالط الناس وأن لا يعزل نفسه وأن لا يذهب إلى المختصين ليخبرهم، و أكّد أنه لو فعل ذلك واتصل بالآخرين وانتقل هذا الفيروس لهم وسبب لهم الضرر أو ربما الموت فإنه في هذه الحالة يصبح قاتلا متعمّدا، فليحذر المسلم فالقضية قضية جنة أو نار وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحذر من أن يكون المسلم مسببا للضرر للآخرين، قال عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» أي لا تضرّ بنفسك ولا تجلب الضرر لغيرك.