الجريدة -
عندما أهان توم براك الصحافيين اللبنانيين، وبأسلوبٍ وقح، لم يكن هذا النهج غريباً، فقد استوحى نهج الرئيس ترامب، ومشى على خُطاه.
ما نشاهده مباشرةً على التلفزيون، وما نقرأه بالصحف، ليس محل اجتهاد، لكنه كلام مباشر وصريح إلى درجة لم نعهدها من قبل مع أي رئيسٍ «ديموقراطي» أو «جمهوري».
سيرة سيئة جداً في التعامل مع الصحافيين الذين هم ليسوا على هواه، وهذا أمر مُستهجن من قائد دولة تؤمن بالديموقراطية والاختلاف بالرأي وحُرية التعبير.
كم مرة أحرج صحافيات أو صحافيين بمجرَّد أن يطرحوا عليه سؤالاً لا يخدمه ويخدم سياساته! المسألة تعدَّت حدود الإحراج والرفض والنقد، هي أخرجت هذا الرئيس العظيم من عقلانيته، ليضع نفسه في صورة القديس الذي لا يُخطئ، فيما الآخرون محتقرون.
تخيَّل نفسك تقف أمام الكاميرات وتوجِّه سؤالاً مشروعاً، لتتلقى نوعاً من التهكم بسؤال عن جنسيتك أو الاستهزاء باللكنة التي تتحدَّث بها!
إهانات وطرد وتحذيرات على الملأ... هكذا يبدو المشهد جلياً، وما أكثره تقززاً، كوصفه لمراسلة بأنها «مريعة»، يستهزئ بها، أو يطلب خروج الصحافيين من القاعة، أو يقوم بتوبيخهم بعبارات معيبة وغير إنسانية.
أحدث الابتكارات في عالم الضوء والإعلام ما أطلقه البيت الأبيض قبل أسبوع على صفحة موقعه الرسمي الإلكتروني، وسمَّاه «قاعة العار»، للتشهير بوسائل الإعلام والصحافيين الذين ينشرون تقارير لا تتوافق مع أهوائه. ضمَّ الموقع قائمة المخالفين، وصُنفت بعناوين التحيُّز والكذب وجنون «اليسار».
«اصمتي أيتها الخنزيرة»... هكذا رد على مراسلة «بلومبرغ» يوم 14/ 11/ 2025، وبعد أيام وصف مراسلة «ABC» بأنها شخصية ومراسلة سيئة والشبكة التي تعمل فيها مزيفة.
قاموس الشتائم الموجَّه للصحافيين يبدأ بكلمة «قبيح»، ويتدرَّج إلى «غبي»، ويمتد إلى دول وشعوب، فقد وصف دولاً إفريقية ب «أماكن قذرة»، والصوماليين المهاجرين بأنهم «حثالة البشر».
يعتقد الرئيس ترامب أنه هو مَنْ يصنع الخبر والحدث ويعلِّق عليه، كما يشاء، ومُعاداته للصحافيين تحتاج إلى قراءةٍ وتحليل، بعد أن تسبَّبت تصريحاته في عسر هضمٍ للمتلقين.
لم تعد لوسائل الإعلام والصحافيين مكانة أو سُلطة رقابية في عالم الرئيس ترامب، فقد باتوا غير مرحَّب بهم ومتطفلين، رغبته بأن يفرض الرواية والسردية التي يراها ويرغب بسماعها فقط، فلا مكان لمن يعترض، بعدما فرض مزيداً من القيود والحظر على وجودهم في المؤتمرات الصحافية التي يعقدها.
الشيء الجدير بالذكر أن اتحاد علماء النفس في أميركا أصدر بياناً تاريخياً يُحذِّر فيه من مخاطر سيطرة الاستبداد على السُّلطة السياسية. البيان تزامن مع مقال للكاتب توماس فريدمان ينبِّه فيه من حربٍ أهلية جديدة، ويُعيد التذكير بما تعلَّمه من مهنة الصحافة: «إذا رأيتَ الفيلة تطير، فتأكد أنه سيحدث شيء مختلف لا تفهمه»، يبدو أن القادم من سُلطة المال والنفوذ لا يعير اهتماماً لمن يُعارضه بالرأي من الصحافيين.