عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Apr-2025

البابا الراحل ثوري أخفق في رص صفوف الكنيسة الكاثوليكية

 الغد-كاثرين بيبنستر* - (الإندبندنت) 2025/4/23

 
قاد البابا فرنسيس الكنيسة الكاثوليكية بأسلوب إنساني ومتجدد، محاولاً إصلاح مؤسسة غارقة في الأزمات الأخلاقية والإدارية. ولم تنجح مساعيه كلها، لكنه ظل صوتاً عالمياً يدعو إلى التعاطف مع المهمشين وحماية الكوكب.
 
 
على الأرجح، كان البابا فرنسيس الذي توفي عن عمر ناهز 88 سنة، بعد 12 عاماً في قيادة الكنيسة الكاثوليكية، أشهر أرجنتيني في التاريخ.
كان البابا، الذي وُلد في العام 1936 باسم خورخي ماريو بيرجوليو، يدرك دائماً قوة التواصل مع الناس. وقال ذات مرة في بداياته ككاهن: "الناس العاديون يحبون لمسة من إيفيتا" (في إشارة إلى الممثلة السابقة وزوجة الرئيس إيفا بيرون).
ولم يكن الحس بالتواصل مع الناس الذي تميز به البابا فرنسيس مجرد تفصيل، بل أصبح إحدى أبرز سماته طيلة فترة توليه منصب رأس الكنيسة الكاثوليكية. وتجلى هذا الحس منذ لحظة ظهوره الأول على شرفة "كاتدرائية القديس بطرس" في آذار (مارس) من العام 2013، حين خاطب الحشود بروح مرحة، قائلاً إن الكرادلة "ذهبوا إلى أقاصي الأرض" ليجدوا البابا الجديد، ثم طلب منهم أن يصلوا من أجله، وختم كلمته بتمنيات بسيطة للمستمعين: "تصبحون على خير ونوماً هنيئاً".
وكان كثيراً ما يخاطب الحشود التي تتجمع أسبوعياً أمام الكاتدرائية لأداء صلاة التبشير الملائكي من ساحة البازيليك، بقوله: "استمتعوا بغدائكم"!
على عكس سلفه البابا بينديكتوس السادس عشر الذي كان أسلوبه رسمياً وأكثر تمسكاً بالتقاليد، بدا نهج فرنسيس في مقاربة الأمور أكثر وديةً وتواضعاً. فقد تخلى عن القصر الرسولي ليعيش في مقر متواضع، وتجاوز الرموز البابوية التقليدية كالرداء الفاخر المزخرف بالفرو والحذاء الأحمر. ولم تقتصر فترة بابويته على تغييرات في الأسلوب، بل خاضت في جوهر الأمور أيضاً.
ورث البابا فرنسيس كنيسة تعصف بها أزمات كانت تتطلب زعيماً يعالجها: اتهامات بالفساد المالي في الفاتيكان، وفضيحة عالمية بشأن الاعتداء الجنسي على الأطفال، ومؤمنون كاثوليك عاديون يشعرون بالتهميش وبأن كنيستهم بعيدة عن واقع حياتهم. وإلى جانب ذلك، كانت هناك قضايا كبرى يحتاج العالم إلى صوت أخلاقي يتحدث بشأنها، مثل التغير المناخي، والفقر المدقع في الدول النامية، ومعاناة المهاجرين واللاجئين.
في ذلك الحين، استقبل ملايين الكاثوليك البابا الجديد بحماسة كبيرة، ورأوا فيه قائداً روحياً يعبر عن شكل أكثر رحمة وإنسانية لإيمانهم.
حين سئل البابا عن موقفه من المثليين -وهم فئة كثيراً ما تقابل بالإدانة من بعض أساقفة الكنيسة- أجاب ببساطة: "مَن أنا لأحكم عليهم؟". وفي وقت لاحق، أوصى بأن يقدم الكهنة بركة رمزية للأزواج من الجنس نفسه. وعلى الرغم من تمسكه بتعاليم الكنيسة التقليدية بشأن الزواج، دعا إلى السماح للمطلقين المتزوجين من جديد بتناول القربان المقدس. وقال إن الكنيسة يجب أن تكون أشبه بـ"مستشفى ميداني" للمحتاجين.
امتدت رسالة البابا فرنسيس إلى أبعد من رعاية المحتاجين لتشمل كوكب الأرض نفسه. ففي رسالته العامة أو وثيقته التعليمية للعام 2015 "كُن مُسبحاً" Laudato Si (وهو عنوان ترنيمة كان ينشدها القديس فرنسيس الأسيزي الذي أخذ البابا اسمه)، دعا البابا إلى حماية البيئة واصفاً الأرض بأنها "بيتنا المشترك"، وحض على اتخاذ إجراءات عاجلة لرعاية خليقة الله ومعالجة تغير المناخ والتدهور البيئي. وكثيراً ما أعطى زائريه الرسميين نسخاً عنها، وهي لفتة يُرجَح أنها لقيت استحسان ولي عهد بريطانيا في حينه، الأمير تشارلز -أحد أبرز المدافعين عن قضايا البيئة- في حين يتساءل البعض عما إذا كان دونالد ترامب، خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، قد ألقى بها في سلة المهملات في طائرة الرئاسة الأولى، أثناء عودته إلى واشنطن.
كما لم يكن هناك أي ود ظاهر بين البابا والرئيس الأميركي في ما يخص قضية الهجرة. فقد أبدى فرنسيس، ابن المهاجرين إلى الأرجنتين، اهتماماً بالغاً بالمهاجرين طوال فترة حبريته، داعياً الحكومات إلى معاملتهم برأفة. ووجه انتقاداً صريحاً إلى خطط ترمب لبناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، قائلاً إن هذا التصرف "لا يمت للمسيحية بصلة".
وكان البابا يكرر دعواته إلى إحلال السلام؛ حيث زار مناطق مزّقتها الحروب في أفريقيا، كما كان يتصل يومياً بكاهن الرعية الكاثوليكية في غزة منذ اندلاع المواجهات الأخيرة مع إسرائيل، حتى خلال وجوده في المستشفى لتلقي العلاج من التهاب رئوي.
لكن مساعيه لتحقيق السلام داخل الكنيسة لم تكن دائماً موفقة. فقد أثار قراره حظر إقامة القداس اللاتيني التقليدي سخط الكاثوليك المحافظين، الذين رأوا في الخطوة نوعاً من الانتقام. كما أن جهوده لمعالجة فضائح الاعتداء الجنسي لم تثمر بالقدر الذي كان مأمولاً. فقد انسحب عدد من الخبراء -ومنهم ناجون من تلك الانتهاكات- من اللجنة البابوية التي أنشأها، موجهين انتقادات لاذعة إلى الفاتيكان على التقصير والاستجابة المتأخرة.
أما النساء اللواتي شعرن بالإحباط بسبب افتقارهن للسلطة والتمثيل داخل الكنيسة، فقد استقبلن بارتياح تعيين البابا لعدد من الراهبات في مناصب رسمية داخل الحاضرة الرسولية، لكن هذا الانفتاح خيب آمال الكثيرات بعدما بدت تحقيقاته بشأن إمكان ترسيم نساء كشماسات (معاونات كاهن)، وكأنها فقدت الزخم. وبقي كما كان أسلافه البابويين، معارضاً بشكل قاطع لفكرة منح المرأة رتبة الكهنوت.
ما هو الإرث الذي خلفه البابا فرنسيس؟ كان متحدثاً بارعاً وقائداً دينياً امتلك قدرة نادرة على التواصل مع الكثير من الناس. وشكل صوتاً أخلاقياً بالغ التأثير على الساحة الدولية. وعلى الرغم من ما أدخله من إصلاحات على الكنيسة، ومنحه دوراً أكبر للعلمانيين في اتخاذ القرار في رعاياهم وأبرشياتهم، إلا أنه لم يتمكن من ردم الهوة العميقة بين التيارين الليبرالي والمحافظ داخل المؤسسة الكنسية.
مع اقتراب موعد انعقاد المجمع السري لاختيار خليفة له، سيجد الكرادلة أنفسهم أمام السؤال الجوهري الآتي: هل هناك بيننا من يستطيع أن ينهض بهذه المهمة الشاقة وشبه المستحيلة؟
 
*كاثرين بيبنستر: معلقة دينية ورئيسة تحرير سابقة للأسبوعية الكاثوليكية "ذا تابلت" The Tablet.