أذربيجان... علاقات متغيرة*سلطان الحطاب
الراي
زرت أكاديمية العلوم الأذربيجانية في باكو، وكنت قبل عامين سجلت للدكتوراة فيها، وهم يمنحون الدكتوراة لمن كانت عنده أعمال أو كتب منشورة بعد تقيييمها ، لم يكن ذلك هو ما يهمني، لكني وجدت مكتبة عربية هامة، فيها مخطوطات وكتب تراثية، والتقيت استاذة متخصصة في التاريخ والتراث العربي وصاحبة أفضل كتاب في ذلك، عن التأثير العربي في أذربيجان بعد الفتح الإسلامي أنها الدكتورة نرجيس عليييفا ، من الأكاديمية الوطنية الأذربيجانية ومديرة المتحف الوطني ، التي قدمني لها البرفيسور كهرمان حسين اغايفا استاذ الآثار والتاريخ .
قرأت في تاريخ البلاد أن الذي أمر بفتح أذربيجان كان الخليفة عمر بن الخطاب في العام 22 هجرية.
وقد بدأ الفتح المغيرة بن شعبه، ثم جرى تأمير عقبة بن فرقد السلمي، ليحكم البلاد، وكان عادلاً، مثقفاً، تفهم الأديان الموجودة انذاك وأمد زعيم الطائفة الزرادشتية بمال لاعمار "بيت الدين" العائد له، وقد استقرت أوضاع البلاد التي انطلقت منها الفتوحات شرقاً الى ما وراء القزوين بحر الخزر والى السند وما وراء النهر بعد الخروج من بلاد فارس، وقد وصل المسلمون في زمن خلافة معاوية الى اوزبكستان وتركمانستان بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي والى الصين وقد دفن ابن عم النبي قثم بن العباس في اوزبكستان في سمرقند،وقد زار الملك عبد الله الثاني الشهر الماضي الضريح وقرأ عليه الفاتحة وقد كانت معظم الفتوحات الشرقية فيما بعد، والتي وصلت الى ماليزيا واندونيسيا عن طريق التجارة ، وليس بالسيف، في حين كان فتح أذربيجان بعد أن استعصت أرمينيا على الفاتحين المسلمين لوعورة مسالكها، فالتف المسلمون خلف جبال ارارات ودخلوا اذربيجان وبقيت ارمينيا على دينها ، وقد استشهد على طريق فتح اذربيجان المسماة طريق الحرير كما يعرف الآن وهناك اضرحة وقبور الكثير من الصحابة والتابعين تنتشر في جنوب اذربيجان وعلى الطريق الى ايران من الشمال، وقد زرت العديد من هذه الأضرحة التي تحمل اسماء اصحابها.
كانت اذربيجان زمن الأمبرطورية القيصرية وفي سنواتها الاخيرة وقبل مجيء الاتحاد السوفياتي، تمتد داخل ايران التي احتلت جزءا كبيرا منها وكانت عاصمتها تبريز على بحر القزوين، والآن لم يبق من دولة اذربيجان سوى نصفها ، في حين يمتد نصفها الآخر في ايران، حيث يعيش أكثر من 20مليون أذري في ايران، كما يعيش الفرس وهم القومية الأبرز والذين لا يتجاوزون ال 40% من السكان، وقد كانت ديانتهم المجوسية قبل الاسلام، أما بقية سكان ايران فهم من العرب في الجنوب عربستان والبلوش والاكراد.
ترك العرب ايران بلاد فارس وتوجهوا إلى أذربيجان ... وعرف من علمائها المسلمين الكثيرين ومن الشعراء الذين كتبوا بالعربية والفارسية والتركية، وكان اسم اذربيجان يتكرر بشكل كبير في كتاب الكامل لابن الأثير، وهو يتحدث عن الفتوحات،وعن المسالك والثورات وقد عاش في هذه البلاد محدثون وباحثون وعلماء، عرفت اسماؤهم وذكروا في كتب التراث ومعاجمه.
يرتبط الاردن المعاصر باذربيجان بعلاقات جيدة، بدأت باعتراف الأردن بالدولة الأذربيجانية الجديدة المستقلة عن الاتحاد السوفياتي بداية التسعينيات من القرن الماضي حيث بدأت العلاقات وجرى تبادل الزيارات الرسمية بين القادة وارتبط الأردن مع اذربيجان باتفاقيات وعلاقات مميزة.
لكن ما يلفت الانتباه هنا، وقد تابعت تطور العلاقات الأذربيجانية الاسرائيلية، خاصة بعد الحرب في أقليم كارباخ، إذ تطورت العلاقات مع اسرائيل، وزار مسوؤلون اسرائيليون باكو وكذلك مسؤولون أذربيجانييون ، وتستورد اسرائيل النفط الاذربيجاني وتقبل باكو قدوم الاسرائيليين بدون تأشيرات، وتشكل الطائفة اليهودية هنا على قلتها، نفوذاً قوياً وواسعاً، وقد وصف الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، العلاقات مع اسرائيل، بانها لا يظهر منها الاّ رأس الجبل، وأكثرها مدفون لا يرى، في تأكيد على اتساع هذه العلاقات وسريتها وطبيعتها وخاصة في مجال الاسلحة والحرب على الارهاب وفي الاستخبارات، حيث بنيت محطة لذلك من أكبر المحطات التي اشتكت منها ايران، كما تصنع اذربيجان طائرات مسيرة تصدرها الى اسرائيل وأنواعا أخرى من الاسلحة التي تصدر بشكل مباشر وغير مباشر من دول اخرى عبر اذربيجان ، وقد تغيرت تحالفات اذربيجان أخيرا، فقد تمتعت بعلاقات استراتيجية وقوية مع تركيا التي ساعدتها في حربها ضد ارمينيا.
كما أن العلاقات الاذربيجانية – الأمريكية، تطورت لصالح تغير الموقف الاذربيجاني في مواجهة ايران وسياساتها، في حين توترت العلاقات الاذربيجانية مع روسيا اخيرا وجرى التضييق على الاذربيجانيين المقيمين في روسيا والذين يحملون الجنسية الروسية ويساهمون بشكل عملي في الاقتصاد الروسي، إذ أن الموقف الاذربيجاني من الحرب في اوكرانيا لم يحسم لصالح روسيا،
اذربيجان دولة مهمة فهي نفطية بامتياز وأسواقها حكر على تركيا، اذ ان معظم مستورداتها من السوق التركية اليوم وبفضل النشاط المتزايد للسفارة الأردنية وجهود السفير النهار اصبح ممكنا توسيع العلاقات التجارية معها وانفاذ الاتفاقيات الأردنية الاذربيجانية العديدة.التي لايجوز ان تتأخر اكثر في إنفاذها.