حارات منسية.. لا صالات ولا جاهات وعرس جميل
الراي - خالد قوقزة - في حاراتنا المنسية لم يكن بها فنادق وصالات تُقام بها حفلات أعراس اولاد وبنات الحارات،وكل ما في الأمر خربوش (بيت شعر) بحوش الدار وحفلة وزفة ودبكة شباب وختيارية ويرغول او شُبيبة يعزف عليها عبدالغفور او صلاح االله يرحمه او العكاوي ألحان الدلعونا وزريف الطول ويا لقاطات العكوب وأطعمني فطيرة، ودلال قهوة عالنُقرة، ومناسف يوم الزفّة للقرايب والحبايب اللي يحضروا وكل واحد معاه اللي يقدر عليه. اعراس حاراتنا المنسية ما كان يلزمها زُلم لابسة بدلات فانجلز او بوس ولا عُبي إمقصبة، ولا وزير يطلب ويلقي خِطابات، ولا نائب يعطي ويلقي قصائد ومعلقات، والطالب والمُعطي ما له دخل بقرعة ابو العريس ولا بابو العروس، كل ما بالامر إكبارية العيلتين هم اللي يؤمروا وينهوا ويفنّدوا السياق، والخال او العم هو اللي يطيّح العروس عن ظهر الفرس....
أعلن ابو عودة عن نيته في تجوّيز أبنه عودة على فلحه بنت ابو فلاح. فاخذ ام عودة وراحوا يزوروا دار ابو فلاح، ويشوفوا مطالب فلحه كنتهم. وبعد ما شرب ابو عودة القهوة السادة قال: يا ابو فلاح يا نسيبي، ولا تهون ام فلاح ترانا وَهّدنا دار عودة وهاي أختك ام عودة والجارات جزاهن خير شدّن الفرشات واللحُف والوسايد وطَونهِن بالمطوى، وفَرَشِن الدار حُصر، وعبّن النملية صحون وطواسي إبرنجيات، ويا خوك ما ظل علينا غير تسمحولنا بكنتنا تنزل معانا للسوق مشان تختار جهازها ولبستها، لأنه من بعد إذنك يا ابو فلاح بدنا نجوّز عودة آخر هالشهر وقبل ما تدخُل علينا الشتوية، وما خَفاك الأمر بدنا نفرح فيه قبل ما ربنا يوخذ إوداعته. رد عليه ابو فلاح وقال: يا ريتك انت وام عودة من طويلين العمر، وان شاء االله راح تفرحوا بِولاده، وأضاف: يا اخوي ترى البنت بنتكوا، وانا ما يطلعلي غير اني اقول االله يجعلها صبّار بركة عليكوا. ونظر لام فلاح وقال لها: بكرة بتحضّري البنت وبتروحي معاها، وترى ديري بالك تثقليها على الجماعة بطلبات ما إلها وجه، ردت ام فلاح:
كلامك اوامر يا ابو فلاح واللي بِفصلوه دار ابو عودة ترانا راح نلبسه ونشكرهم عليه..... توجه ابو عودة ومعاه ام عودة وكنتهم فلحا وامها من فَجّة الضو للمدينة، وأشتروا كِسوة للكنة وجهاز عروس ما لبسته وحدة بالقرية، واشترى خمس عُصمليات رشادي وخاتمين وأسوارة مبرومة، وقام واعطى بعد ما حلف يمين قاطع خاتم هدية لام فلاح وخاتم لام عودة، وأشترى قماش مخمل لخواته وخوات ام عودة مشان يفصلن مدارق جديدة. وام فلاح اشترت قماش مدارق لخوات جوزها وخواتها، واشترت بعض الجهاز على حسابها لبنتها فلحا خطيبة عودة مشان توخذهن لها يوم الصباحية.
تقرر ان تكون الدُخلة يوم الجمعة آخر الشهر وقام اولاد ابو عودة يلفوا على قرايبهم وجيرانهم ومعارفهم ويعزموا بهم لحضور الحفلة والغدا يوم الدُخلة.
كالعادة بدأت حفلة العُرس يوم الثلاثاء. حيث نصَب ابو عودة واخوانه بيت الشعر بالحوش، واشعلوا اللوكسات، وحضّروا القهوة السادة والراحة والمخشرم والجعيجبان. وبعد غياب الشمس إلتم الشباب الدَبّيكة حول دقّاق الشبيبة، وقامت الدبكة، والختيارية كانوا يدبكوا مثل الشباب، وكل ما يستريح عازف الشبيبة والدَبّيكة يجلس الختيارية قدام البيت ويشعلوها دحّية وهجيني. والنسوان في بيت شعر ثاني يرددن اغانيهن الخاصة بالعريس والعروس.
يوم الخميس ليلا يقوم الشباب بتحناية العريس في بيت اهله، وخلال التحناية يرددون اغاني خاصة :-
سبّل عيونه ومد ايده يحنونه
وأيش هالغزال اللي راحو يصيدونه
يالمّي و يا يلمّي شدّيلي مخداتي
طلعت من البيت وما ودّعت خياتي
يالُمّي ويا يا لمّي شدّيلي مناديلي
طلعت من البيت وما ودعت انا جيلي
اما ام عودة وبناتها ونسوان الحارة فيذهبن الى دار العروس مشان يحننها، وخلال تحناية العروس كانن يردد:
رحّبي بضيوف أبوكي يا حلوة يأم الإسوارة
يا هلا بضيوف ابويه لو كانوا ملات الحارة
رحّبي بضيوف ابوكي يا عروس يا نشمية
يا هلا بضيوف ابويه لو كانوا الفين وميه
بعد التحناية وانتهاء السهرة يقوم ابو عودة واخوته واولادهم بذبح الذبايح التي اشترى ابو عودة بعضهم والبعض الآخر أجاه نقوط من اخوته وقرايبه ومعارفه، فيقوموا بالصلخ والتقطيع مع ترديد الهجيني، ويرافقه مهاهاة من الحاضرات اللاتي كن يمرُسن الجميد، وينقعن الرز لطبخ المناسف للمدعوين. وبعد الانتهاء من تقطيع اللحم وتجهيزه، يأمر ابو عودة النسوان بطبخ معاليق الذبايح فطور للموجودين ويقول لام عودة خلي كم معلاق مشان العرسان.
صلة رحم، تعاون، ايثار، تكافل، تشارك هي سماتك يا حاراتنا العتيقة اللي نسيك الزمن.