“عن بعد”.. عائلات تحتفل بمناسباتها الاجتماعية في زمن “كورونا”
تغريد السعايدة
عمان-الغد- قالب من الكيك من صنع والدة الطفل قيس، وشموع صغيرة متوفرة، والقليل من الحضور الذي يقتصر على الأسرة الصغيرة.. هكذا كان الاحتفال بعيد ميلاده، بعد أن كانت الأسرة الممتدة تحتفي به مع عدد من الأقارب والأصدقاء، بيد أن تبعات “كورونا” طالت حتى تلك الاحتفالات ليكون اللقاء عن بعد عبر الاتصال المرئي “الفيديو” هو الحل لجمع شمل أفراد الأسرة المتباعدين بسبب الحظر المنزلي.
تالا أيوب والدة قيس، تقول في حديثها لـ”الغد”، إنها تحاول مع عائلتها الصغيرة قدر الإمكان اقتناص كل ما هو إيجابي في الحياة، حتى وإن كان ذلك في وسط مشكلة أو أزمة يمرون بها جميعا، كما في الوقت الحالي الذي يلقي به “كورونا” بظلاله على تفاصيل كل شيء، لتبقى العائلة متماسكة وتشعر بالسعادة بكل مناسباتها، مع وجود ذكريات جميلة تبقى حاضرة على المدى البعيد، فهي تؤمن، كما باقي عائلتها، أن “السعادة نستطيع أن نصنعها بشتى الطرق”، ومشاركة الأحباء في ذلك، وتقول “بإمكان الإنسان أن يختار الطريقة التي توفر له البهجة”.
ووسط حجر منزلي وذكرى ميلاد ابنها قيس، غاب عنه الأجداد والأصحاب، ولم تسنح أيوب للفرحة أن تمر مرور الكرام، بل عمدت إلى إقامة حفل عيد ميلاد لابنها، وذلك من خلال “احتفال عن بُعد”، كون قيس من الأطفال الذين يحبون تلك الاحتفالات والتجمعات التي تبعث على البهجة، لذا كانت فكرة الاحتفال “أونلاين”، الطريقة الوحيدة لجمع الأحبة في مكالمة جماعية عبر تطبيق “ماسنجر”، كان فيها الكثير من الحب والبهجة والغناء لـ”قيس”، وإطفاء الشمعة أمامهم، ومن ثم عمل مكاملة أخرى ضمت أصدقاءه الذين اعتادوا على الاحتفال بميلاد قيس في سنين قليلة خلت.
تؤكد أيوب ان الظروف السائدة وقانون الحظر والتباعد الاجتماعي “الذي نحرص على تطبيقه للحفاظ على سلامتنا جميعاً”، كلها أمور كانت سبباً كافياً للابتعاد عن أحبائنا وأهلنا “مكانياً”، فكان للتكنولوجيا الحديثة دورها في عمل المناسبات الاجتماعية من خلال التواصل عن بعد، ونتشارك معهم لحظات الفرح، حيث كانت العائلة قد احتفلت بعيد الأم كذلك بالطريقة ذاتها “إلكترونيا”.
ونشر العشرات من الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الفترة القليلة الماضية، الكثير من المقاطع التي تضم احتفالات بمناسبات اجتماعية قام أصحابها بمشاركتها مع أهاليهم وأصدقائهم، ليثبتوا أنهم قادرون على الالتزام بقوانين الحظر التي من شأنها أن تسهم في الحد من انتشار الوباء إلى أكبر قدر ممكن.
والتباعد الاجتماعي يُعد الطريقة الفضلى والضرورية للحد من انتشار مرض “كوفيد 19″، الذي يُلزم المواطنين بالبقاء في البيوت بعيدا عن التجمعات العائلية الكبيرة أو إقامة الفعاليات والمناسبات، إلى أن تقرر الجهات المعنية ذلك، وهو ما يحدث حالياً في مختلف دول العالم بدون استثناء.
أخصائي الاجتماع الأسري مفيد سرحان، يرى أن الإنسان اجتماعي بطبعه، يميل للتواصل مع الآخرين، وفي الظروف العادية يتواصل وجها لوجه وعن قرب، ويشارك الآخرين مناسباتهم الاجتماعية المختلفة، وهي عادات فيها الكثير من معاني الحب والتكافل والشعور مع الآخر، فتصبح الفرحة أكبر بوجود الأهل والأحباب والأصدقاء.
بيد أن الظروف الحالية، بحسب سرحان، فرضت التباعد الجسدي بين الناس، وقايةً من انتشار وباء “كورونا”، وهو إجراء ينصح به المختصون، إلا أن ذلك لا يمنع التواصل عن بعد لتأدية الواجبات الاجتماعية ومشاركة الآخرين في مناسباتهم.
هذا التواصل “ضروري جدا”، كما يصفه سرحان، خاصة في هذا الظرف؛ حيث يشعر صاحب المناسبة بأن أهله وأصدقاءه وزملاءه متابعون ويشاركون بمشاعرهم حتى وإن حالت الظروف دون استطاعتهم الحضور والمشاركة عن قرب، ولا شك أن هذا التفاعل الاجتماعي له أثر كبير على نفسية ومعنويات صاحب المناسبة. كما أن التواصل يؤكد معاني التضامن والتكافل والتعاضد من هؤلاء، مما يرفع من معنوياتهم، فالجميع بحاجة إلى رفع المعنويات، كونها تزيد من المناعة.
هذا “التباعد” فرض الكثير من العادات الاجتماعية المختلفة، التي طال تأثيرها على المناسبات الاجتماعية، فكم من أسرة احتفلت بقدوم مولود جديد في هذه الفترة، واقتصر الاحتفال به عن طريق الاتصال بالأم وتهنئتها بالمولود والاطمئنان عليهما، وهذا ما حدث مع أم آدم، التي رزقت بمولودة قبل فرض حظر التجول بيوم، فما كان من أفراد عائلتها وعائلة زوجها إلا أن اقتصروا على مهاتفتها “للمباركة” من دون أن يغامروا بالحضور إلى المنزل.
وعلى الرغم مما تشعر به أم آدم من “ألم وحاجة إلى وجود الجميع حولها لخلق أجواء مبهجة لها في البيت ومساندتها في رعاية طفلتها”، إلا أنها مؤمنة بأن هذا هو التصرف السليم من قبل الآخرين، للمحافظة على صحة الجميع والحد من انتشار “كورونا”، فما كان منها إلا أن تتواصل معهم بشكل يومي عن طريق “اتصال فيديو” يُمكن الأجداد من الاطئنان على حفيدتهم والاحتفاء بكل يوم تكبر به وكأنهم متواجدون حولها بالفعل.
كل ما قامت به أم آدم من تحضيره من هدايا لتوزيعها على ضيوفها، بقي على حاله، وما تزال بانتظار زوار البيت، لما بعد “كورونا”؛ حيث تنوي أن تقوم بعمل “مباركة” للأسرة بعد أن ينتصر الشعب على الوباء والخروج من الأزمة بأفضل حال، لتكتفي الآن بالمباركة “الإلكترونية” على أمل أن تلتقي بأحبتها وأهلها بأقرب وقت من دون “مباعدة” وباحتفال حقيقي كالمعتاد.
ويشير سرحان إلى أن شعور صاحب المناسبة بقرب الناس منه عاطفياً، يزيد من توحيد المشاعر بينهم؛ إذ إن وحدة المشاعر هي من أهم خصائص مجتمعاتنا، والمشاركة عن بعد في هذه الظروف يمكن أن تشمل عددا أكبر مما هو عليه في الظروف العادية؛ حيث يمكن أن يشارك في تقديم التهنئة كل من يعلم بالمناسبة حتى من أشخاص ليس لهم معرفة بصاحب المناسبة ممن يتابعونه على مواقع التواصل الاجتماعي، فيتبادلون عبارات ومشاعر تنبع من القلب.
المشاركة في هذه الظروف لها أشكال عدة، كما يصنفها سرحان، منها الاتصال الهاتفي، أو إرسال الرسائل، أو عبر برامج البث المباشر بالصوت والصورة، والبعض أصبح ينظم حفلاته عن بعد مستفيدا من وسائل التواصل وما تقدمه من خدمات مجانية أو بتكلفة بسيطة، وتزداد أهميتها في الظروف الصعبة، فالواجب والمسؤولية لا يتوقفان.