عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Apr-2019

إجازاتُ التفرغِ في وزارة الثقافة.. لمَ ولِمَنْ؟ - أ.د. خليل الرفوع
 
الدستور -تعمل وزارة الثقافة، منذ سنوات، على تنفيذ (مشروع التفرغ الإبداعي) الذي يعني أن يتفرغ المبدعُ عاما كاملا كي يقول قصيدة أو يكتب قصة أو رواية، وأثناء كتاباته تلك يتقاضى مبلغًا مقداره خمسةَ عشرَ ألف دينار في السنة مقابل ذلك الإنجاز الأدبي، ولي ملاحظات أقيِّدُها على هذا المشروع:
أولا: ما هو الدافع الذي دفع وزراء الثقافة - وهم المؤتمنون - لإنفاق الأموال على أعمال لم تُنجزْ بعدُ، أي على أعمال وهمية افتراضية لم تُكتب، فالأدب ليس عملا يدويا أو عقليا يُخطط له قبل إنجازه، ثم ما هو حجمه ونوعه وعن أي أدب يتحدثون؟ ونحن نعلم أن الأدب الحقيقي لا يُصْنَعُ بطريقة مبرمجة زمانيًّا.
ثانيا: إن أولئك الأدباء الذين أعْطُوهَا كان بعضُهم يعمل في وظيفته ويبدع، وبعضهم يتقاضي راتبا تقاعديا يضاف إلى راتب الضمان الاجتماعي؛ أي أنه متفرغ أصلا براتبين اثنينِ، فَلِمَ هذا العبث بأموال الوزارة؟
ثالثا: كيف يُختار المبدعون الذين سيتفرغون للكتابة الإبداعية، أعَلَى العمر أم على نتاجهم أم على حروفهم الهجائية أم على الأقرب من قلوب المسؤولين وعيونهم في وزارة الثقافة أم على لا شيء؟ وبخاصة أن العمل المفترض صناعته لم يُبَدأْ به لحظة تقديم  الطلب.
ثالثا: سُمي ذلك المشروعُ: مشروعَ التفرغ الإبداعي الثقافي، وقد تقاضى أموالَه اثنان وعشرون أديبا منذ عام ألفين وثمانية إلى ألفين وأربعة عشر، وكلهم من كتاب الرواية والقصة والشعر، فعن أي إبداع يتحدثون؟ وهل الإبداع عندهم شعر وقصة ورواية وحسب، وكم مجموع هذه الأموال التي أنفقت عليهم وعلى اللجان الإدارية والفنية والمحكِّمة وكيف أنفقت؟
رابعا: من هم الذين قيَّموا أعمال هؤلاء الأدباء، قبلا وبعدا، أم أن الأمر بيد الوزير له أن يختار اللجان الإدارية والفنية كيفما يشاء؟ نعم هم أدباء لم تزدهم أموالُ وزارة الثقافة إبداعا ؛ فقد تجاوزوا سن الأربعين حين كتبت مشاريعهم الإبدعية، وسحيم بن وثيل الرياحي التميمي (وقيل جرير وقيل غيره) هو من حدد سن الأربعين قمةً فنيَّةً للعطاء الإبداعي في قوله: «وماذا يبتغي الشعراءُ مني/ وقد جاوزتُ حدَّ الأربعينِ».
وللأسف فإن الفقرة الثانية  من المادة الثالثة من تعليمات تلك الإجازات  تنص على: أن لا يقل عمر المتقدم عن خمس وثلاثين سنة، ولا نعلم من حدد هذا العمر، ولِمَ؟ وهل سمع من وضع النظام الخاص بذلك وتعليماته أن بعض الشعراء الكبار ماتوا دون ذلك العمر، وأين موقع الشباب المبدعين من أعطيات وزارة الثقافة، أم أن ما وراء الأكمة ما وراءها ! 
خامسا: وبما أن الفائزين بأعطيات الوزارة من الأدباء، فيحسن القول إن كتابة الأدب لا تحتاج ليُصْرَفَ عليها من أموال الشعب كي تنجز، ولا نعلم أن أحدا دفع جزءا من ماله مسبقا لشاعر كي يكتب ديوان شعر عن قضية لا تخصه، ومن قال إنهم تفرغوا للكتابة وحدها ولا يخرجون من بيوتهم ولا يعملون ويتاجرون ويسافرون كما يعمل الناس في أيامهم ولياليهم.
سادسا: مال الدولة مال الشعب لا يجوز أن ينفق لأغراض استعراضية، فمن أراد أن يتفرغ للإبداع فليجلس في بيته ولينفق مما أتاه الله، سواء من تقاعده أم مِنْ نتاج بيع كتبه، ثم أين تلك الإصدارات؟ وماذا قدَّمت للوطن والأمة أو ماذا قدمت للأدب؟
سابعا: على وزارة الثقافة أن تعيد التفكير في ذلك المشروع ؛ فمن يريد الإبداع حقا لا يأخذ أموال الشعب، فليبدع ويتفرغ أيام عطله وساعات تخيِّله، ومن أراد الإنفاق بلا محاسبة فلينفق من ماله الخاص أو من تبرعات الموسرين  وليس من مستحقات الوزارة.
وبعدُ، فهذا فرع من أصل، ولا بد من النظر في الأصل حتى نعرف لما اعوجَّ الفرعُ وذبُلَ حتى بان اعوجاجه وظهر ذبولُه جَهارا نهارا، ثم إن الأدب أكبر من مشاريع لا يُعرف لمَ وجدت، ولمَنْ رُصِدتْ أموالها، وقبل ذلك وبعده فالأردن أكبر منا جميعا، وإذا كانت الفكرة قد نُقِلَت نقلا سطحيًّا من مشاريع التفرغ العلمي في الجامعات الأردنية بلا دراسة علمية فإن أسبابها ومعطياتها وتعليماتها وشروطها في الجامعات تختلف اختلافًا كاملا. والأولى إلغاء هذا المشروع الاستعراضي ومحاسبة كل من أسهم في تبذير أموال وزارة الثقافة على أباطيل وأسمارٍ واحتفالات ومهرجانات لا تعني إلا من تُصْنَعُ له وعلى عينه.