عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Apr-2019

الحرب الالكترونية بين روسيا وامريكيا - بقلم: أندريه كروتسكيخ
 
الدستور -على عكس الخلفية الدعائية المعتادة - حتى الطقوسية منها – المناهضة لروسيا فقد تم مؤخرًا سماع بعض الأصوات العقلانية في أوساط الخبراء الأمريكيين.
ومما له أهمية خاصة في هذا الصدد هو المقال الأخير الذي نشرته صحيفة ديلي بيست بعنوان «هذا الخط الساخن يمكن أن يمنع الولايات المتحدة وروسيا من الحرب الإلكترونية»، ومما لا شك فيه بالنسبة للمختصين الذين تابعوا عن كثب تطور الوضع بأن هذا المنشور سوف بالكاد يفتح أعينهم.
المهم هو أن المقال يعترف صراحةً بأن غياب حوار غير مسيس للخبراء بين روسيا والولايات المتحدة حول أمن المعلومات الدولي ليس طريقًا إلى المجهول فحسب، بل يعد أيضًا مساراً خطيراً محفوفاً بمزيد من سوء الفهم وخطر حدوث صراع واسع النطاق.
هذه ليست استنتاجات عاطفية، بل حقائق واضحة يستشهد بها مسؤولو الأمن الأمريكيون ممن عملوا سابقًا أو ما زالوا يعملون في الإدارة ويشرفون على قضايا الأمن السيبراني (الإلكتروني)، أي أنها استنتاجات ممن يعرفون الوضع على أرض الواقع بحكم موقعهم ولا بد أن تكون واقعية تماماً.
إذا كان مسؤولو الأمن وجمهور الخبراء في الولايات المتحدة يشاركون فعليًا هذا الرأي، فإن هذه هي الحالة التي سيكون من الصعب فيها الجدال مع الزملاء حتى لو كانوا «على الجانب الآخر من السياج».
منذ ست سنوات، في عام 2013، تمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن إنشاء خط اتصال مباشر بين روسيا والولايات المتحدة في حالات وقوع حوادث إلكترونية. ومن حيث المبدأ فقد تم تصميم النظام وفقًا لآلية مماثلة كانت موجودة خلال الحرب الباردة للتعامل مع الحوادث العسكرية التقليدية تمكن من تبادل سريع للمعلومات على جميع المستويات بدءاً من المستوى المؤسسي وحتى المستوى السياسي.
ومنذ إنشائها تم استخدام قناة الاتصال أكثر من مرة، فخلال إدارة أوباما حافظنا على حوار حيوي حول القضايا السيبرانية، سواء على المستوى التقني المعتاد أو في شكل مشاورات كاملة، حيث عقدت اجتماعات مباشرة بين الخبراء الأمر الذي أتاح لهم المشاركة المباشرة في مناقشة القضايا الناشئة, وعلاوة على ذلك تم تشكيل مجموعة عمل ثنائية خاصة رفيعة المستوى في ظل اللجنة الرئاسية الروسية الأمريكية.
فيما يتعلق بتشغيل «الخطوط الساخنة»، فإن المثال الأكثر وضوحًا هو خطاب الجانب الأمريكي خلال الحملة الرئاسية الأمريكية في خريف عام 2016 والذي عبرت فيه الولايات المتحدة عن قلقها إزاء اقتحام بنيتها التحتية الإلكترونية. وكالعادة كان ردنا سريعًا حيث تم تبادل المعلومات التقنية ذات الصلة، في حين أن مركز التنسيق الوطني لحوادث الكمبيوتر الخاص بنا، والمسؤول عن هذا الخط، أعلن في وقت مبكر من كانون الأول الماضي عن استعداده للكشف عن محتوى المراسلات للعامة راهناً ذلك بموافقة الجانب الأمريكي، وكنا قد أرسلنا الاقتراح ذي الصلة إلى واشنطن عبر القنوات الدبلوماسية مطلع هذا العام وكانت الاستجابة سلبية.
قدمت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية تفسيرا شاملا لهذه المسألة في مؤتمرها الصحفي الأسبوع الماضي، وأنا من جهتي يمكنني فقط أن أضيف إلى ذلك أن اقتراحنا بنشر المراسلات المذكورة أعلاه كان خطوة غير مسبوقة وتعتبر مثالاً على الشفافية الحقيقية والتي كثيرًا ما يميل شركاؤنا إلى التذرع بها.
 ليس لدى روسيا ما تخشاه ولا يوجد لدينا ما نخفيه، نحن على استعداد لفتح المراسلات لفحصها من قبل الجمهور ووسائل الإعلام والخبراء في كل من روسيا والولايات المتحدة، لكي يتمكنوا من استخلاص استنتاجاتهم بشأن ما حدث بالفعل، لكن لا يمكننا نشر هذه البيانات في الوقت الحالي بسبب رفض الجانب الأمريكي، بينما كانت ذريعة الرفض هي ما يسمى بـ»حساسية» البيانات. ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن يتم العثور على أي معلومات أكثر «حساسية» للولايات المتحدة منها لروسيا. بصراحة، إن هذا النهج يظهر بدلاً من ذلك مدى عدم تأكدهم من موقفهم، حيث أنه سيكون من الأصعب بكثير نشر المعلومات التي تتهم روسيا بأن لها يد في التدخلات الإلكترونية إذا تم نشر الحقائق الحقيقية على الملأ.
لكن ليست هذه هي نهاية هذه القصة السخيفة, فقد قررنا مخاطبة جمهور الولايات المتحدة بشكل مباشر حول وجهة نظر موسكو بخصوص ما يتعلق بـ «الخطوط الساخنة» واقترحنا عددًا من وسائل الإعلام الأمريكية الرائدة لنشر هذا المقال. قلنا لهم: نحن فقط سنعطيكم «خطابًا مباشرًا» وأنتم علقوا عليه بالطريقة التي تريدونها، وإذا كنتم لا تحبون مقترحاتنا أو إذا كنتم لا تصدقونا فضعوها على الورق ودعوا القراء يحكمون.
في بداية الأمر أظهرت وسائل الإعلام هذه اهتمامها في المسألة وطلبت منا الحصول على التفاصيل، وادعت بأنهم كانوا على استعداد لنشر المقال, لكن يبدو الأمر بأنهم حصلوا على ضوء للتوقف ومن ثم رفضوا دون تقديم أي تفسير، لعل عزيمتهم قد خفتت.
إن هذه مسألة عاطفة بينما نريد نحن أن نكون واقعيين, أنا اتفق مرة أخرى مع زملائنا الأمريكيين (مايكل دانيال، كريس بينتر ولوك ديمبوسكي) الذين تمت الإشارة إلى آرائهم في المقال، على أنه لا يكفي فقط إنشاء خطوط ساخنة للطوارئ، فمن أجل أن يعملوا بفعالية، يجب أن يكون هناك حوار بين أولئك الذين يقومون بأنشطتهم اليومية، بالإضافة إلى محادثات أوسع حول القضايا المتعلقة بأمن المعلومات الدولي.
في كثير من الأحيان يزعم المسؤولون في واشنطن بالقول أنه «ليس هناك ما يكفي من الثقة» في هذه المسألة. والسؤال هو كيف سيكون هناك أي ثقة إذا واصلتم تجنب أي نقاش حول هذه المسألة؟ لقد اقترحنا مرارًا إجراء مشاورات ثنائية إلا أنه تم رفض جميع مقترحاتنا، وفي بعض الأحيان تصبح الأمور سخيفة كما كان الحال قبل عام في جنيف عندما ألغت الولايات المتحدة اجتماعًا ثنائيًا قبل ساعتين من الموعد المقرر لبدء الاجتماع على الرغم من أن الوفود كانت موجودة بالفعل. قد يعتقد المرء أن التحدث وجهاً لوجه يبدو مروعاً للغاية لشركائنا لدرجة أنهم يفضلون نقل مظالمهم عبر وسائل الإعلام.
ومع ذلك، فإن هذه المسألة تتجاوز السياسة الروتينية أو التباهي المتبادل أو أي عوامل ذاتية أخرى، فاليوم كما قبل خمسين عامًا نتحدث عن منع تطور حادث إلكتروني على الإنترنت لصراع عسكري واسع النطاق بين روسيا والولايات المتحدة. فإذا كانت «الخطوط الساخنة» الطارئة التي تم تأسيسها والمدعومة بالحوار بين الخبراء متوقفة لأسباب سياسية فإننا سوف نواجه خطر حدوث أزمة صواريخ كوبية أخرى، وهذه المرة فقط ستحدث بسبب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وليس الرؤوس الحربية، وسوف تتكشف الأحداث في غضون دقائق تاركةً القليل من الوقت لكلا الجانبين لاتخاذ قراراتهم. يبدو وكأنه فيلم خيال علمي ولكن في الحقيقة هذا هو واقعنا منذ وقت طويل.
أريد أن أصدق أن الولايات المتحدة تدرك ذلك كما تفعل روسيا، لكن الآراء التي عبر عنها خبراء الولايات المتحدة توفر لنا على الأقل أسبابًا للأمل.
نحن أيضًا نسعى إلى نفس الانفتاح والديمقراطية والحوار البنّاء من خلال تعاوننا مع الولايات المتحدة بشأن القضايا السيبرانية في المنتديات متعددة الأطراف، ومن المتوقع هذا العام إنشاء آليتي تفاوض مخصصتين للتعامل مع أمن المعلومات الدولي: مجموعة العمل المفتوحة (OEWG) والتي يمكن لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الانضمام إليها، وفريق الخبراء الحكوميين (GGE). ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ بأنه على الرغم من أن المجموعة الأولى تم إنشاؤها بمبادرة من روسيا فقد تم إنشاء المجموعة الثانية بحكم القانون بمبادرة أمريكية، علماً بأنه في الواقع قد تم في بادىء الأمر اقتراح ورعاية كلا المجموعتين من قبل روسيا، في الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية تشكك في مسار الأمم المتحدة واغتنمت كل فرصة لانتقاده. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنه سيكون لدى الأمم المتحدة الآن مجموعتان تعملان بشكل متوازٍ ومن الضروري اليوم تحديد مبادئ تفاعلهما.
نحن لا نعتقد بأن الدخول في «قتال المصارعة» حول أمن المعلومات الدولية هو الخيار الصحيح للمتابعة في الأمم المتحدة. إن روسيا مثلها مثل أي دولة أخرى مهتمة بضمان عمل هذه المجموعات بطريقة تكميلية وغير عدائية وبناءة وتعاونية.
بدافع فطرتنا نعتقد بأنه سيكون من الأفضل «تقاسم العبء»، ووفقًا لهذه الخطة يتعين على مجموعة العمل المفتوحة التركيز على المهام السياسية الرئيسية المتعلقة بغالبية المجتمع الدولي, كقواعد السلوك المسؤول للدول في مجال المعلومات، وتدابير بناء الثقة في هذا المجال، ومساعدة الدول النامية بالإضافة إلى الشكل المستقبلي للمفاوضات حول هذا الموضوع (لجنة دائمة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أو خيار آخر).
أما بالنسبة لفريق الخبراء الحكوميين، فيمكنه بدوره أن يتناول على سبيل الأولوية مسألةً بنفس القدر من الأهمية وما تزال أكثر تخصصاً ألا وهي إمكانية تطبيق قواعد القانون الدولي الحالية على مجال المعلومات.
إن تنسيق الجهود هو المبدأ المحوري الثاني للتعايش بين المجموعتين. ينبغي أن تكون مناقشاتهم براغماتية وغير مسيسة، ويجب أن يكون هناك تكامل بين نتائجها بدلاً من التنافس. ويوضح تفويض كل من OEWG و GGE أن المجموعتين ستعالجان مجموعة هائلة من القضايا التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال المشاركة البناءة لجميع المشاركين.
أود التأكيد على أننا قدمنا للولايات المتحدة في نوفمبر 2018 مثل هذه الخطة كنوع من برنامج الإجراءات المشتركة، واقترحنا مثلما فعلنا مرات عدة سابقاً أن نلتقي ونناقش هذه الأمور كما في السابق إلا أننا لم نتلق أي رد. لم يتبق من الوقت سوى القليل قبل أن تعمل المجموعتان ولا يسعنا إلا أن نأمل بأن يسود التفكير السليم لدى شركائنا وأن يستفيدوا من هذه الفرصة قبل إغلاقها. نحن على استعداد للدخول في الحوار.
* سفير فوق العادة لروسيا الإتحادية، الممثل الرئاسي الخاص للتعاون الدولي في مجال أمن المعلومات
* نشر في يومية كوميرسانت للأعمال 27 مارس 2019