عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Oct-2019

حمام النصر.. ورد وملبس وموسيقى وزفة عريس في شوارع وسط المدينة

 

 عمان -الدستور - محمود كريشان - عمّان في القلب أنت الجمر والجاه ببالي عودي مري مثلما الآه لو تعرفين وهل الاك عارفة هموم قلبي بمن بروا وما باهوا.. إذا هي عمان الهاشمية الأبية، الطاعنة في العراقة، وهي تعانق التاريخ بعبقه الجميل وآصالته الخالدة.. وهي الأماكن الجميلة التي دوما تسرد تفاصيل المجد لهذه العاصمة الجميلة.. بل جميلة الجميلات.. على الاطلاق.
محطتنا هنا.. الحمّامات الشعبية في عمان القديمة، التي تحمل ايضا عراقة الاماكن الحميمة، وعبق المعمار الشامي التراثي، ولاتزال تقاوم في صراعها مع البقاء، وقد طواها النسيان ولفها في غياهب تحولات الحياة واغتال بعضها قانون المالكين والمستأجرين الجديد!.. بعد ان كانت في ذات زمان استراحة لاعيان البلد، وعلية القوم، وكبار التجار العابرين نحو فلسطين من الشام والميسورين.
 من دمشق الى عمان
الحكاية تبدأ من اقدم الحمامات وأشهرها على الاطلاق حمّام النصر الذي كان يقبع في دخلة سينما الحمراء، المتفرعة من شارع طلال، والذي أُنشأه فارس سعيد الحمصي، احد ابناء منطقة الشاغور الدمشقية الذي جاء الى عمان عام 1924، هربا من بطش الاستعمار الفرنسي في سوريا انذاك، وكان الحمصي يمتهن دق الحجر، وقد ساهم في بناء مآذن المسجد الحسيني الكبير، قبل ان ينتقل الحمام الى مقره الجديد في الطابق الأرضي اسفل سوق الخضار في شارع طلال.
اذا.. «حمام النصر» تم صياغته على الطريقة الشامية ليكون اول حمام شعبي في عمان، وكان زبائنه من شيوخ العشائر وكبار التجار ومعظم اهل عمان الذين يلجأون للاستحمام به نظرا لقلة الماء في البيوت في ذلك الوقت، ووجود شيء جديد لم تكن تألفه العاصمة الفتية من قبل.
 عريس الزين
في عمان.. وتحديدا في شارع سقف السيل اسفل سوق الخضار حيث يوجد «حمام النصر» استعاد مدير الحمام «مختار وسط البلد» الحاج عمر حامد شاكر «ابومحمد» شريط الذكريات وقال: كان «حمام النصر» مكانا لاستحمام عرسان عمان الذين يحضرون اليه قبيل ليلة الزفاف، يحلقون شعر رؤوسهم وذقونهم، وكان يتواجد داخل اروقة الحمام ركن خاص للحلاق، ومن ثم يستحم العريس ويلبس ثيابه الجديدة، وما ان يخرج «عريس الزين» الى الشارع، يجد العراضة الزفة في انتظاره ليزفه الجميع مشيا على الاقدام مرورا من شوارع عمان، ووسط فرحة اهلها الذين يقذفون الملبس على الموكب الراجل، وصولا الى بيته.
 كتيبة جيش بالحمام
واشار مدير الحمام المختار عمر حامد شاكر «ابومحمد» الى انه وفي مطلع الخمسينيات شهد الحمام ازدهارا منقطع النظير ليحظى بالشهرة الواسعة في عمان واصبح اهم رواده من الوزراء وكبار ضباط الجيش والامن العام والمسؤولين ومنهم: الشيخ مثقال الفايز، والمشير الركن حابس المجالي، والشيخ فيصل بن حمد الجازي، والشيخ حامد باشا الشراري والشيخ محمود باشا كريشان، ووزير الداخلية ابراهيم الحباشنة، وقائد الشرطة حكمت مهيار، وصالح ارفيفان المجالي، ونديم السمان، والشيخ محمد عودة ابوتايه، وعطالله عرار، ونديم الملاح، والشيخ جويبر العتيبي من التشريفات الملكية في الديوان الملكي العامر، بالاضافة لاستقبال الحمام افراد كتيبتين من القوات المسلحة للاستحمام كل يوم خميس في حقبة الخمسينيات. وبين ان اسعار الحمّام كانت بسيطة جدا حتى مطلع السبعينيات، حيث كان الاستحمام كاملا بمبلغ عشرة قروش بريزة ثم ارتفع الى ربع دينار، شاملا الصابون وخدمة المكيس والمناشف، ويتخلل عملية الاستحمام تقديم كاسة من الزهورات الساخنة بالمجان.
 د. عميش يتذكر
وعلى صلة يقول الدكتور عميش يوسف عميش: شدني الاهتمام لمعرفة المزيد ومما يروى عن عمّان القديمة، فذهبت لزيارة أول وأقدم حمّـام تركي أُنشِئ في عمّان عام 1927 – حمّـام النصـر وكان يقع في شارع جسر الحمّام الذي يؤدي الى وادي سرور ثم جبل سرور، وجسر الحمام يمتد بين شارع طلال وشارع سقف السيل ويبعد عن ساحة الجامع الحسيني نصف كيلومتر. بداية الحمّام كان عام 1923 أيام الحُكم العثماني كالفندق للقادمين لعمان من الشام وفلسطين الى الحجاز. وأضاف د. عميش: زرت الحمام في 21/1/2006 وتجولت فيه عدة ساعات وكان قد توقف عن العمل في نهاية القرن الماضي وقابلت حفيد فارس الحمصي وزوج ابنة عبد الحميد قشلان مدير الحمّام (انذاك)، حدثني عن تاريخ الحمّام، حيث بدأ عام 1927 باستخدام البخار من تسخين الماء على وقود الزبالة التي تكب عند السيل من أحياء عمّان. وبين عميش انه ووفي الأربعينيات حدث تطوير باستخراج البخار من البويلر (السخّان)، كذلك تعقيم البشاكير بالديتول وتغلى بالغسالات.لقد استقبلني جمال رمضان المسؤول الاداري عن الحمّام وذكر لي أنه تمت عدة عمليات ترميم للحمّام، وذكر لي أمورا ادارية: فمثلاً الدوام من (7) صباحاً الى (7) مساءً طيلة الأسبوع وأصبح فقط للرجال بعد أن كان قبل خمسين عاماً يقسم الى أيام للرجال وأيام للنساء، بمعدل (15-25) شخصاً يومياً. يوجد مضخة للبويلر لتوزيع البخار الى (11) غرفة فيها مقاعد رخامية وتغطي أبوابها برادي بلاستيكية.
 أكرموا العمَّال
وامام الغرف قاعة للجلوس على الأرض مع مكاوع، يسمح للزوار بتناول المرطبات والشاي والقهوة فقط، وفي وسط الحمّام يوجد فناء، ونلاحظ في أعلاه قبّـة مزخرفة بصورة رائعة بالزجاج الدمشقي الأخضر والأزرق، لكن البخار عبر السنين شقق دهان السقف من حول الزجاج الجميل. واضاف: ولاحظت أثناء تجوالي وجود تعليمات معلقة على جدران فناء الحمّام وتشمل الطلب من الزبائن: (1) الاستحمام لكل ساعة مقابل دينار (2) حمّام ليفة وصابون 3,75 دينار (3) حمّام مع تكييس 3,75 دينار (4) حمّام كامل مع تكييس ومساج 6 دنانير، ويافطـة مكتوب عليها أكرموا العمَّال أكرمكم اللـه.
 دخول الحمام
«دخول الحمام مو متل طلعوه» مثل شامي قديم يحمل في دلالته على أن من يدخل الحمام لا يخرج مثلما كان، وهذا ما تؤكده الحمامات الشعبية، من خلال الخدمات المميزة التي تقدمها.
حيث قال مدير حمام النصر مدير الحمام الحاج عمر حامد شاكر «ابومحمد» ان في الحمام مرافق كاملة ومن ضمنها غرف البخار «حمام البخار» بمقاعده الحجرية بالاضافة الى وجود الحماماتي أو الممسجاتي الذي يقدم الرعاية للزبائن بالاعتماد على الطرق التقليدية المعروفة في القدم، فيمنح احساساً رائعاً بالتمتع بنكهة الماضي الأصيلة.
 ختاما.. بل ومجمل القول.. ستبقى عمان الاسرة الاردنية الواحدة من شتى اصول اهلها ومنابتهم الكريمة، يتشبثون بعراقة العاصمة الهاشمية الفتية الأبية، لتبقى دوما وأبدا جميلة الجميلات و: صباح الخيرْ يَا عمان.. يَا حنّه على حنّه.. يَا فوح الخُزامى والندى... ويَا ريحة الجنّة.