الدستور- سارعت الأحزاب اليهودية في شباط الماضي قبيل انتخابات الكنيست الإسرائيلي إلى توظيف إعلان بنيامين نتنياهو أيلول 2019 عن نيته ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل (ثلث مساحة الضفة الغربية على أقل تقدير) في حمالاتها الإنتخابية، الذي جاء فور شرعنت إدارة البيت الأبيض الأميريكية عبر إعلان وزير خارجيتها مايك مومبيو بأن بلاده تعتبر المستوطنات جزءًا من الأراضي الإسرائيلية وبأنها غير مخالفة للقانون الدولي، الخطوة التي تلت اعتبار دونالد ترامب في ديسمبر 2017 بأن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل رغم إعلانات مجلس الأمن الدولي التي وجدت ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل باطل ولاغٍ.
تعرضت القدس الشرقية ومنذ عقود لعملية تهويد منظمة بحيث بات الوجود الفلسطيني فيها رمزياً، وقضمت المستوطنات الإسرائيلية مساحاتٍ واسعة من أراضي الضفة الغربية المصنفة بأنها مصدر معظم مواردها الطبيعية وغاباتها وطرقها بخلاف الواقع الجغرافي الذي أنتجه بناء جدار الفصل العنصري. مجمل ما اتبعه الإحتلال الإسرائيلي من سياسات تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 المُصنفة حسب كافة الشرائع الدولية بأنها أرض دولة فلسطين يدلل على تمسك الإسرائيلين بما يعتبرونه عمق كيانهم الإستراتيجي حسب المشروع الصهيوني المتمثل بإقامة الدولة اليهودية استناداً لأفكار استعمارية توراتية. ويبدو أن ما هو يجري الآن هو امتداد فعلي لخطة مناحييم بيغن حول الحكم الذاتي (للسكان العرب في يهودا والسامرة) التي صاغها عام 1978 وعكست منهجية الإسرائيلين كما إدارات البيت الأبيض المتعاقبة في التعاطي مع الصراع المُرتكزة على الخطاب الاستعماري الخاص بكيفية منح تقرير مصير محدود للسكان الأصليين وحقوق مجتزأة دون الاعتراف بحقهم في الأرض.
تختلف المسميات والإعلانات والسياسات التي يستخدمها قادة الاحتلال منذ بدء الصراع العربي- الإسرائيلي لتجسيد رؤاهم الاستعمارية في المنطقة بل حظيت دوماً بدعم إدارات البيت الأميريكي المطلق. إن المتتبع لمنهجيات حكومات الإحتلال الإسرائيلي المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني يجد نفسه أمام سياسات توسعية إحلالية عنصرية تعكس فقدان أدنى مستوى من الإيمان بالعيش المشترك في المنطقة العربية. بل إن مجموع الاتفاقات الموقعة بين الطرف الإسرائيلي وأطرافٍ عربية لا تتجاوز محددات مخططهم الاستعماري وبكونها تأتي ضمن مساعيهم لتحييد التهديدات الأمنية والعسكرية لكيانهم والتي بإمكانها أن تعيق من استكمال المخطط ولم تأتِ تجسيداً لامتلاك إرادة العيش المشترك أو الإيمان بالسلام.
عقلية التفوق العرقي هي التي تحكم قادة الإحتلال الإسرائيلي وحالة الذعر التي سرت في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تعكس في حقيقتها الرفض الأخلاقي لنوايا زعيم اليمين العنصري المتطرف ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، فمجموع الاعتراضات التي أبداها جنرالات مؤسستهم الأمنية تنطلق من خشيتهم أن تؤدي خطة الضم لمخاطر تعتبر تهديداً لأمن كيانهم.
توجه الحكومة الإسرائيلية الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية يُدلل على عدم امتلاكها إرادة السلام وبحال أقدمت فعلياً على تنفيذ مخططها التوسعي الشهر المقبل فإن المنطقة مقبلة على مرحلة شبيهة لتلك التي سادت قبل توقيع اتفاق كامب ديفيد عام 1979، عدم التزام الإسرائيليين بمقتضيات حل الصراع القائمة على امتلاك الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير وإقامة دولته يشكل تهديداً فعلياً للأمن والاستقرار الدوليين وإرساء السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط التي لا تحتمل مزيداً من الصدام والنزاع. فهل يتحمل الإسرائيليون تبعات قرار (الضم)؟