عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2018

روسيا وأوروبا*محمد سيد رصاص

 الحياة-يفصل حوالي القرن من الزمن بين سيطرة العثمانيين على القسطنطينية عام1453واعلان ايفان الرهيب قيصراً على الدولة الروسية الوليدة عام1547. كان انشغال القياصرة الروس في محاولة تزعم العالم الأرثوذكسي سبباً رئيسياً في حروب عشرة روسية- عثمانية بين عامي1568و1914.إذا أضفنا ،هنا، الحروب الروسية- الفارسية الخمسة بين عامي1651و1826فمن الواضح أن روسيا كان اهتمامها الرئيسي جنوباً وليس غرباً.

 
 
حاول بطرس الأكبر(1682-1725)،الذي أعلن تأسيس الامبراطورية الروسية عام1721،الاتجاه غرباً ليس فقط من ناحية التوسع الجغرافي وإنما أيضاً تغريب الحياة الروسية. برأي أوزوالد اشبنغلر في كتابه «تدهور الغرب»،الصادر في صيف1918،أن هناك «تشكل تاريخي كاذب في روسيا»،بدأ مع بطرس الأكبر وصولاً للبلشفية ، هو نوع من الطلاء السطحي الرقيق فوق الهوية العميقة الروسية ذات الطابع الأرثوذكسي- السلافي . يرى اشبنغلر أن لينين هو خليفة بطرس الأكبر عبر سلسلة (التغريبيون الروس)،من الضباط الذين تأثروا بتراث الثورة الفرنسية بعد أن دخلوا باريس عام1815إثر مشاركتهم مع البريطانيين والنمساويين في هزيمة نابليون بمعركة واترلو ثم قاموا بتأسيس (الحركة الديسمبرية)التي قمعها القيصر عام1825،إلى تولستوي . يضع اشبنغلر دوستويفسكي في الاتجاه المعاكس للتغريبيين وهو الذي قال عن مدينة سانت بطرسبورغ بأنها «أشد مدن العالم تجريداً وصنعة». يتنبأ اشبنغلر عام1918بأن الروس سيطيحون بالبلشفية وأنها لن تعمر طويلاً.
 
هنا،لم يقم لينين وستالين بتغريب روسيا من الناحية التكنولوجية – الصناعية عبر نقلها «من المحراث الخشبي وتركها مجهزة بالمحطات الذرية»في تقييم إسحق دويتشر بكتابه:»ستالين:سيرة سياسية»لمرحلة حكم ستالين(1924-1953)،وإنما أيضاً امتدت سيطرة ستالين غرباً حتى برلين.أصبحت أوروبة هي ساحة النزال بين عملاقي الحرب الباردة في الكرملين والبيت الأبيض.في عام1946قايض ستالين التخلي عن جمهوريتي مهاباد الكردية وأذربيجان في ايران مقابل سكوت الغرب عن تحويل الوجود العسكري للجيش الأحمر في بولندا إلى وجود سياسي عبر سيطرة الشيوعيين المحليين على مقدرات السلطة في بولندا التي هي ممر الاتحاد السوفياتي لأوروبة. يروي تشرشل بمذكراته اهتمام ستالين بالسيطرة أوبالمشاركة بالسيطرة على المضائق التركية،وهو اهتمام تقليدي عند القياصرة الروس حيث كانت اتفاقية سايكس- بيكو للتقاسم البريطاني الفرنسي للدولة العثمانية مثلثة بوجود روسيا التي أرادت البوسفور والدردنيل،ولكن على مايبدو أن سيد الكرملين كان يرى أن شرق ووسط أوروبة هما الميدان الرئيسي لتحديد من سيكون القوة الأعظم في العالم.أبدى ليونيد بريجنيف بالسبعينيات امتعاضاً من تحالف جورج مارشيه ،زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي مع فرانسوا ميتران زعيم الحزب الاشتراكي،حيث كان يرى الديغوليين أكثر استقلالية من ميتران الذي كان الكرملين ينظر إليه كصاحب ميول أطلسية.غازل السوفيات الرئيس الفرنسي ديغول(1958-1969) وويلي براندت مستشار ألمانية الغربية (1969-1974) لماأبديا ميولاً للاستقلالية عن واشنطن.لم ينجح الكرملين في احداث شرخ أوروبي- أميركي حيث انتهى الأمر بهزيمته أمام البيت الأبيض عام1989بالحرب الباردة.
 
لم يكن بوريس يلتسين صاحب استراتيجية روسية جديدة في التسعينيات. يملك فلاديمير بوتين هذه الاستراتيجية الروسية:تحويل روسيا إلى المزود الرئيسي لأوروبة بالطاقة،بشكل تتحول فيه لمنطقة اقتصادية متشابكة تلك الجغرافية الأوروبية الممتدة بين الساحل الشرقي للأطلسي وجبال الأورال،إضافة إلى جعل ألمانية الشريك الاقتصادي الرئيس لروسيا،وإن كانت الأزمة الأوكرنية(منذ شباط2014)قد قطعت هذا المسار عند بوتين أوعرقلته.هذا المسار الذي أريد منه روسياً جعل الأوروبي الغربي يرى في موسكو أقرب له اقتصادياً من واشنطن.بالمقابل كان توسع حلف الأطلسي، شرقاً حتى بلغارية ورومانية وجمهوريات البلطيق الثلاث السوفياتية السابقة إضافة لأعضاء حلف وارسو السابقين: بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكية ،قد تم النظر له في موسكو بوصفه تهديداً للأمن الروسي ،وعندما رأى الكرملين فيماجرى بأوكرانية عام2014اتجاهاً لضم كييف لمنظومة الأطلسي بادر بوتين إلى ضم القرم وإلى تحريض روس شرق أوكرانية على التمرد،وعلى مايبدو كان يرى في الحدث الأوكراني محاولة من واشنطن لإقامة حاجز أوكراني بين روسيا وأوروبة لتحويل روسيا إلى دولة آسيوية أولاتملك القدرة على الامتداد غرباً .
 
على الأرجح ،في هذا المجال، أن تفكير بوتين بالمجال الأوروبي في خط فلاديفستوك- ليشبونة هو أكثر من اهتمامه بخط تحالف صيني – روسي أوجعل منظمة شنغهاي للتعاون (منذ2001) تقف في وجه بروكسيل مقر الاتحاد الأوروبي.هو يملك الكثير من القلق حيال الصينيين الذين أصبحوا أقوى من روسيا بالعلاقات الاقتصادية مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في وسط آسيا كماأن الرئيس الروسي يدرك بأن أي تحالف صيني- روسي ستكون كفته مائلة لصالح الصين المتفوقة اقتصادياً على روسيا.هنا،يمكن القول بأن خطي الغاز الروسيين لأوروبة:السيل الشمالي عبر بحر البلطيق لألمانية،والسيل الجنوبي التركي عبر البحر الأسود لتركية حيث يتفرع منه (فروع ثلاثة:الأول من تركية- اليونان- مقدونية- صربيا- هنغاريا- النمسا، والثاني من تركية إلى بلغارية- رومانية- المجر- سلوفاكية،والثالث من تركية- اليونان- إلى ايطالية عبر بحر الأدرياتيك )،يعطيان صورة عن الاستراتيجية الأساسية لبوتين ،نحو ربط أوروبة بالروس اقتصادياً بعيداً عن الأميركان.لايمكن لهذه الاستراتيجية أن تنجح (أوأن لاتترنح) من دون تنازلات مؤلمة يقدمها الروس في الملف الأوكراني،كماأنها يمكن أن تفشل إن عادت الميول الأطلسية لللإنتعاش في واشنطن بعد أن تتم هزيمة الميول اللاأطلسية واللاعولمية والمعادية ل»القارة العجوز» عند دونالد ترامب ومجمل اليمين الأميركي الجديد.