فكرة زهران ممداني... هل بدأ عصر اميركي جديد؟؟!!*رجا طلب
الراي
في مدينةٍ لا تنام، وتتنفّس تنوّعًا واختلافًا بشرياً كبيراً ، يبرز اسم زهران ممداني بوصفه أحد أكثر الوجوه دلالةً على التحوّلات العميقة التي تشهدها هذه المدينة الصاخبة و الولايات المتحدة اليوم ، شابٌ من أصولٍ هندية، وُلد في أوغندا ، امه هندوسية ووالده مسلم شيعي اما زوجته التى احبها في نيويورك سورية الاصل ، تنوع اغنى شخصيته وزادها ألقا ، نشأ في بيتٍ مهاجرٍ حمل معه الحلم والحنين معًا، ليصعد من شوارع كوينز إلى مكتب عمدة نيويورك، المدينة التي تختصر ملامح العالم كلّه والتى هزمت بتنوعها لندن ، عاصمة الامبراطورية البريطانية التى كانت لا تغيب عنها الشمس .يمثل ممداني أكثر من مجرد سياسيٍ صاعد؛ فهو رمز لأميركا الجديدة التي تتسع لتعدّد الهويات والأديان والأصول ولربما لعصر اميركي جديد ، وقد يكون احد مفاتيح تعريف الحلم الأميركي بعيدًا عن لونه القديم ومركزه التقليدي، خلف لغته الهادئة وبرنامجه التقدّمي، يقف جيلٌ جديد من الأميركيين يرى في العدالة الاجتماعية والمساواة والمناخ والهوية الإنسانية المشتركة قضاياه الكبرى.بفوزه، لم يربح زهران ممداني مقعدًا إداريًا فقط يدير من خلاله عاصمة المال والرفاه في اميركا ، بل فتح نقاشًا واسعًا حول اتجاه البوصلة الأخلاقية والسياسية في الولايات المتحدة بعد 248 عاما من عمر الدولة التى تحكم العالم ، وعن معنى أن يكون العمدة الجديد لنيويورك مسلمًا، مهاجرًا، ويسارياً في آنٍ واحد.ينتمي ممداني إلى الجناح التقدّمي داخل الحزب الديمقراطي، وهو تيارٌ يشق طريقه بثقة متزايدة داخل المشهد السياسي الأميركي، متحدّياً الهيمنة التقليدية للمؤسسة الحزبية، وقد عُرف عنه دعمه الواضح لقضايا العدالة الاقتصادية، ورفضه العلني لسياسات الإقصاء، فضلاً عن مواقفه الجريئة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، ما جعل منه صوتًا مغايرًا في زمنٍ تميل فيه السياسة الأميركية إلى الحسابات المصلحية أكثر من المبادئ ،لكن ما يميّز ممداني ليس فقط خطابه التقدّمي، بل أسلوبه العملي في إدارة التغيير. فهو يدرك أن السلطة الحقيقية لا تُمارس من المكاتب المغلقة، بل حين تكون بين الناس تعيش حياتهم وتستمع لمشاكلهم ، لذلك حافظ على صورته كسياسيٍّ قريب من الشارع، يستمع، ويحاور، ويشارك الناس حياتهم في معظم تفاصيلها اليومية ، وبهذا الواقع بدا كمن يسعى إلى تحويل السياسة من مهنةٍ إلى رسالة، ومن موقعٍ للنفوذ إلى مساحةٍ للخدمة العامة.يرى كثيرون في صعود ممداني مؤشراً على تحوّل هوية نيويورك نفسها، فهي لم تعد المدينة التي يهيمن عليها صوت واحد أو ثقافة واحدة، بل مختبرًا للتعايش بين كل ما تحمله هذه المدينة من تناقضات فجة وصارخة ، من هنا، يراه البعض رمزًا لأميركا الجديدة: اي دولة لم تعد تُعرَّف باللون أو الأصل أو الدين، بل بالكفاءة والرؤية والانفتاح على الاخر في المقابل، لا يخلو مسار ممداني من تحدّيات، فخصومه من التيار اليميني المحافظ من"الأوليغارشية امثال دونالد ترامب" يعتبرونه تعبيرًا عن انحرافٍ خطير في المزاج الأميركي نحو اليسار الراديكالي، غير أنّه يواجه هذه الانتقادات بثقة وهدوء، مؤكدًا أن التقدّم ليس انحرافًا، بل عودة إلى جوهر القيم التي بُنيت عليها أميركا: الحرية، والمساواة، والكرامة الإنسانية.في زمنٍ تتراجع فيه القيم الجامعة أمام الانقسامات والاصطفافات، يقدّم زهران ممداني درساً بسيطاً وعميقاً في آن: أن الانتماء لا يُقاس بلون البشرة ولا بجواز السفر، بل بما يقدّمه الإنسان لمجتمعه في مسيرته ما يذكّر بأنّ السياسة يمكن أن تكون أداةً للإنصاف اكثر بكثير من انها وسيلة للوصول للسلطة، وأنّ الطريق إلى التغيير يبدأ حين يجد الشجعان الجرأة على السير فيه وباستعداد كامل لدفع الثمن .هكذا يصبح ممداني، بملامحه الهادئة وجذوره البعيدة، رمزاً لأميركا الجديدة — أميركا التي تعيد اكتشاف نفسها من خلال أبنائها المهاجرين، وتثبت أن الحلم لا يزال ممكناً، متى وُجد من يؤمن به ويعمل لأجله.