عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Aug-2020

“وقفة مع الخيام”.. منهج علمي دقيق يعيد الاعتبار للرباعيات الأصيلة

 

عزيزة علي
 
عمان – الغد-  يقول الناقد والمترجم وأستاذ الأدب والنقد بجامعة اليرموك د. يوسف بكار، إن قراءته وجهوده عن عمر الخيام والرباعيات، ولا سيما ما وصل إلينا من آثاره المختلفة وأخباره، أكدت له أنّه لم يدرس الدراسة العلميّة الدقيقة الوافية التي تكشف اللثام، ولو إلى حد، عنه وعن رباعياته الأصيلة وتنقيه مما أُلصق به من تهم وترهات وأساطير في المسلك والفكر والعقيدة مردها جميعًا ما وصل إلينا من رباعيات كثيرة لم يُهْتد إلى الآن إلى الأصيل منها.
ويرى بكار، في مقدمة كتاب “وقفة مع الخيام، في البحث عن الخيام والرباعيات”، الذي قام بتأليفه الكتاب الإيراني علي دشتي وترجمه بكار، أن المؤلف عُني، بمنهج علمي دقيق، عناية قصوى، بالبحث الجاد عن السمات الحقيقية لعمر الخيام والكشف عن رباعياته الأصيلة وتحديدها لكثرة ما قيل فيه وما أُضيف إليه من أوهام ونسب إليه من رباعيات طمست الأصيلة التي يظن أنها قليلة جدا حتى أضحى استخراجها من بين الركام الهائل من الرباعيات المنسوبة مشكلة من المشكلات وأمرًا عسيرًا يحتاج إلى كثير من الأدلة التاريخيّة والقرائن والأمارات العلميّة والموازنات الأدبية، إلى سبْر أغوار روح عصر الشاعر سبرًا دقيقًا.
وبكار في الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، قال “إن دشتي حاول مستعينًا بالأدوات العلمية أن يلقي في كتابه أضواء جديدة على الخيام ورباعياته إخال أننا في مسيس الحاجة إليها لنتعرف على الخيام الحقيقي والرباعيات الأصيلة”.
ويشير المترجم الى أن دشتي في كتابه هذا قام بدراسة شخصية الخيام الخلافية العصية علميًا وأدبيًا ومسلكيًا وعقديًا، مستعينًا بأدوات علمية ومعارف عدة وقرائن وأمارات ومنهج علمي دقيق للبحث عن السمات الحقيقية لعمر الخيام من خلال ما خلف من آثار علمية، وآراء معاصريه، ومسلكه الحذر ونمط كلامه وتفكيره.
جاء الكتاب في ثلاثمائة وسبع وسبعين صفحة من القطع المتوسط، وصمم الغلاف الفنان بسام حمدان واختيرت له الصورة الأصلية نفسها التي وُضعت على غلاف النسخة الفارسية. ويتضمن ثلاثة أقسام: الأول: جُعلَ في البحث عن الخيام، ويشتمل على ثمانية مباحث عن الخيام الشاعر، والخيام في نظر معاصريه، وكرمه أو ضِنّته في التأليف، ومشاجرته العلمية مع ملك الري علاء الدولة، والخيام من آثاره، والخيام والتصوف والباطنية اللذين خرج منهما إلى أنه لم ينتم إلى أي فرقة فلم يكن باطنيا، وكان أقرب إلى المتصوفة الذين يجمعون بين الشريعة والفلسفة.
أما الثاني فجُعل في البحث عن الرباعيات، إذ جهد المؤلف في أن يصطفي أصيلها من خلال ثمانية محاور أيضًا بدءًا من المصادر الموثوقة والأقرب إلى عصر الخيام؛ ثم محاور الموت والحياة، ونمط الكلام والتفكير، وخمرة الخيام، والخيام في نظر عدد من المستشرقين الذين تصدوا لدراسته وترجمة أعداد من الرباعيات. وقد اهتدى من كل هذا إلى أن ثمة رباعيات شبيهة برباعيات الخيام؛ بالاقتداء والتقليد والتحريف والرد؛ وإلى اختيار أربعٍ وسبعين رباعية رأى أنها الأقرب إلى الخيام، وإلى أن عددًا من الرباعيات تشابه الرباعيات الخيامية فتبدو كأنها خيامية.
الثالث والأخير: الفكر الحائر. وقد درس فيه بعد كل ما سلف في القسمين السابقين خمسة محاور يدلل فيها على أفكار الخيام المختلفة التي تلخص مواقفه الوجودية، وتشعبت إلى نقاشاته حول: من أين المجيء وإلى أين الذهاب؟ ونقصٌ ألا تأتي الصور جميلة، وذبابة بدتْ واختفت، والزهرة لا تُفِتّح بعد ذبولها، وهل من عودةٍ بعد الرحيل؟
وخلص بكار إلى أنه رغم من كل ما بذل من جهد في دراسة شخصية عصية خلافية كالخيام، فقد اعترف بكل صدق في ختام مقدمته “أن كل ما أنجزه إلى الآن ليس بكافٍ، وأن ميدان البحث عن الخيام والرباعيات فسيح جدا عله يظهر المجهول وغير المتوقع من خلال مصادر قديمة تدلنا أكثر على الخيام الحقيقي”.
ويقول المؤلف علي دشتي، في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه، إن معرفته بالخيام تعود إلى أيام شبابه، غير أن خيام ذلك الزمان كان يبدو له “خارقًا للعادات والتّقاليد ولا يخشاها، ومتجاوزًا حدود الاعتدال يُكسّر ويخرّق؛ إذ أطل من خلال مجموعات مترعة بمئات الرباعيات التي لم يشك أحد في صحتها وأصالتها وحتى بالجلي مما فيها من انحرافٍ غير معقول. فهل تصدر مثل هذه التلفيقات الهزيلة والتراكيب العاديّة والبسيطة والضعيفة والتناقضات الفجة عن الخيام الذي وُصف بأنه “تلو ابن سينا”؟”.
وبين أن كشف الكثير من هذه التلفيقات التي نُسبت إلى الخيام عبر رباعياته ممكن عبر تحري “سمات الخيام الحقيقية، خلافًا لكل ما هو متداول ومعول عليه، من أقواله وكتاباته، لتخليصه من سوءات روايات معاصريه، وإنعام النظر في أقواله وآثاره الأصيلة المسلّم بها لنبذ الرباعيات التي لا تتواءم مع شخصيته. وهذا ما أنجزته في القسم الأول من الكتاب بقدر ما أسعفني فيه ضيق صدري وقدراتي المحدودة”.
ويذكر أن الاكاديمي والمترجم والناقد الدكتور يوسف بكار حاصل على شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي (1972)، وعمل أستاذا جامعيا في جامعة اليرموك الأردنية حتى تقاعده العام 2016، وتولى خلال عمله في الجامعة عدداً من الوظائف الإدارية والأكاديمية، وصدر له عدد كبير من الأعمال الأدبية في النقد والتحقيق والترجمة، منها: “اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري” (1971)، و”بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث” (1979)، و”في العروض والقافية” (1984)، و”عمر الخيام والرباعيات في آثار الدارسين العرب” (1988)، و”من بوادر التجديد في شعرنا المعاصر” (1990)، و”أوراق نقدية جديدة عن طه حسين” (1991)، و”عصر أبي فراس الحمداني” (2000)، و”سادن التراث: إحسان عباس” (2001)، و”إبراهيم طوقان: أضواء جديدة” (2004)، و”حفريات في تراثنا النقدي” (2007)، و”في محراب الترجمة” (2016)، و”الترجمات الأردنية لرباعيات الخيام (2018).
وعلي دشتي أديب وباحث وناقد ومترجم إيراني كان له اطلاع واسع على الآداب الفارسية والعربية والأوروبية، وعلى النقد والفلسفة والتاريخ والموسيقى. وُلد في قصبة “دشستان” العام 1273هـ/1894م وتوفي العام 1360هـ/1981م. أمضى أعواما في العراق حيث درس العلوم القديمة، وعاد إلى إيران العام 1298هـ/1918، وأقام مدة في كل من شيراز وأصفهان التي تركها إلى طهران حيث انخرط في السياسة.