عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jan-2021

براغماتية فيروسية..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

ليس فيروس كورونا المستجد كائناً حياً، ولا يمكن أن يوجد بلا مُضيف حيّ. لكنه يتصرّف مع ذلك بطريقة تكفل له وجود مضيفين جدد، وكأنه أكثر الأحياء حكمة. وإحدى تجليات عمله التي يديرها قانون الانتخاب الطبيعي، هي التصرف على أساس أنها ليست له مصلحة في موت المضيف، باعتبار خلايا المضيف الحي هي وسيلته إلى البقاء، والتكاثر -والانتشار إلى مضيف آخر وآخر.
هذه العملية تنطوي على مفارقة بالتأكيد. فعدوى فيروسات كورونا التي قفزت إلى البشر من حيوان مجهول، (ربما الخفاش)، تؤدي في الحالات الشديدة إلى قتل المضيف، بالإضافة إلى اقتحام خلايا الضحية وتدميرها، وشق الطريق إلى كل الأعضاء والأجهزة الممكنة، يثير العنف الشديد للفيروسات ما تُسمى “عاصفة السيتوكين”. وهي ردة فعل “غاضبة” لجهاز المناعة البشري الذي يخرجه عنفُ هجوم الفيروس عن جادة الصواب، فيضربُ خبط عشواء ويهاجم الخلايا السليمة بدلاً من المصابة فقط، ويسبب التهاب الأعضاء وتلفها -والموت في نهاية المطاف.
قفزُ الفيروس من كائن إلى آخر هو في حد ذاته سلوك “عاقل” جداً. وهو “يقفز” أحياناً لأن النوع الحي الذي يستضيفه يكون قليل العدد أو مهدداً بالانقراض، فيبحث عن نوع كثير العدد ويتيح أكبر إمكانية للانتقال والعدوى. واختيار الإنسان بارع للغاية: أيُّ حيوان هو الذي سينقل الفيروس معه من ووهان الصينية إلى كل مكان في الكرة الأرضية في غضون ساعات، ويفتح له أراضي جديدة؟ من المؤكد أن “اجتماعية” البشر تجعلهم أفضل مستودعات متحركة للفيروس –سوى أن لديهم خاصية قاتلة: إنهم يبحثون عن علاجات ولقاحات قد تبيد الفيروس جملة وتفصيلاً، أو تقيد تكاثره وانتشاره على الأقل.
لذلك، يتطور الفيروس ويجتهد في العثور على طرق للاحتيال. ومن بين الطفرات غير المهمة التي لا تحصى التي تحدُث في جينوم فيروس كورونا المستجد، ثمة تحوُّرات مهمة، مثل التنويعين الجديدين، البريطاني (b.1.1.7) والجنوب أفريقي (501.v2). وتقول الدراسات إن هذين النوعين ليسا أكثر فتكاً، لكنهما أسرع انتشاراً وأكثر قدرة على العدوى بكثير من النسخة الأصلية لفيروس “سارس-كوف-2”.
حسب تقرير لمجلة “إيكوميست” فإن “كلا النوعين يسلكان المسار الذي تنبأ به علماء الأحياء التطورية، والذي يؤدي إلى نجاح طويل الأمد لعامِل مُمْرِض جديد -أن يصبح أكثر عدوى (مما يزيد من فرصة انتقال المرض) بدلاً من أن يكون أكثر فتكًا (مما يقلل من فرص الانتقال). وفي هذا الانتخاب الطبيعي أيضاً أقصى درجات العقلانية. ليس من مصلحة الفيروس أن يصبح أكثر فتكاً فيفقد مضيفيه؛ مصلحته أن يظلوا أحياء ليستضيفوه وينقلوه.
تقول الدكتورة أندريا راسك، الأستاذة المساعدة المتخصصة في الأمراض المعدية في كلية الصحة العامة بجامعة فلوريدا الدولية: “عليك أن تفهم أن الفيروس لا يريدُ أن يقتلنا. إنه لا يريد أن يكون مميتًا. إنه يريد أن يعيش المضيف البشري وأن تظهر عليه الأعراض لأطول فترة ممكنة لأنه بذلك يديم نفسه. وكلما طالت مدة قدرته على إبقائنا مُعدين، كان الفيروس أفضل حالًا”.
في المقابل، قد يسيء الفيروس الاختيار فيجني على نفسه بسبب عنفه الخاص. وكما يكتب لوتي تاجوري، الأستاذ المشارك في العلوم الطبية الحيوية بجامعة بوند في أستراليا: “من الناحية التطورية، غالبًا ما تكون هناك مقايضة للفيروس بين التكاثر وإلحاق الضرر بالمضيف. الفيروس الذي يتكاثر مثل المجنون ويقتل مضيفه بسرعة كبيرة قد لا تتاح له الفرصة للانتشار إلى مضيف جديد. ومن ناحية أخرى، فإن الفيروس الذي يتكاثر ببطء ويسبب القليل من الضرر قد يكون لديه متسع من الوقت للانتشار”. ومن النوع “المخطئ” فيروس “إيبولاً” الذي يقتل 50 % من ضحاياه.
يذكّر سلوك الفيروس بسلوك القوى البشرية الطفَيلية البشرية التي تعيش بغزو “أجسام” الآخرين والانتشار. وفي البال مثالان: أميركا والصين، المتنافسات الكبيران على الهيمنة. بالنسبة لهما، نحن وبقية الفقراء “مضيف” تُهاجَم خلايانا لإضعافها، فنهب الموارد وجعلنا مستهلكين نموّل الأثرياء والشركات –بما في ذلك شراء اللقاحات والأسلحة.
أميركا تهاجم بطريقة فتاكة؛ تضرب ضحاياها بشدة ولا يهمها إذا قتلتهم. والصين تختار أن تكون أكثر انتشاراً بأن تكون أقل فتكاً، فتنشئ “الحزام والطريق”، حيث لا يصاب الناس بالحُمى ويشعرون معها لالارتياح. وبالتأكيد، لن تزودنا أيًّ منهما بـ”لقاح فعال” ضد الغزو والانتشار في هذه الحالة –ونحن أعجَزُ من العمل عليه.