عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jan-2020

بعد اغتيال سليماني.. لبنان وحكومته المرتقبة على صفيح ساخن

 

 
أحمد السباعي
 
اختلط حابل الاقتصاد بنابل السياسية، فخرج مئات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع في 17 أكتوبر/تشرين الأول مطالبين بأدنى حقوقهم، رافعين شعار "كلن يعني كلن".
 
وككل الانتفاضات الشعبية تبدأ بالمطالبات المعيشية والخدمية من ماء وكهرباء وبنى تحتية -وهو ما يفتقر لبنان لأدنى مقوماته- حتى تصل حد المطالبة برحيل الطبقة السياسية كلها وتغيير النظام الطائفي والعبور نحو دولة مدنية.
 
وبعد أيام من نزول الناس للشارع وتحديدا في 29 أكتوبر/تشرين الأول، استقال سعد الحريري وبالتالي اعتبرت الحكومة كلها مستقيلة (بحسب نص الدستور)، وبعدها دخلت البلاد مرحلة من الوعود وضرب المواعيد المتكررة لتكليف شخصية بتأليف حكومة جديدة أولى مهامها إنقاذ البلاد من الغرق الاقتصادي والانهيار المالي.
 
ورغم حديث جميع الساسة عن خطورة الوضع، بقي الكل يعتمد سياسة "حافة الهاوية"، فالحريري مرة يوافق وأخرى يرفض وثالثة يعتذر عن تأليف الحكومة، ثم طرحت عدة أسماء سقطت إما في الشارع أو في أروقة السياسة، حتى رست "بورصة" الأسماء في 29 الشهر الماضي على حسان دياب الأستاذ الجامعي المغمور الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم العالي بين 2011 و2014، وغاب بعدها عن المشهد السياسي غيابا كاملا.
 
دياب حاول طمأنة الشارع بأنه سيلبي مطلبه بتشكيل حكومة اختصاصيين غير سياسية، وشرع في هذا الأمر، لكنه اصطدم بالأحزاب التي أرادت تسمية المرشحين بحسب حصة كل طائفة وحزب، وهو ما أدى لتوجس الشارع من الحكومة ورفضها قبل أن يعرف أسماء وزرائها.
 
والعقدة لا تتوقف فقط عند الشارع، فرغم أن دياب سُمّي من قبل الأكثرية النيابية (69 نائبا من أصل 128)، غير أنه لم يحظ بثقة كتلة نواب "السنة" الوازنة في المجلس والتي يتزعمها الحريري، ومن أصل 27 نائبا سنيا في البرلمان صوّت لدياب ستة فقط هم أعضاء في كتل نيابية متفرقة.
 
وهذا يعيدنا إلى ما يعرف في لبنان "بالميثاقية"، والتي تعني أن رؤساء السلطات الثلاثة المقسمين طائفيا ومذهبيا (رئيس الجمهورية مسيحي ماروني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، ورئيس الحكومة مسلم سني) يجب أن يكونوا الأقوى سياسيا في طوائفهم، أو يحظوا بدعم الأقوى، وهذا ما يفتقده رئيس الحكومة المكلف. 
 
وكل هذا على ما يبدو لم يوقف دياب عن الاستمرار في مشواره، وبات قاب قوسين من إعلان حكومة من 18 وزيرا تتضمن حصة للنساء وتوزيعا للحقائب السيادية (الخارجية والداخلية والمال والدفاع) كما كانت في حكومة الحريري المستقيلة، مع وجوه ليست حزبية ولكن سمتها الأحزاب، والأهم أنها وجوه جديدة لم تخض العمل السياسي في العقود الثلاثة الماضية، فكل من عمل بالسياسة في هذه السنوات متهم من قبل المتظاهرين بأنه فاسد ومشارك في الانهيار المالي والاقتصادي الذي رتب نحو تسعين مليار دولار دينا عاما على بلاد مساحتها 10452 كيلومترا مربعا.
 
الصراع السياسي بين المحاور والأحزاب في لبنان الذي أفرزه اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، لم يعد الوحيد الذي يهدد الأمن والاستقرار في البلاد، إذ دخل عامل متفاقم يوميا على الساحة الداخلية وبات يقض مضاجع الساسة والشعب في آن.
 
إنه ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية (وصل الدولار إلى 2200 ليرة ارتفاعا من 1500 ليرة) وحجز المصارف لأموال المودعين ورواتبهم، وتحديد سقف لعمليات السحب اليومية والأسبوعية بالليرة اللبنانية أو بالدولار، وهو ما أدى إلى صدامات -اتخذت طابعا عنفيا مؤخرا- بين المواطنين وموظفي البنوك، استدعت قبل أيام تدخل الأمن واستخدام الغازات المدمعة داخل أحد المصارف لتفريق المتظاهرين.
 
هذا فضلا عن فرض حظر على حركة الأموال للخارج -ما يعرف بـ"كابيتال كونترول"- غير معلن ولا مقنن، لحظر تحويل أي مبلغ إلى خارج لبنان، وذلك كله وسط شائعات باتت تغزو المجتمع بأن "أموال المودعين تبخرت، وأن المصارف أقرضتها للدولة والأخيرة أهدرتها بالفساد والمحاصصة والمشاريع غير المنتجة". 
 
وبما أن المصائب لا تأتي فرادى، أضيف إلى الصراع السياسي والانهيار الاقتصادي عامل آخر تمثل في اغتيال واشنطن للواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والذي يعد -بحسب وسائل إعلام غربية- الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية.
 
هذه العملية أدت -بحسب الصحافة اللبنانية- إلى تراجع الحدث الحكومي عن صدارة الاهتمام الداخلي، وطرحت مجموعة من الأسئلة حول انعكاس ما يجري في العراق على لبنان، وسط الحديث عن أن المساعي المبذولة لتشكيل الحكومة يمكن أن تتأثر بما جرى في بلاد الرافدين وردّات الفعل المحتملة على الساحة اللبنانية.
 
وفي هذا السياق، تنقل صحيفة لبنانية "أن دياب عبّر قبل أيام أمام أحد المقربين عن مخاوفه من خطورة تدهور الوضع في العراق، مما يستوجب الإسراع في تشكيل الحكومة".
 
وتابعت الصحيفة أن "الانطباع كان أن حكومة دياب ستكون حكومة التسوية مع الأميركيين، لكن مصير هذه الحكومة أصبح عالقا بين احتمالين: إما أن التطورات الخطيرة التي حصلت تشكل حافزا للإسراع في التشكيل، أو أن يتم التريث ريثما تنجلي الرؤية بعد اغتيال سليماني".
 
وعن هذا الموضوع، يقول الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد هشام جابر إن "الردّ قد يكون في العراق أو في سوريا أو في الدولتين معا في المرحلة الأولى، ولاحقا في الساحات حيث توجد لإيران أذرع أمنية وعسكرية وتوجد قوات ومصالح أميركية، باستثناء الجبهة اللبنانية التي لن تنصح إيران حزبَ الله باستخدامها لضرب إسرائيل، علما أن لا مصلحة للاثنين معا في توتير الوضع الآن على الحدود مع لبنان، وبالتالي، فإنّ الجبهة اللبنانية مؤجلة نظرا إلى خطورتها التي تؤدي إلى حرب إقليمية". 
 
ولكن التحليلات والآراء لا تعني أن لبنان بمنأى عن تداعيات هذا "الزلزال" الأمني والعسكري الذي ضرب المنطقة، خاصة أن اللبناني يرى أن المستقبل المنظور ليس آمنا على كافة الصعد الاقتصادية والمالية والأمنية، وبات خائفا من إدخال لبنان مجددا في نزاعات إقليمية ودولية وإعادته ساحة لتصفية الحسابات، وأقلقه كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي قال إثر مقتل سليماني "سنكمل طريقه وسنعمل في الليل والنهار لنحقق أهدافه، وسنحمل رايته في كل الساحات والميادين والجبهات".
 
المصدر : الجزيرة,الصحافة اللبنانية